لاشك أن مؤسس دولة الاحتلال الصهيوني تيودور هرتز بادر إلى غرس الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية عندما وجد ثغرة في تاريخها ، مستغلا ضعف الدولة العثمانية (حاملة لواء الخلافة الإسلامية) ،
واقتتال سلاطينها ،وتشرذم الدول العربية ،وانتشار الجهل والتخلف في أوساط شعوبها ،فوضع خطته المحكمة لذالك ،وكان من أبرز أهداف تلك الخطة المشئومة :إسقاط الخلافة الإسلامية ؛وإبعاد الفلسطينيين عن أرضهم ،وقد قامت المنظمة الصهيونية العالمية بتمرير الخطة بنجاح ، وظهر اليهود لأول مرة على أرض فلسطين تحت مظلة وصاية عصبة الأمم وبرعاية الوصية إنجلترا وقد "تحققت" آمال وطموحات تيودور هرتز بشأن قيام الدولة العبرية ولكنه كان يعلم علم اليقين أن دولة الصحن الطائر لن يدوم بقاؤها طويلا على أرض فلسطين .
في بداية احتلاله لفلسطين اعتمد الكيان الصهيوني في تشكيلات جيشه على مجموعات متطرفة ،مشحونة بالحقد والكراهية ،معبأة بفكر اليهود الحاقد على الإسلام والمسلمين، لتلعب دور الجيش القادر على مواجهة العرب المتخاذلين ،وقد نجحت تلك المجموعات تحت غطاء الاحتلال الانجليزي في إبعاد المواطنين الفلسطينيين عن بعض أراضيهم ،ليقيم عليها الصهاينة ما عرف لاحقا بدولة إسرائيل ، صاحبة الجيش "الذي لا يقهر"الجيش المدعوم من أقوى دول العالم ...
يوصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه أكثر جيوش المنطقة تطورا وجاهزية ولكن يبقى السؤال هل تغني الجاهزية والتطور التقني عن الشجاعة والإيمان بالقضية في سبيل بقاء دولة وكيان محتل وغاصب ؟
لقد أثبت العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة - تلك الرقعة الجغرافية الصغيرة المحاصرة منذ ثماني سنوات -أن الجيش الإسرائيلي أسد على المواطنين من الأطفال والنساء ، نعامة في وجه المقاومة الفلسطينية الباسلة ، وكتائبها الشرسة رغم تفوقه الهائل في عدته وعتاده وتقدمه التقني وجاهز يته على المقاومة المحاصرة من كل الجهاز والتي لا تملك سوى الأنفاق.
لقد أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على غزة وصبت جام غضبها على منازل المدنيين ومستشفياتهم ودور عبادتهم ومدارسهم فاستشهد أكثر من ألف وثلاث مائة أغلبهم من الأطفال في أسابيع قليلة، ووصل عدد الجرحى إلى قرابة سبعة آلاف بينما لم تستطع تلك القوة التدميرية المتغطرسة الرعناء أن تحقق أي إنجاز على الأرض بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية وعملياتها النوعية ، وعلى رأسها كتائب القسام التي ردت على العدوان الإسرائيلي بعمليات نوعية راقية كبدته خسائر في صفوف جيشه ،فاقت كل توقعاته ، فقد قتلت المقاومة الفلسطينية أكثر من مائتين من جنود الاحتلال ،وأسرت واحدا ، وقد اعترف الاحتلال بأكثر من خمسين منهم وتكتم على الباقي خوفا من الهزيمة النفسية الواقع فيها أصلا ،هذا بالإضافة إلى مئات الجرحى الجنود، ومن اللافت للانتباه أن قتلى وجرحى الاحتلال كلهم من الجنود باستثناء يهودية واحدة ماتت هلعا ، مما يعكس مستوى الأخلاق العالي الذي تتمتع به المقاومة الفلسطينية خلافا لغطرسة وعنجهية وتخبط جيش الاحتلال الأرعن الفاشل الذي لم يقتل حتى الآن سوى المدنيين العزل باستثناء عشرة شهداء فقدتهم المقاومة في عملية نوعية قتل فيها ثلاثة عشرة من الصهاينة وأسر واحد وجرح العشرات من جنودهم .
رغم الحصار الذي فرض على غزة فترة طويلة فقد استطاعة مقاومتها أن تحقق مكاسب مادية ومعنوية جمة ، فقد صنعت المقاومة طيارة بدون طيار رآها العالم تحلق في سماء الاحتلال ولأول مرة في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية ، واستمرت رشقات صواريخ القسام وصواريخ كراد وقذائف الهاون تدك تلابيب ومحيطها – ولا تزال - مهجرة ومشردة الملايين من المستوطنين الاسرائليين ، بل إنها فرضت حصارا جويا على الاحتلال دام أيام ،وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أن الشجاعة والإيمان بالقضية قد ينتصران لصاحب الحق على التقنية والجاهزية عند المحتل الغاصب الذليل الجبان.
والحقيقة أن هناك ألف حجة و دليل على زوال دولة (الصحن الطائر) إسرائيل، فقد كشفت الحرب على غزة وبسالة مقاومتها جبن جيش الاحتلال وتخاذل قادته وتخبطهم و اعتمادهم سياسة التدمير وردود الفعل الرعناء ، والتي أبصر العالم من وراءها جبنا وإرهابا وعدم إنسانية تدل كل تلك الأعراض، على ضعفٍ وتهاوٍ وسقوطٍ باتت دولة الاحتلال تهرول في اتجاههما فقد أزفت ساعة انمِّحاء دولة الظلم والغصب والاحتلال من الوجود كما كانت ممحية منه أصلا، وسيعود للفلسطينيين مجدهم ووطنهم، وللأمة كرامتها ومقدساتها ،وسيرفع أذان التحرر في الأقصى ،وتقام صلاة النصر في القدس الشريف ،وترقد أرواح الشهداء بسلام وتعلوا أصوات الحق الله أكبر ولله الحمد.