الحُكومة هي: الأداة التنفيذية في الدولة الحديثة،وهي المسؤولة عن وضع الخطط والبرامج، وتنفيذ السياسات، وتسيير الممتلكات العامة ..و.. أما "الحَكومة" فهي:لفظ محلي أنتجته الثقافة الموريتانية ،وهو يرتبط بتاريخ الحُكومات في البلاد
التي استقلت 1960 م باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية ؛وكانت أول حَكوماتها مكونة أساسا من الأجانب: (الفرنسيين والسنغاليين) ،ومقرها خارج الحوزة الترابية (أندر).فهل نحن بحاجة اليوم إلي حُكومة أم حَكومة؟
السلطة الموروثة عن الاستعمار الفرنسي في بلادنا خاصة ؛خلقت لدي المسؤولين والمواطنين – علي السواء-وعيا استعلائيا وممارسة عدائية ؛كرستها تجارب متراكمة علي مدي العقود الماضية ،وجسدتها سلوكيات مُتوارثة ؛ومُتعارف عليها منذ أول حكومة ....ليس صحيحا مطلقا أن إرادة الأستاذ المختار ولد داداه المخلصة ،وسلوكه الوطني، كانا يكفيان لجعل حُكوماته وطنية ومُخلصة ..بل إن الأستاذ نفسه- تغمده الله برحمته الواسعة- يذكر في مذكراته- أنه كان مضطرا لتوظيف الأجانب في حُكوماته رغم عدم اقتناعه بإيجابية ذلك ..وقد حرص علي التخلٌص من الموظفين الأجانب واحدا بعد الآخر ؛ لكن الظروف العامة للبلد لم تكن تساعده علي ذلك، حتى إن الوزير الأمين العام للحكومة بقي أجنبيا(فرنسي) إلي أن أطيح بالرئيس الأول للبلاد.
ثم توارثت أجيال من الوزراء وكبار الموظفين ذات السلوك الاستعلائي والوعي المُستلب .
ولتقديم أمثلة علي ذلك نستعرض بعض الخلاصات للتدليل علي ما تم التعارف عليه بمنطق "الحَكومة ":
- ينسلخ الوزراء بعد التعيين من واقعهم مهما كان ويدخلون عالما جديدا منذ أول أيام التعيين .
- تتغير تصرفات الأشخاص وعلاقاتهم بمجرد تعينهم وزراء ؛فينقلبون علي أنفسهم وعلي تاريخهم ، ويقلدون كلهم – إلا من رحم ربكم – سلوكيات ذلك الوزير الأجنبي المتعالي علي شعب لا تربطه به صلة.
- هم هذا الوزير الأجنبي الوحيد هو: أن يجمع المال بشتى الوسائل ،ويكدسه في البنوك الأجنبية ويهيئ بالتالي لخروج آمن إلي حيث قرر أن يعيش ..
- أغلب الوزراء يجهل الواقع المحلي ويَعلم تفاصيل الحياة في العواصم العالمية الكبرى؛ حيث يدرس أبناؤه ، و تتعالج أسرته ، وتتسوق الزوجة ، ويقضُون عطلهم و راحاتهم .
- الأهل والأقارب والمعارف جميعهم يعذرون الوزير في كل ما يفعل ؛لأنه مفهوم لديهم ، فقد أصبح وزيرا في " الحَكومة"..
- بعد الخروج من الوزارة يختفي الوزير نهائيا من الحياة العامة ، وينعزل في قصره المَنهوب – عادة مايكون في تفرغ زين - أو مهجره المُختار ( عاصمة أجنبية) .إلي أن تتاح له فرصة العودة أو يباغته الأجل ...
- هذا المنطلق الغريب ينعكس جليا في كل سلوكيات الوزراء بشكل واضح عندما تلتقي وزيرا كنت تعرفه سابقا ، أو كان يعمل معك .! ولكنه يبدو طبيعيا عند العامة لأنهم تعودوا الوزراء كذلك .!
- لم يوجد – إلا ماندر- وزير واحد يرفض قرارا لا يتماشى مع المصلحة العليا للبلاد(علي كثرة تلك القرارات ).
- لايمكن أن يجيب وزير أمضي شهرا واحدا في الوزارة عن الأسئلة التالية :
ما هو سعر المواد الغذائية المستهلكة محليا (الأرز، السكر، الزيت ، الخضروات)؟
ماهي وضعية الطرق داخل الوطن – باستثناء طريق واحد يؤدي إلي ذويه أو منتزهه-؟
ماذا يجري في المدارس العمومية والمستشفيات ؟
إن ما نحتاجه بالفعل هو حُكومة حقيقية ،وطنية ،ومخلصة تُحقق ما يلي :
- إحداث قطيعة مع عهد "الحَكومات" البالية فكرا وممارسة والمُستلبة حضاريا
- ممارسة حياة طبيعية لا تناقض فيها بين مرحلة الوزارة ومرحلة ما قبل الوزارة وما بعد الوزارة .
- الوقوف في وجه كل الإجراءات غير المناسبة داخل قطاعه مهما كلفه ذلك ..
- التعاطي الشفاف مع الموظفين ، والتسيير المعقلن والنزيه للميزانية ..
- إتاحة فرص متساوية أمام جميع المواطنين للولوج إلي الخدمات التي تقدمها الوزارة ..
- خلق وعي جديد داخل الوزارة يوحي بالجدية في التعاطي مع الشأن العام وإشعار الجميع بأنهم شركاء في خدمة وطنهم .
إن كل ذلك لن يكون متاحا ،إلا إذا تبدلت العقليات وتوفرت الإرادة الصادقة لدي القادة العسكريين الذين يقودون البلاد ،ويحافظون علي ذات النهج المتخلف في إدارتها...وتكرسه ممارسات "حَكوماتهم" ...