يكاد يكون المجتمع الموريتاني الوحيد الذي يتميز ببعض الصفاة المحيرة ومن بين هذه الصفاة التملق السياسي أو الجري خلف البزات الداكنة للعسكر الإنقلابيين.
شهدت موريتانيا منذ 1978 العديد من الإنقلابات حتى باتت تشكل رقما قياسيا سيكون من الصعب تجاوزه قريبا خصوصا مع إمكانية تعزيز هذا الرقم، هذه الإنقلابات رافقها ولا يزال نوعا من التملق يندى له الجبين بل ويضعك في حيرة من أمرك بحيث لا تكاد تفقه شيئا، فكل انقلاب ترافقه جوقة من المنافقين الذين ينبرون دفاعا عنه ، تبريرا له داخيا وخارجيا، والحقيقة أنه كل مرة يعزفون على نفس الوتر " الفساد، مكافحة الفقر ، تحسين الظروف الإجتماعية، زيادرة الرواتب "، فيذوب المواطنون المطحونون في ظل هذه الوعود الخادعة.
يقول أحد الصحفيين في مقابلة تلفزيونة عن ما يسمونه " المؤمورية الأولى للجنرال " ( إن ما تحقق في موريتانيا منذ 2009 كان بداية التنمية الحقيقية و ما حدث منذ الإستقلال إلى اليوم لم يكن إلا نوع من العشوائية والفوضى ولم تكن هناك تنمية حقيقية) والكارثة أن تصريح هذا الصحفي – إن جازت تسميته بهذا الإسم – حقيقة لا مراء فيها ، لكن ليس بالمفهوم الذي يقصده هو إطلاقا ، فقبل أيام قليلة وفي تقرير لشركة " أف أم جلوبال " حلت موريتانيا في المرتبة الرابعة من الأسفل من حيث إقامة المشاريع من بين 130 دولة حول العالم ، إذا هذا دليل واضح على عدم دقة كلام هذا " الصحفي " بالمعنى الذي يقصده، أي أن نظام الجنرال أحدث تنمية في البلد، والحقيقة التي لم يقصدها هي أن موريتانيا وبفعل الأنظمة العسكرية الإنقلابية ظلت تتخبط من برنامج إلى آخر ومن خطة تنموية إلى أخرى دون أدنى نتيجة، وإذا ما قارنت موريتانيا بدول الجوار " المقارنة التي يعشقها زبانية النظام " ستجد فرقا شاسعا جدا وفي مختلف المجالات، فلا البنى التحتية قابلة للمقارنة ، جسور وكباري وسكك حديد في دول الجوار وبالمقابل نتوفر نحن على طرق ضيقة ومليئة بالحفر ، أما الحديث عن الجسور والكباري فمن باب الأحلام، هذا من جهة، من ناحية أخرى نحن نبعث بمرضانا يوميا إلى المغرب - التي لا تدخل في المقارنة معنا إطلاقا – وإلى السنغال التي يدخلها أتباع النظام في دول الجوار القابلة للمقارنة ولكنهم خاسرون بطبيعة الحال، التعليم أيضا لا يقل فداحة من بقية القطاعات فنسبة النجاح في الباكلوريا بلغت 6% في حين كانت في مالي والسنغال على التوالي 16,24% و 31,3% ، أي حجة بعد هذه يستطيع منافقي النظام التحجج بها إلا كونهم جبلوا على شهادة الزور ومحاولة تلميع نظام انقلابي عصيٌّ على التلميع، نظام يستمر في التلذذ بهوايته المعتادة في تركيع المواطنين وبمختلف درجات تعليمهم، فلقد صرح الجنرال محمد ولد عبد العزيز مرة أن على الشباب الموريتاني التوجه إلى المدارس المهنية والتخلي عن التخصصات الأدبية التي لا فائدة فيها ، والنتيجة أن شعراء و أدباء ومثقفين تساقطوا على قصعة الجنرال كتساقط الذباب على الجيفة المتحللة في تعبير صارخ عن موت الضمير وانعدام الكرامة إلى غير رجعة والكارثة الحقيقية أن رأس النظام لا يملك من الشهادات التعليمية إلا ما يملكه أميٌّ في أرذل العمر من أدغال إفريقيا الإستوائية.
إذا والحالة هذه مالذي يدفع هؤلاء المواطنون الذين يعيشون المآسي والويلات إلى التملق لنظام يسومهم العذاب والفقر الممنهج، أليست هذه مسألة تدفع للحيرة؟ ، شعب بلا مستشفيات وبلا بنى تحتية وبلا تعليم وبلا صرف صحي و بلا نظام قضائي مستقل وبلا حاجات كثيرة يصعب حصرها ومع ذلك يستمر راكعا! إلى متى هذا الخنوع المخجل ؟
من ناحية أخرى تستمر الآلة الإعلامية التقليدية في تخدير المواطنين الذين ترتفع فيهم الأمية بشكل مخيف حيث تشير تقديرات اليونسكو إلى بلوغها 60% ويزيد هذه النسبة كارثية كون من يوصفون " بالمثقفين " لا يشكلون قدوة يحتذى بها ، بل هم المتربعون دوما في الشاشات الصغيرة لمحاولة رسم صورة وردية لأنظمة دأبت على توزيع الوعود الخاوية، فإلى متى تستمر هذه الكارثة العسكرية جاثمة على صدور هذا الشعب المقهور المتملق ؟