قال سيدي ولد التاه وزير إقتصاد النظام الموريتاني - قبل أيام قليلة - إن عدد سكان موريتانيا، بمن فيهم الأجانب، بلغ ثلاثة ملايين و537 نسمة حسب إحصاء السكان الذي أُجري في الفترة من 25 مارس إلى 18 إبريل 2013،
في حين كانت التقديرات المتداولة تقدر عدد السكان بحوالي أربعة ملايين نسمة ، هذه الأرقام لاشك أن لها دلالات عديدة ، فبالنظر إلى الثروة السمكية الهائلة بالإضافة إلى الثروة المعدنية التي تتولى استخراجها الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) وشركات أجنبية أخرى تستخرج معادن شتى مثل الذهب والنحاس ، كل هذه الثروات إذا ما قُورنت بعدد السكان الضئيل جدا لابد أن يتسائل المرء عن أي منحى تأخذه عائدات هذه الثروة في ظل وجود بنية تحتية متهالكة ، فلا القطاع الصحي يفي بالطلب حيث المستشفيات في حالات يرثى لها كما أن قطاع التعليم هو الآخر بائس إلى أقصى الحدود فالمدارس متهالكة وبلا أثاث وأغلب تلاميذها بلا مقاعد ناهيك عن وجود مدارس تُأوي تلاميذ العديد من تلاميذ القرى ، وسيكون غنيا عن القول الخوض في وضع التعليم العالي المشين.
تبدأ أرقام موريتانيا السوداء من مستوى البطالة الذي قال وزير الإقتصاد – زورا - إنه في حدود 10% معتمدا طبعا على أرقامه الرسمية ، - لكن انظر كتاب الإقتصاد الموريتاني لتعرف كيف يتم تزوير الأرقام الرسمية - في حين يقدره الخبراء بحوالي 30% من إجمالي القوة النشطة القادرة على العمل، وهو ما يعكس فشل السياسة الإقتصادية المتبعة في هذا الصدد ، و في تقرير سنة 2013 حول مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية فإن موريتانيا وصلت لترتيب 117 وبمعدل 30 من أصل 100، هذا إن دل على شيء إنما يعطي صورة واضحة عن مستوى الفساد الذي ينخر جسم الدولة الموريتانية بفعل أنظمة عسكرية متعاقبة يأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لها مصلحة الأقارب والقبيلة والجهة على حساب غالبية الشعب المطحون مقابل وعود عرقوبية لاتنتهي، من جهة أخرى أظهر تقرير - من 130 دولة - حديث لشركة “إف إم جلوبال- FM Global” للتأمين والحماية من المخاطر، إحتلال موريتانيا للرتبة 4 من الأسفل من حيث أسوأ الدول في إقامة المشاريع.
من ناحية أخرى أظهرت تقرير تقييمي صادر 2013 عن برامج مكافحة الفقر بمراحلها المختلفة نتائج عكس المتوقع منها وهو ما يعكس عدم نجاعتها نتيجة عدم تطبيق البرامج في المناطق المتضررة بالدرجة الأولى وهو ما يعكس وجود الفساد والمحاباة على حساب الفقراء، فقد أظهر التقرير أن عدد الفقراء يتزايد من فترة لأخرى حيث كان في حدود مليون ومائتي ألف سنة 2000 ليرتفع إلى مليون وثلاثمائة ألف تقريبا سنة 2004 في حين كان العدد مليون وثلاثمائة وثمانية وعشرون ألف 2010 ، وحسب التوقعات فإن العدد سينخفض لحدود تسعمائة و أربعة وعشرون ألف بحدود 2015 وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل التزايد المستمر للأسعار مما ينجم عنه زيادة عدد الفقراء والمشردين، ومما يوحي أيضا بفشل هذا التوقع أن كل الأرقام السابقة تم توقع نتائج مغايرة لها إلا أنها في النهاية ظهرت أرقام سوداء ولن يكون توقع 2015 إلا نسخة منها خاصو أنها نفس السلسلة من البرامج الفاشلة. وإذا ما تناولنا الجانب المتعلق بالديون على موريتانيا فإننا سنجد أن الإلتزامات الخارجية على موريتانيا تصل إلى 196,5 مليار أوقية سنة 2013 بدل 192,2 سنة 2012، أما الديون الداخلية فكانت 520,3 مليار سنة 2013 بدل 458,9 سنة 2012، والضحية في هذا كله هم الأجيال القادمة التي ستجد مليارات الأوقية التي تثقل كاهل الدولة الموريتانية لا لشيء سوى أن مجموعة من المفسدين تتلاعب في مقدرات هذا البلد دون رقيب أو حسيب.
من ناحية أخرى يستمر الجنرال محمد ولد عبد العزيز في الإفتخار بإحتياطي مصرفه المركزي الذي قال إنه يمتلك ما يغطي 7,2 شهر من الواردات أي إنه يمتلك احتياطيات نقدية تقدر ب 995,6 مليون دولار ، لكن المواطن العادي الذي يسمع دوريا هذه الأرقام سيجد نفسه مضطرا للسؤال حول أهمية هذه الأموال ما دامت لا تستخدم في تحسين معيشته اليومية التي تشهد تطورا مخيفا يوميا ، كما أن عملته ( الأوقية ) تسير يوميا إلى الهاوية مقابل العملات الأجنبية على الرغم من أن ذلك يحكمه عوامل عديدة إلا أن توفر هذا المبلغ كان من المفروض أن يشكل سندا لقيمة الأوقية مقابل هذه العملات.
إذا بالرجوع إلى كل تلك الأرقام المؤلمة و الكارثية في ظل وجود مقومات إقتصادية هائلة لا يمكن أن يعزى كل هذا الفشل إلا إلى سوء التسيير وسوء الحكامة الإقتصادية بشكل عام ، الشيء الذي سيُبقي موريتانيا في الحضيض خصوصا في ظل تعاقب الأنظمة العسكرية القبلية التي لا يهمها بالدرجة الأولى إلا مصلحتها.