أن نتحدث عن أي خطاب استراتيجي فى السياسيات المستقبلية تُسير وتغير الأحوال وفقه، معناه أن نبحث فى تاريخية هذا الخطاب من جهة وفق دراسة عميقة لمبادئه وأسسه المنطلق منها، ومدى قبوله واقعيا للتحقق بالنظر إلى الدوافع التى أنتجته
والمعايير التى بُني عليها على أساس قراءة تخدم ما يرمى إليه فى مداه الزمني والمكاني.
من هنا يتنزل الخطاب المعلن واقعيا فى التجديد والتغيير الجذري وادماج من ظلم أو عانى فى ظل عدم تبني قضاياه وطرحها على صناع القرار، لتشكل اللحظة بسياقها الذي انتجها مطلبا جماهيريا وقاعدة صلبة لأفق واعدة من قرار معين تتحول وفقه المظالم أو الأحلام إلى ثوب قابل للتحقق وينجز فيه ما عجز عنه فى الفترات الماضية.
غير أن هذا القول يجعل القضية مسألة قرار ـ رغم أهميته ـ يُتحول وفقه من وضعية إلى أخرى اختصارا للزمن والفعل دون النظر إلى مسألة التحول الاستراتيجي والسياقات التحولاتية القاضية بفكرة تغيير العقليات والسير على المنهج السليم دعما للمستقبل والظرفية المعاشة.
ما أود قوله بعبارة أخرى أن مسألة القرار والقول فى تجديد الطبقات والسياسيات الاستراتيجية يحتاج إلى كثير من التروي والخطاب المعتدل الباحث عن الأصول والدلالات التفكيرية والتفكيكية للمصطلحات ودلالاتها المعرفية، بمنطق المعادلة الوطنية الباحثة عن الاجماع الوطني وفق مصالحه وضرورياته التى انتجت ذلك الخطاب، الدال على رؤية جديدة وفقها تسير الأحوال وتقام الضروريات.
ولا يخفى ساعتئذ أن ثمة أمرا مقلقا طرح نفسه بإلحاح على أولى الأمر ممن يحكمون وينفذون متمثلا فى كيفية انتاج مقاربة مفاهيمية جديدة على أساس منها يتحرك ويحكم دعما لفكرة التغيير الجذابة فى أصولها الدلالية، وشعارا مميزا للحالمين من بني هذا المجتمع.
على أن القول الباعث على الأمل يبقي مثالا يحتذي وفكرة تنشد غير أن مبلغها أو الوصول إليها يحتاج إلي سبر غور المختصين والدراسين الميدانيين والأقوال المبتعدة عن كل نزغ همه الإشادة بالقرارات دون فحص فحواها ولا مراميها الهادفة إليها فى ثوبها القصير النظر أو البعيد.
إذا السؤال المركزي يتمثل فى كيفية النهوض والتغيير الجذري؟.
مما يدرك سذاجة هنا أن التغيير المنشود أو المؤسس له، ليس مسألة فكرة براقة تشد إليها الأسماع وتتلقفها الآذان، بل هو عمل يحتاج حسب نظرنا إلى مميزات يجب أن يتصف بها وعلى أساس منها يتحرك ليتميز بمميزات المشروع النخبوي الذي وفقه يدمج الشباب من أولى الكفاءة وتغير الإدارات، و أن يتحول من موضوع شعاراتي يتنزل فى مكارم الممدوح إلى موضوع قابل للتحقق والانجاز معناه ضرورة أن نتخطى قضايا من قبيل المحاصصة والأنماط التقليدية فى الحكم والتسيير، محاولة لتغيير العقليات فى مدى زمني طويل ينشد كي تكون النتائج على مستوى التطلعات، مدعوما بفكرتين أساسيتين هما:
ـ مبدأ الكفاءات المتميزة حتى لا أقول الاستثنائية من أجل وضع استراتيجيات تخدم الصالح العام دفعا لسنة حميدة و درء لمفسدة تترآى فى ظل المتغيرات والأوضاع المعاشة.
ـ الابتعاد عن المحاصصات والطرح المصلحي والمجالي القابل لتحول بنيويا فى الأشكال المقدمة والشاذة اجتماعيا المقللة من أي تحول استراتيجي من هذا القبيل.
من المنطقي جدا وفق هذه المنطلقات أن يبحث عن هذه الرؤية الاصلاحية التى وفقها تسير الأحوال وتقاس غير أن الوجاهة تكمن فى المنطق الذي نريد والآلية التى نقيس بها ليظل الحدث المبتغى وسيلة مدركة تتضح معالمها مع مرور الأيام وعلى أساس منها تتحقق المنجزات فى كل الآفاق المبتغاة، كي لا يظل الأمر دولة بين ثلة معينة تنتهج الطرح المناطقي والمصلحي فى فضاءه الضيق البغيض.
مساءلة التاريخ والتجارب مسألة ضرورية وحتمية كي تكون النتائج على مستوى التطلعات والمطالب الجمعوية لدولة العدل والمساوات، حيث يتساوى الجميع فى الحق والواجب، وهو ما اتمنى كغيري فى المستقبل الواعد لهذه الأمة.