ارتجلت الحكومة الموريتانية في أحد اجتماعاتها المنصرمة مرسوما قانونيا يتعلق بالسيارات المستوردة والسيارات الغير مجمركة ، يهدف هذا المرسوم والذي هو من اختصاص الجمارك من حيث التنفيذ إلى شن حملة وطنية للقضاء
على السيارات القديمة والتخلص منها و عدم السماح باستيرادها من جديد ، هكذا أعلنت الإدارة العامة للجمارك عبر وسائل شتى للجمهور بأنها قادمة بقوة وعلى الجميع الاستعداد لذلك .
اللافت في الأمر أن مثل هذه المراسيم المفاجئة لا تخرج عادة من القصر الرمادي إلا كردة فعل ناجمة عن سلوك فردي ، ولعلنا نتذكر جيدا الصراع الشخصي بين ولد عبد العزيز و ولد بوعماتو والذي تطور إلى تكليف لجنة من وزارة الصحة بصياغة قانون يحرم استخدام السجائر و بالأخص أنواع منها لأنها أكثر ضررا .
ما أن هدأت الأمور حتى اختفت الفكرة ، وعادت المياه إلى مجاريها ، وهنا نتأكد جيدا أنه متى ما وجدنا قانونا مرتجلا فهناك خلافات شخصية ، هكذا يفعل القانون ، بدون أي دراسة لتبعاته وهذا ما سنقف عليه نقطة تلو الأخرى لنتأكد تماما من فساد الفكرة وفشلها .
أولا : قبل نشأة هذا البلد والسيارات القديمة والمستعملة تدخل تباعا يوما بعد يوم دون جمركتها حتى صار البلد حظيرة نفايات أوروبا ومصدر تلوث بيئي كبير في المنطقة ، بل و أمتهن بعض من شبابنا العاطل عن العمل مهنة بيع السيارات خارج حدود الوطن وخصوصا في الدول المجاورة مثل مالي و بوركينافاسو ، كل هذا أدى إلى تراكم هذه السيارات في السوق المحلية وازدهار تجارتها .
لم تحدد رسوم جمركة السيارات سلفا بما يتناسب و سعر السيارة ، وفي بعض الأحيان تكون الرسوم أكثر من سعر السيارة وهي في طريقها إلى البلد ، هنا تكونت الجريمة المنظمة في داخل قطاع الجمارك ، بحيث أصبحوا يفرضون ضرائب متوسطة تذهب إلى الجيوب الخاصة مقابل التغاضي أو التجاهل وحتى تسهيل الدخول عند المنافذ .
ثانيا : الدولة لا تريد حلا نهائيا لهذه المشكلة ، ولا حتى الرئيس إذا ما افترضنا انه يريد نفعا ماديا ، ففي الحديث الشريف : ( قليل دائم خير من كثير منقطع ) ، فإذا كانت رسوم الجمركة في حدود العشرة بالمائة من قيمة السيارات ، فإننا سنقطع أشواطا كبيرة.
ثالثا : إذا ما استوردنا بالفعل سيارات حديثة ، أعمارها قصيرة ، هل سيتم إعفاء قطع الغيار من الجمركة ، المشكلة في ملحقات السيارة المستوردة ، فنحن لا نعرف سوى أعداد محدودة من أنواع السيارات .
رابعا : إذا كان الرئيس يستثمر في هذا المجال من خلال توفير نوع من السيارات في السوق المحلية ، بحيث يعمل على حركية بضاعته ، هنا تختلف المعادلة ، ففي عمق موريتانيا يوجد المواطن المسن المتقاعد هو وسيارته المتهالكة يصارع من أجل لقمة العيش ، فلتذهب بعيدا باستثماراتك لأنها ستقتل أبناء وطنك جوعا .
خامسا : الفرق بين المنظر والجوهر شاسع جدا فلا يعقل أن تترك التعليم والصحة ومحاربة الفقر و تهتم بتحسين منظر البلد ، فمتى ما اهتممت بالجوهر سيتحسن المنظر بصفة تلقائية .
سادسا : الجمارك بين المطرقة والسندان ، عليها أن تنفذ القرار وتصادر أملاك المواطنين و تصطدم بهم ، ولو أنها استشيرت لوجدنا حلا وسطا وهو تخفيض الرسوم وإعطاء أجل أكبر من الأجل الحالي .
تأكد إذن أن لا جدوائية لمثل هذه القوانين فنحن لا نريد لهذا البلد سوى الخير ، ولا نريد من الحكومة سوى الرفق بالمواطنين .