هي أول مرة يشهد فيها سكان نواكشوط "مأتما" جميلا، بحضور دولي ورسمي، وحشد جماهيري تجاوز التوقعات، وفاق القدرة الاستيعابية لأكبر ملعب رياضي في عاصمة الملثمين..
مساء السبت الـ02 أغسطس وفي غفلة من قطاعات الأمن
المختلفة نزل رئيس الجمهورية إلى أرضية الملعب "الأولمبي"، وبدأ يحي الجماهير التي ملأت الفضاء زغاريدا وأهازيج فرح وحبور، معانقة حلم الفقراء الذي يتجسد على يد أول زعيم عربي يغلق سفارة الكيان الصهيوني في وضح النهار.
بدأ "المأتم "الجميل في يوم أجمل، كأنما أرادت الطبيعة مشاركة الشعب هذا الاحتفال الذي قاطعه المخلفون وحدهم.. كانت النسائم العليلة تداعب أزياء الحاضرين، والشمس ترسل خيوطا ذهبية لتضفي على اللوحة مشهدا رائعا بامتياز، لتتكفل أجواء السكينة والهدوء والتنظيم المحكم بإكمال جوانب الصورة المختلفة.
هو بحق "مأتم" لا كـ"المآتم" يا مدير الأمن، فيه تم تنصيب الرئيس من طرف أعلى سلطة دستورية في البلاد، وبشهادة ممثلين عن 40 بلدا حول العالم لم تصلهم دعوتكم "الكريمة" بمقاطعة "المأتم" أو لم يلقوا لها بالا على الأرجح..
وفيه خاطب الرئيس ناخبيه وأبناء شعبه، وطوى صفحة الماضي معلنا أنه رئيس للجميع بمن فيهم دعاة التصويت بالبطاقة البيضاء، وآخر سجين رأي في عهد مدير الأمن، والمطالبون بـ"الرحيل"، وأحزاب المعارضة والاغلبية، وحركات التطرف وحراك الهامشيين، والنافخون في القرب المثقوبة.
هو رئيس للجميع، يعمل لأجل إسعاده والذود عن حياضه..
ويضيف الرئيس: "..لا زلت أشعر رغم أهمية ما أنجز في المأمورية المنصرمة ، ان للفقراء من مواطني الأعزاء في آدوابه والأرياف والقرى والأحياء الشعبية دينا مستحقا في ذمتي ..وفي هذا السياق فان جهود السلطات العمومية ستنصب على توفير الخدمات الاساسية وتكثيف الدعم للنشاطات المدرة للدخل وتشييد المزيد من البنى التحتية باعتبارها رافعة أساسية لتنشيط الدورة الاقتصادية.."
" وسنتصدى بحزم لدعاة النعرات العنصرية والشرائحية والفئوية والقبلية التي تهدد بتفكيك نسيجنا الاجتماعي ولحمتنا الوطنية. فنحن شعب واحد نسعى للانتصار في معركتنا ضد التخلف ونطمح لتأسيس مجتمع ينعم بالعدالة والمساواة بين كافة أبنائه، في الحقوق والواجبات ومعيار التفاضل فيه يتحدد على أساس الكفاءة والتميز والمواطنة الحقة."
وفي "المأتم" أعلن ولد عبد العزيز أن موريتانيا ستكون أكثر أمانا وازدهارا ورخاء ونماء.. (أليست هذه كلها صفات ملازمة للمآتم؟ّ!)
نعرف أن من يعشق النار و"الكرباج" والسجون المعتمة يخشى الدعة والهدوء وخيوط الفجر، ومن يصنع المآتم ويوزعها بعدالة في بيوت الموريتانيين، قد لايعرف بالضرورة للفرح معنى، ولهذا يصعب على من عاشوا في عصور الظلام التأقلم مع الأنوار والتكيف مع أجواء الحرية..
نحن بحاجة إلى جلسات طويلة مع أخصائيين نفسيين لإعادة تأهيل اعل ولد محمد فال وببها ولد أحمد يوره وموسى افال وإقناعهم أننا نعيش القرن الواحد والعشرين، وفي العام الرابع عشر بعد الالفين تحديدا، وأن سنوات الجمر والتكميم والمصادرات والحظر قد ولت إلى غير رجعة..
فموريتانيا التي كانت بقرة حلوبا للقلة المهيمنة بالقوة، وسجنا كبيرا للاغلبية الساحقة ، ليست هي موريتانيا الجديدة التي نعيشها اليوم، وبمقدورهم بسهولة أن يكتيفوا مع العهد الجديد، إن أرادوا اللحاق بالركب، وكانت لديهم قابلية لإعادة التأهيل نفسيا على الأقل.
يبقى أن الرئيس ولد عبد العزيز يمثل عند الموريتانيين- بكل أطيافهم- حالة فريدة بين القيادات التي حكمت هذا البلد، فهذا الرئيس العسكري السابق استطاع في ظرف وجيز أن يحتل مساحة كبيرة في قلوب وعقول الملايين، لأنه الأقرب إليهم، والأصدق تعبيرا عن آمالهم وطموحاتهم، ولأنه باختصار الأكثر خروجا على المألوف.. وتلك واحدة من سمات القادة الثوريين القلائل..