منذ التنصيب تتوالى التكهنات حول الحكومة المرتقبة، واستقر أمر الشائعات على بقاء مولاي ولد محمد لغظف وزيرا أولا، وكثرت التبريرات التي قدمت في هذا الصدد، وأصبح الرأي العام على يقين تام بأن شائعة بقاء ولد محمد لغظف وزيرا قوية بما فيه الكفاية
لتثبت ذاتها، ولينجلي عنها قادم الأيام، حالما يستعرض الوزير المنتهية ولايته حالتين، حالة الاستقالة، وحالة تجديد العهد، الذي سيصدر به مرسوم رئاسي.
المتابعون للشأن، والخبراء في أحوال تقلب الحكومات، والعارفون زعما بشخصية الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يخرجوا اسم ولد حدمين يوما في منشوراتهم، ولا في تكهناتهم كوزير أول، ودارت الأيام ليتقدم ولد محمد لغظف باستقالته، وما هي إلا ساعات حتى صدر المرسوم الرئاسي، القاضي بإبعاد الرجل عن الوزراة الأولى، التي تولاها طيلة مأمورية كاملة، ومعه أبعد شبح معرفة الآخرين الخبراء بشخصية الرئيس، فتكهناتهم لم تجد لها محلا من الإعراب، وطبعا المرسوم أبعد ولد محمد لغظف ضمنا على رأي القانونيين، وبصريح اللفظ تم تعيين وزير النقل في حكومة ولد محمد لغظف المخلوع، وهو الوزير يحي ولد حدمين.
تعييين ولد حدمين لم تشم له رائحة، ولم تخبر عنه الأيام الخوالي، ولم يحدث به العرافة، ولا السحرة المهرة، ولا الحدس العلمي، ولا الإحساس العاطفي، ولا مخبرو ومراسلو الوكالات على اختلافها، بل جاء صرخة مدوية من عالم المجهول، حيث خرج المرسوم، ولم يكن أيا كان يعلم بما فيه –ربما-، إلا إذا كان من طبعه، ويبدو أنه تلقى الإسم ثانية قبل استصدار المرسوم، اللهم إلا إذا كان ولد حدمين ذاته يعلم أنه سيصبح وزيرا أولا، وقد أسر إليه بها عالي المقام، ولم يتفوه الأخير بها حتى صارت أمرا واقعا.
ومن المستبعد أن يكون أيا كان –برغم ما ورد أعلاه- على علم بهذا التعيين، إذ لو كان يعلمه لاتخذ الخبر المسار المعهود في بلاد الشائعات، والتسريبات، فمثلا كان العارف به سيقوله للزوجة ومحيطها، وتقوله الزوجة لحاشيتها، ويصل الشارع من البداية، وتتلقفه الصحف، والمواقع، والإذاعات، والتلفزات، ويصبح معروفا لدى الجميع، لكن الأمر على ما يبدو حديث الولادة، وتم التستر عليه ليكون مفاجأة للرأي العام، ليعرف الأخير أن الرئيس ليس ملكا لمطلقي الشائعات يفصلونه على هواءهم، وليس محطة تلفزيونية يذيع فيها صناع القرار أخبارهم، بل هو صاحب الرأي والحل والعقد، وهو قادر على أن يدير الأمر وفق ما يراه هو، لا ما يراه الآخرون على اختلافهم.
جاء خبر ولد حدمين ليبدد ظلام أسابيع الترقب، والحيرة، والشك، وليمسح الطاولة من كل ما عرف عن الحكومة القادمة، ولذا ستكون ثمة مفاجآت من العيار الثقيل على ما يبدو، وما فوات خبر تعيين يحي/حدمين إلا بداية لفتح القمقم، ولتوجه البوصلة في اتجاه خاص بصاحب القرار الأول، يستعصي على الجميع تبينه قبل أن يكون أمرا واقعا، ومن ثم فإن الآخرين لن يجدوا أمامهم إلا أن يغوصوا في التحليل لمعرفة خفايا وماورائيات التعيين الحاصل، بعد أن فاتهم التنبؤ به.
ومن الآن فعنصر المفاجأة هو سيد الموقف، يقف جنبا لجنب مع الترقب، الذي يطبع ساعات تشكيل الحكومة، وصدورها، وقد لا تصح التكهنات حول من سيبقى، ومن سيرحل، ومن سيقبل من خارج الدائرة، ومن سيقصى إن كانت ثمة نقاشات دائرة الآن حول الحكومة القادمة.
وإذا كان ولد محد لغظف المحبوب –حسب العموم- عند رئيس الجمهورية قد ترجل عن جواد الوزارة الأولى، فمعلوم بالضرورة أن الأوجه الأخرى ليست آمنة من ذات الحال، فلا أحد يستطيع المزايدة على بقاء ولد التاه، أو لد محم أو غيرهم، ولكن في ذات الوقت لا أحد في ذات السياق يستطيع الجزم، أو حتى القول إنهما راحلان، وإن قيلت فستظل تفتقر للدعامة والأساس القوي من التبرير، والتسويغ.
وتكهنا، وعلى رأي لا يزال حيا، يمكن القول أن فرضية ذهاب ولد محمد لغظف إلى إدارة اسنيم لا يزال قائما، ومن شبه المؤكد أن الرجل لن يذهب للشارع، لأنه شخصية –إن لم يضيعنا المراقبون مرة ثانية- تحظى بثقة الرئيس، ولا يمكن الاستغناء عنها في مقبل الأيام.
وما دام الوزير المعين كان ضمن التشكلة الحكومية المنصرمة ولايتها وزيرا للنقل، فإنه من الوارد تخمينا أن يكون ذهاب ولد محمد لغظف لغاية في نفس الرئيس في المنتهية ولايته، ومن الوارد أيضا التكهن ببقاء البعض في مناصبهم، لأن الرئيس لا يزال عصيا على قبول التغيير بسرعة، وعلى تقبل الجديد كلية، في بلاد يتذمر سكانها بشكل كبير من أداء الحكومات، ويتطلعون إلى غد قوامه الفرص الجديدة على جميع المستويات.
ومن المنتظر أن تحمل الحكومة الجديدة في طياتها أسماء شبابية، جاهدت إبان الحملة المنصرمة، بالإضافة إلى تغييرات في تسمية وهياكل الوزارارت، حيث ستشهد بعض الوزارات تغييرات من العيار الثقيل، تحمل جزء من قطاع إلى قطاع، وتجعل جزء من قطاع وزارة مستوية على سوقها، والله أعلم، نسأله أن يقدر علينا ما فيه الخير، وأن لا يطوي نعم الوزارات على نقم، وهو الموفق.