أعلن مساء أمس الخميس عن التشكلية النهائية للحكومة الجديدة- القديمة، هذه الحكومة التي أشيع حولها من التكهنات والتوقعات ما لم تحصل عليه أية حكومة سابقة لها، لتأخرها غير المبرر عن التنصيب ولرغبة الجمهور في إحداث تغيير جدي داخل
التركبة التي تتصدر الواجهة السياسية بالبلد.
فقد توقع البعض ظهور حكومة جديدة مغايرة لكل الحكومات السابقة، يتصدرها الشباب والنساء، تجسيدا لشعار: "تجديد الطبقة السياسية"، تحضر فيها الكفاءة وتقل فيها مرجعية "الولاء أولا".
في حين توقع آخرون أن تكون فاتحة لانفتاح بارز على أكبر طيف سياسي معارض، بغية إشراك أكثر كم حزبي داخل التشكيلة الجديدة، استجابة لحاجة البلد إلى فترة هدوء واستقرار، تسمح له بالتقاط الأنفاس وخلق انتعاش اقتصادي، يخفف من ضغط الواقع المعيشي ويسمح للرئيس ولد عبد العزيز باختتام مأموريته الدستورية بإنجاز يعتز به ويفاخر.
أما الواقعيون، فلم يكونوا يتوقعون أكثر من تغيير شكلي وتغييب لبعض الوجوه وإحضار أخري محلها وهو ما حصل عمليا بالنسبة للحكومة الجديدة.
ويمكن تلخيص مجموعة من الملاحظات حول الحكومة الجديدة وذلك على النحو التالي:
- هامشية دور الوزير الأول داخل النظام الحالي، وهو ما عكسته التشكيلة القديمة- الجديدة، التي تعكس عمليا كون الذي تغير هو شخص الوزير الأول وليس الأشخاص ولا السياسات أو التوجهات، فغابت كليا إرادة التغيير، التي بشر بها المتكهنون وأصحاب الخيال الجامح.
- عكست هذه الحكومة عجز نظام الرئيس ولد عبد العزيز عن الخروج من شرنقة نظام ولد الطايع، من خلال حصر حصة الحوض الشرقي من الكعكة الوطنية، في منصب الوزير الأول، بديلا عن المشاريع الإنمائية والفضاءات الاقتصادية.
- غياب أية إرادة جدية للتغيير، تعكسها ضبابية رؤية النظام حول الآتي من الأيام، فهو لم يحسم خياراته بعد، فهل ستكون هذه المأمورية هي الأخيرة أم أنه سيتم تغيير الدستور لفتح الباب على مصراعيه "لتعزيز الإنجازات" والبقاء أطول فترة ممكنة، استجابة ل"مطالب الشعب" ول"حماية الوطن" من "منزلقات خطيرة" تهدده وتحتم انتشاله.
- غياب شبه كامل لما كان يعرف بالتوازنات القبلية والجهوية وعدم الاستعاضة عنها بالكفاءة، وهو ما يعكس هامشيتها عند النظام وتبنيه للولاء كمعيار أوحد.
- قدسية وزارات المالية والاقتصاد والمعادن والتجهيز والنقل في قاموس النظام ووعيه ولا وعيه.
- انتهاء شعار: "تغيير الطبقة السياسية" ودخوله لغرفة الانعاش، مثل شعارات: "محاربة الفساد" و"رئيس الفقراء" ...إلخ، عند ما تم الإجهاز على "الأحلام الوردية" للشباب والنساء في احتلال صدارة المشهد السياسي.
- هامشية دور "الحزب الحاكم" في تصعيد عناصره داخل الحلبة، وهو ما يفسر الإبقاء عليه كناد للتعارف وليس للفعل السياسي المؤثر.
- غياب أي دلالة سياسية، قد تعطي إشارة لأطراف اللعبة السياسية، معارضة أو موالاة، تشي بتغيير جديد في توجهات النظام، اتجاه الشركاء السياسيين بالبلد.
خرج وزراء ودخل آخرون بشكل غير مقنع، تنقصه المعايير الموضوعية.-
لذا فإن هذه الحكومة، هي مجرد حلقة جديدة قديمة من مسلسل تضييع الوقت والجهد للحيلولة دون تغيير فعال، يضمن تصدر أصحاب الكفاءات للمشهد ويصفع قوافل المنافقين والمتزلفين والمرجفين...تغيير يسمح للبلد باسترجاع هويته وهدوئه ويلزم ساكنته باحترام دستوره وقوانينه، ليصبح هذا البلد بلدا يفرض احترامه على الصديق قبل العدو، بعيدا عن استمراء التبعية للأجنبي وتكريس الغبن والإلغاء كقاعدة للعمل السياسي الداخلي.. بلد يعمل ساسته من أجل إسعاد شعبه، ويزاولون مهامهم، بوصفهم خداما للشعب وليسوا عصابة تتعالى عليه وتمارس في حقه مختلف صنوف الإلغاء والتهميش والإذلال.