غزّة بين الدَّفع والنَّفع / آلاَّ بن محمدن بن منيه

الفارق بين[الدّفع] و[النّفع] فى المبنى ضئيل جدا، حيث ينحصر فى مجرد إبدال حرف واحد لينقلب [الدّفع] إلى [النّفع] أو العكس .. رغم شساعة ما قد يحصل بينهما من فارق فى المعنى، ضمن عموم وخصوص جامع.

ونتيجة لعدم وضوح الرؤية فى هذا الفارقـ عند البعضـ غاب عن ملحمة [غزة الجهادية] صرير أقلام ألفناها سيالة فى جليل وحقير المناسبات، وعلى صفحات الجرائد والمجلات، وفى المواقع الألكترونية، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعية ...
أدباء ، وشعراء ، وخطباء ، وساسة ، وبلغاء ، وحكماء .. لم ير لهم أدب ولاشعر ، ولم تسمع خطب ، ولا ريئت سياسة ، ولم تلف بلاغة أو حكمة !!
خرست حناجر اعتدناها صوالة جوالة ، متّع الله أصحابها بألسنة حداد قوّالة ، يصم زئيرها الآذان عند كل مأدبة ، أومناسبة مدرارة .. لاتجد غضاضة أن تكون بوقا لكل من يدفع أكثر ـ مهما كان الغرض ـ فالغاية عندها تبرر الوسيلة.
كما أدى الخلط فى التصور للفرق بين[الدّفع] و[النّفع] إلى أن راهنت على خلاف نتائج نصر[غزة الإباء] (المذهل) أنظمة وحكومات ، وأحزاب ومنظمات ، وساسة وقيادات .. لاتزال كلها لفرط سكرة ذهولها تعْمَه فى غيّها ، [فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] الحج : 46.
صحيح أن [غزة الشّرف] هي الأحوج ـ حالا ـ لأن ينالها [النّفع] ممن فيهم بقية أخلاق وشيء من التقوى .. بيد أنه عند إبدال نون [النّفع] دالا ، يصير الكل عالة على [غزة المجد].
فــــ[الدّفع] الذى زلزلت به [غزة العزة] ، مستوطنات العدو، خرّت لراجماته راسيات المستوطنات هدّا ، ونالت به من معاقل العدو خسفا ، وسامت عقول قادته وساسته مسخا .. تاج على جبين الأمة لم تكن لتحلم به فى تاريخها المعاصر على الأقل.
فقيمة [الدّفع] قيمة عظيمة ، يهون دونها كل [النّفع] ، لقوله تعالى: [وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ]البقرة : 251.
وقوله جل من قائل:[ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] الحج : 40.
وللمخالف أن يقول: ليس كل نفع مذموما ، مستدلا بما فى قوله تعالى فى: سورة النحل ، الآية: 5 ، و الحج ، الآية: 28 و33 ، والمؤمنون ، الآية: 21 ، ويس ، الآية: 73 ، وغافر ، الآية: 80 ، والحديد ، الآية: 25 ...
فأقول : الاعتراض وارد ، والاستشهاد صحيح لو أن السياق أفاد الاطلاق .. فـــ[النّفع] المخصَّص ـ هنا ـ ماكان غير شريف ، أو كانت وسيلته كذلك ، وحتى لوفرضناه فى أحسن حالاته (شريفا) ، فإنه حين يكون على حساب [الدّفع] يستحيل إلى ضده (مذموما) ، فهذا المقصود...
العجب ـ وما أكثر دواعيه فى هذه النازلة ـ أن يطلّ علينا من الشرق والغرب مسلمون عرب (متصهينون)!! ، يجاهرون دفاعا عن الجلاّد (الكيان الصهيوني) ، بكل وقاحة وصلف! .. يرفعون عقيرتهم بباطلهم دون خجل أو وجل أو ذرة من حياء!!.
وفى المقابل لايخش الكثيرون منا أن تكون قلوبهم آثمة لكتمانهم شهادة الحق ـ وهم يعلمون ـ دون مسوغ شرعي ، أو مبرر عقلي!!.
ليس سرا أن الدافع ـ فى الغالب ـ عند هؤلاء هو الخوف على [النّفع] الحاضر أو المؤمَّل .. ما ثبّطهم وجعلهم من المخلّفين عن مؤازرة [غزة الشهامة] فى واجب [الدّفع] عن الدِّين والعرض والوطن والأمة.
ربما بسبب تعطّل حاسة التقدير لديهم ، حين تصوروا [الدّفع] ـ فى هذه الحالة ـ يدفع [النّفع] ، ولم يميّزوا ـ للأسف الشديد ـ الفرق بين [الدّفع] و[النّفع].
أو أنهم ميّزوا [وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ] ،لأنهم [لَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً] التوبة : 46.
فكانت النتيجة فى كلتا الحالتين هي هي ، بمعنى أن أثر انعدام إرادة الخروج يساوى نفس النتيجة الحاصلة بسبب الجهل للفارق بين [الدَّفع] و[النَّفع].
ووحدها [غزة الشموخ] من وفّق فاهتدى لتسطير أروع صور الالتحام والانسجام بين [الدَّفع] و[النَّفع] ، لتشرف ببصماتها الطاهرة الناصعة ـ كاللؤلؤ المكنون ـ صفحات تاريخ النبل والشجاعة والإباء.
فطوبى لمن كانوا على مستوى الحدث ، فتشرفوا بأن ضمّهم موكب [غزة الشرف] ، وياضيعة الجبناء والحريصين المتخاذلين ..
أما عار الغدر وذل الهزيمة بعد خسران المعركة فلاشريك فيه لأعداء الأمة والملة ، وأزلامهم من المتآمرين الذين آثروا تتبع وضيع [النّفع] العاجل الآنى ، على شرف [الدّفع] ذى [النفع] الأدوم الأبقى.

25. يوليو 2014 - 17:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا