نعيش اليوم علي وقع تداعيات حدث باهت ، يتعلق بمحاولة تمرير سطوة الجنرالات علي السلطة واغتصابهم للديمقراطية عنوة ،وترسيخ مفاهيم معكوسة للانتخاب والشرعية والمجالس الديمقراطية .. فإذا كانت الانتخابات الأخيرة قد جرت بطريقة أحادية لا تمت للديمقراطية بصلة .. وإذا كان اللجنة
المشرفة عليها فاقدة للمصداقية في نظر كل الفرقاء السياسيين المشاركين والمقاطعين علي السواء .. وإذا كان المجلس الدستوري الذي يشرف علي تنصيب الرؤساء هو نفسه خاضع للسلطة المباشرة للجنرال المزمع تنصيبه..!
إذا كان ذلك هو حال البلاد ، فلماذا يجري تبذير الأموال ودعوة الأجانب لمجرد نزوة وفبركة لا تنطلي علي أحد؟
تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابات رآسية شفافة،أسلوب ديمقراطي عرفته الدول الحديثة .وقد شهدت موريتانيا سابقة متقدمة في مجال الممارسة الديمقراطية تمثلت في إشراف محايد علي انتخابات تنافسية بين مرشحين مدنيّن – رغم ماشابها من تحيز بعض القادة العسكريين للمرشح سيد ولد الشيخ عبد الله- لكن تلك الانتخابات الرآسية قادت إلي شوط ثاني وشهدت تنافسا قويا وتحالفات مؤثرة أقنعت المواطن العادي بمصداقية العملية الديمقراطية وجديتها .
حدثت بعد ذلك انتكاسة كبيرة ،أعادت البلاد إلي أسوء مما كانت عليه ظروفها السياسية ، بعد أن أحكم الجنرالات قبضتهم علي السلطة ،وضيعوا الإنجازات وانحدروا بالوعي السياسي إلي أدني مستوياتها، وبعثوا الفساد من مخبئه وشجعوه ممارساته الملتوية وفتحوا الأبواب أمام المرتزقة والمتملقين ، حتى أصبحت أحزاب الحقائب والقبائل والفيئات والجيهات تنهض من جديد لتجدد الطبقة السياسية بما يناسب أحلام وطموحات الجنرالات ،وأنحسر الوعي الحضاري، وحوصرت أحزابه ،وحرم قادته من المشاركة السياسية، وأهدرت الأموال في تنظيم المسرحيات الهزلية ..
وهانحن أمام فصل جديد من فصول التجبّر والتّسلّط والهيمنة التي يمارسها بعض القادة العسكريين، ويستحوذون بواسطتها علي سلطة شعبنا وتنميته وطموحه المشروع نحو الديمقراطية والحكم الرشيد ...
في عهد معاوية ولد الطايع قال أحد جهابذة التملق : "إنه حمد الله كثيرا عندما رأي ابنه أحمد ..لأنه كان حزينا قبل ذلك علي مستقبل البلاد ..." وقال آخر: إن "الشعب الموريتاني سوف يحاكم ولد الطايع إن هو تخلي عن الترشح للرآسة..."
ونحن نقرأ اليوم لنظراء هؤلاء من "شيعة" الجنرال ، من يسب المعارضة ويشتمها ويسأل بعد ذلك :هل هي قادرة علي المطالبة برحيل الجنرال بعد مهزلة تنصيبه القادم ؟
لهؤلاء نقول: مهلا ...كل الأمور مازالت في بدايتها ..
المنصّب اليوم ليس أفضل حالا من منصّب الأمس ،وكلها تنصيبات شكلية ،لاتمنع غيره وينفس منهجه وطريقته، أن ينصّب نفسه ويختار شخوص هيئاته التي تتولي تنصيبه بكل جدية واندفاع ....وعندها ستكونون(أيها المتملقون والمتملقات) من بين من يبارك ويمجد ويؤيد. وستبقي المعارضة وحدها القادرة علي أن تقول للمنصّب والمنصّب:
ارحل، ارحل ،ارحل .