يقال دائما إن السياسة مثل الرياضة تماما، فكلاهما "لعبة" لها قوادها، وقوانينها، ففي الرياضة لا يجوز إقالة المدرب الناجح، الذي يحقق الأهداف، ويحصد الألقاب، والتتويجات، وتعتبر إقالة هذا النوع من المدربين "مغامرة" غير محسوبة،
وخطأ فادحا، وربما حتى خيانة عظمى.
انطلاقا من هذه القاعدة الرياضية، يجوز لنا أن نسقط المثل على السياسة، والإدارة، فالموظف السيء، الفاشل يجب التخلص منه بأقصى سرعة، ووضع حد لفساده، أو حتى إرساله للسجن، وفي المقابل فإن الموظف الناجح، والإداري الكفء، يجب أن يمنح الثقة، والوقت اللازمين لاستكمال مشواره.
ومع أن إقالة الوزراء، وكبار الموظفين حق يعطيه الدستور لرئيس الجمهورية، دون حاجة لتبريره، ولا شرح دوافعه، إلا أنه – وفي ظل الحديث عن تشكيل حكومة جديدة- يتساءل المواطن العادي: على أي أساس أقيل هذا الوزير، وعين ذاك؟ وأي معيار تم اتباعه في إبقاء هذا في منصبه، وتجريد هذا منه؟ لماذا ترك هذا المفسد، وأقيل هذا الطيب، الملتزم؟!!
أسئلة يطرحها بسطاء المواطنين، ممن لا يدركون قواعد اللعبة الخفية، وحسابات "المخزن" وتوازنات السلطة، وضغوط الجنرالات، ونفوذ لوبيات القبائل، وتجار الوجاهة، فما يدركه المواطنون هو ما يشاهدونه، ويلمسونه على أرض الواقع من إنجازات، أو إخفاقات تمس بشكل مباشر حياتهم اليومية.
وما دمنا نطالب بوضع معايير واضحة،وثابتة، وصارمة للإقالة، والتعيين، فسوف ننطلق في هذا التحليل من معايير ثلاثة، نحكم من خلالها على عمل الوزراء، ونقيم أداءهم، وهذه المعايير هي:
أولا: الكفاءة في العمل(الإنجازات في القطاع)
ثانيا: الشفافية، والنزاهة في التسيير المالي
ثالثا: التعامل مع المواطنين البسطاء
وقبل أن نقدم ما نراه من أسماء يستحق البقاء في الحكومة، انطلاقا من المعايير السابقة، نشير إلى أننا نأخذ في الاعتبار فقط القطاعات الحكومية الخدمية، ذات الاتصال المباشر بحياة المواطن العادي، مثل: الصحة، التعليم، الأمن، البنى التحتية، التنمية الريفية....الخ
يقول الأصوليون إن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" ولكن في علم السياسة،وفن التحليل قد تكون معرفة القطاع، والعلاقة مع من يديره سببا في تقييم منحاز، أو حكم "مخفف" بلغة القانون، لذلك أشير إلى أن بعض هؤلاء الوزراء لم ألتق به مباشرة أبدا،ولم أشاهده إلا في التلفزيون، لكنني اعتمدت بالأساس على النتائج المنجزة في القطاع، بغض النظر عن من يديره.
كما هو معروف... يعيش الشعب الموريتاني على قسمين: قسم في البوادى، والأرياف، ويعتمد على التنمية الحيوانية، والزراعية بشكل كبير،وقسم في المدن، والحواضر، ويعتمد على النشاطات التجارية المختلفة، والمشاريع الصغيرة.
إن أي نظر منصفة، وموضوعية لا يمكنها إلا أن تلاحظ ما تحقق في قطاع التنمية الحيوانية، والزراعية، مما مكن من زيادة اعتماد موريتانيا على منتوجها المحلي في أمنها الغذائي، مع محاولات جادة لتطوير التنمية الحيوانية، فضلا عن مساعدة المنمين، والمزارعين، وتلك محاور كبرى تحقق فيها الكثير، مما كان له انعكاسه الإيجابي على حياة المواطنين في البوادي،والأرياف.
كما أن من يدير قطاع التنمية الريفية حاليا يشهد له الجميع بحسن التعامل مع المواطنين، واستقبالهم بكل أريحية، ولم يكشف عن أي اختلالات، أواختلاس في تسييره المالي، لذلك فإنه – بنظري - مدرب ناجح، يجب تركه لإكمال المشوار، وإقالته تعتبر مغامرة غير محسوبة.
القطاع الحكومي الثاني، المرتبط بالقسم الثاني من السكان، والذي حقق نتائج مبهرة، هو قطاع التجهيز والنقل، فالكل يجمع على أن هذا القطاع كان نسيا منسيا، وخلال السنوات الخمس الماضية تحول إلى ورشة نشطة، واستفاد من خدماته كل الولايات الموريتانية بدون استثناء، فلم تبق عاصمة ولاية إلا دخلها طريق معبد،أو شقت فيها شوارع معبدة، أو شيد فيها مطار، أورمم مطارها القديم، لا أعتقد أن هناك من ينكر ذلك.
أما العاصمة انواكشوط، فيقول سكانها إن من غادرها قبل خمس سنين وعاد إليها سيعتقد جازما أنه ليس في مدينة موريتانية، فشارع جمال عبد الناصر المؤدي إلى المطار تغير بشكل جذري، وشارع المختار ولد داداه الذي يمر من أمام قصر المؤتمرات، أخذ شكلا جديدا تماما،هذا بالنسبة لوسط العاصمة التجاري،أما من ينزل للأحياء الشعبية، فسيحتاج فعلا لدليل، لأن سكان دار النعيم، وعرفات، والرياض، والميناء... وغيرها من مقاطعات العاصمة كانوا قبل خمس سنوات يضعون أمارات بالطريق المعبد كذأ (كودروه) كذا، أما الآن فالشوارع المعبدة اليوم باتت أكثر من أن توضع كأمارات، لكثرتها.
هذا فضلا عن إنجاز مطار دولي جديد، هو الآن في مراحلها النهائية، وإدارة قطاع النقل البري بشكل سمح بميلاد عشرات الشركات الخاصة، التي باتت تنقل المواطن بين المدن بكل راحة، في حافلات مكيفة وحديثة، بعد أن كان النقل يتم بعربات لا تصلح حتى لنقل الدجاج، صحيح أن هذه الشركات خصوصية، ولكن أنشئت شركة نقل عمومية داخل انواكشوط، تنقل سنويا ملايين المواطنين بسعر رمزي.
وقبل سنوات قليلة كانت الطائرات الموريتانية ممنوعة من دخول أجواء أوروبا، لوجودها على اللائحة السوداء، أما اليوم فباتت موريتانيا – بشهادة منظمة الطيران المدني الدولية- مثالا يحتذى في المنطقة، ولم تتقدم عليها في إفريقيا سوى دولتان هما مصر، وجنوب إفرقيا، في مجال السلامة الملاحية.
ورغم أن وزارة التجهيز والنقل هي أكثر الوزارات مشاريع، وصفقات، في الطرق، والأشغال العمومية، والتي تسيل لعاب كل مفسد، إلا أنه منذ تقلد الوزير الحالي منصبه لم تسجل قضايا تتعلق باختلاس المال العام، أو صفقات مشبوهة، لا بل إن وزير التجهيز والنقل الحالي يعتبر من أكثر الوزراء تقشفا، وبساطة في المسكن، ولإنفاق.
وبخصوص التعامل مع المواطنون يتفق الجميع على أن وزير التجهيز والنقل الحالي يفتح أبواب مكتبه، بل ومنزله للجميع، ولا يحتاج من يريد لقاءه لوساطة معينة، ولا يحتاج حتى لتسجيل اسمه، وأخذ ميعاد، بل يأتي، ويدخل بكل سهولة.
هي إذا معايير،ومواصفات يتسم بها وزيرا التنمية الريفية، والتجهيزوالنقل، تجعل من الضروري منحهما الثقة من جديد،