غزة هاشم...ساحة الوغى والأسود / عبد الفتاح ولد اعبيدن

في هذه المدينة الفلسطينية العريقة، أو القطاع على الأصح توفي في رحلة الصيف، جد  رسول الله صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف، في أحد أسفاره التجارية خارج مكة، فالتصق اسم هذا الرجل العربي الشهم بغزة،

 فعرفت بـ"غزة هاشم" التي دفن بها، وهو الجد القريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا غرابة إن فاح عليها عطره النبوي، في صدق الإيمان والصبر عند الملمات والمصائب العظمى، والاستبسال الأقصى في ساحات الوغى.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم (وبنو هاشم قد لاقوا من الحصار ما لاقوا في شعب بني هاشم، فتلاه النصر، وسبقته النبوة في بني هاشم، ومن ثم ترسخت أسباب النصر بالصبر والإيمان، فاستحق بنو هاشم فك الحصار وقيادة المشروع الإسلامي العالمي الجديد، المنبثق، من يثرب سابقا، المدينة لاحقا  أو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهكذا سيتكرر التاريخ ربما مع غزة، التي حوصر فيها جيران ضريح هاشم وأتباع ابن هاشم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فلا غروا إن خرجت قريبا إن شاء  الله غزة هاشم من الحصار إلى النصر الدائم المستمر، دون بطئ كبير بإذن الله.
وما هؤلاء الضحايا، رغم ألمنا جميعا، إلا جزء من السيرة الهاشمية، وربنا يقول في ألمنا المشترك، نحن والكفار المشتركون غريزيا في الحالة الإنسانية الطبيعية، والمتميزون عنهم بأملنا الواسع في الله في شأن الدنيا والآخرة، بالنصر والشهادة، والتمكين في الدين والغلبة بعد رسوخ شرطي الإيمان والصبر "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".
أجل برسوخ هذين الشرطين، سندخل حيز تنفيذ الأمل المشار إليه في قوله تعالى:  "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون".                           
غزة هاشم تجاهد رغم أنهار الدماء، وغزة هاشم تنتصر اليوم والأمس، وستنتصر غدا، انتصارا أرسخ وأبقى.
غزة هاشم صابرة رغم الحصار الخانق، غزة هاشم تنتصر على الجراح الغائرة، والضحايا والتضحيات الكثيرة المتنوعة المتفاقمة.
يا سبحان الله، إنه تاريخ الصراع التقليدي بين الحق والباطل، يتكرر بنفس الأجواء والشروط والنتائج، ولا يشك فيه إلا هزيل الإيمان، خائر العزيمة: "الم  أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ".
"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ".من سورة البقرة.
وقال تعالى: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين  ".  وقال جل شأنه: "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ"، "وما النصر إلا من عند الله نصر من الله وفتح قريب".
"إذا جاء نصر الله والفتح"، "إنا فتحنا لك فتحا مبينا"، "وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح"، "فجعل من دون ذلك فتحا قريبا".
إن كل المؤشرات تدل على النصر، والركب العربي فسطاطان، فسطاط كره الموت والتضحية وأحب التحالف الظاهر والباطن مع العدو، وخاف على نفطه وأمنه وكرسيه، سواء تعلق الأمر ببعض حكام الخليج، أو حاكم مصر المتصهين (السيسي طبعا)، وآخرون من الأتراك قبل الأعراب، وبعض أهل قطر حفظهم الله، شعبا وسلطة، وأرشدهم رغم أخطائهم ونواقصهم إلى الحق كامله.
ما أجمل وقفتهم مع أهلهم في غزة هاشم!.
هؤلاء وأولئك من بعض نماذج الركب العربي والإسلامي المتفتت، تفرقوا بين المناصرة المحتشمة الناقصة، دون الجهاد والبذل الحقيقي، وبين أغلبية صامتة أو مجاهرة بالعداء لأهل غزة وأترابهم من الإخوان المسلمين المصريين وغيرهم من أهل الدعوة الجادة والوسطية، وأهل الحق أجمعين.
فمثل الصف العربي بوجه خاص، هذه المرة سلطة وشعبا، حالة تفريط، وربما إهمال شبه صريح، للأسف البالغ.
اللهم من تبعات هذا الموقف العربي المشين في أغلبه، شبه الجماعي، الدنيئ المقرف التاريخي المخزي.
وفي المقابل يقف أهل غزة وحدهم تقريبا، عزل إلا من عون الله ودعاء المخلصين تقبل الله منهم.
اللهم انصرهم، اللهم ثبتهم، اللهم داو جراحهم وجراحهم، وتقبل شهداءهم، آمين يا رب العرش العظيم.
اللهم اجعل تضحيتهم لك ومن أجل دينك فحسب، اللهم ألحقنا بجهد الصالحين منهم في الدنيا والآخرة، وأرشدنا إلى طريق غزة هاشم، وحصنا حتى نصل إليها مجاهدين، فنقتل أو نقتل، صابرين مخلصين مستشهدين، طلبا وقصدا فحسب لرضوانك ونصرة دينك الإسلامي الخاتم السمح.
الغزاويون وحدهم في ساحة الوغى، تركوا ليفترسهم عدو وحشي مدجج بالسلاح، وسلاحهم التسليم لأمر الله، وليس الاستسلام للعدو.
وشتان بين الطريقين المتباعدين، بعد المشرق من المغرب أو أكثر بكثير طبعا!!!.
وفي ساحة الوغى، ومع سقوط الأطفال والشيوخ والنساء والرجال على السواء، وسقوط الأبنية وكل شجر ومدر على الرؤوس والأبدان كلها، وسط صورة وحشية نادرة في التاريخ البشري، المشحون سنة وحكمة ربانية، لهذا النتاج المفزع، من جراء الصراع الأبدي الأزلي، بين الحق والباطل، سبحان الله!.
لكن انتفاضة أسود غزة هاشم، بأطفالها ونسائها، قبل رجالها أحيانا، يلفت الانتباه ويشد تركيز الجنان قبل العيان والمشاهدة المباشرة.
لقد ضرب هؤلاء أروع مثل الإيمان والتسليم لأمر الله، وهم يرددون بينهم وبين الله، وأمام الكاميرا أحيانا، حسبنا الله ونعم الوكيل، ونردد معهم في أقصى المغرب، الصابر المتابع للحدث الغزاوي المزلزل للنفس والكيان كله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
إنهم أسود غزة باختصار يأكلون الصهاينة أكلا لما، ويروعون بعزائمهم الحديدية وصبرهم النادر، وثبات جأشهم وإيمانهم الأسطوري الملهم، الكيان الصهيوني اللقيط (اسرائيل) من شمالها إلى جنوبها ومن مشرقها إلى مغربها.
إنه فحسب ميدان غزة، وصراع بين الذئاب الصهاينة المذعورين، وأسود "غزة هاشم" المقبلين غير الخائفين، أسود الإيمان والعزيمة والفداء.
فهل نشك في نتيجة المعركة، حاضرا إن شاء الله، ولاحقا بإذن الله.
ولله في خلقه تدبير دائم حكيم بليغ، ينتهي مهما علت خسائر الأرواح والتكلفة المادية الثقيلة في صف المؤمنين، أجل ينتهي طبعا بالنصر والتمكين:  "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين".
هكذا السنة الربانية ومواصفات طريق ذات الشوكة، رغم ألم الشوكة الكبيرة المدمية في غزة هاشم وغيرها من ساحات الوغى والأسود، ولكن النتيجة وواحدة دائما، مهما فرح المنافقون بانكسار مؤقت عابر في صف المجاهدين، أو انتشى العدو الصهيوني، أو غيره من مسميات الأعداء، الداخليين والخارجيين، بما يعتبرونه ضعفا للصف الغزاوي الصابر المضحي، المتمسك بالرؤية الإسلامية الوسطية الحكيمة الراشدة، فإن ذلك مرجعه كله ومآله ومصيره إلى النصر والتمكين الدائم بإذن الله وقريبا قريبا إن شاء الله.

أخرج البخاري في الصحيح برقم (2708): عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِيَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ.
وقبل لحظات بدأت تتوارد أخبار من القاهرة بحصول هدنة مع العدو، إلا أن هذه الهدنة ستظل هشة طبعا ومآلها الإنهيار التام النهائي يوما ما المفضي لمعركة التحرير، التي ينبغي أن يستعد لها الجميع، وكل من في قلبه ذرة إيمان أو إنسانية، لأن العدو الصهيوني، "جملو ما يبرك فالعافيه ولو كان ظالما طبعا"، ولو التزم ظاهرا أو مؤقتا بأي عهد أو ميثاق، فاليهود عبر تاريخها امتهنوا نكث العهد، أرجع إن شئت إلى قصة بني قريظة ومحاولة غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم الإتفاق معه، غدر حصل ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منشغل في غزة الأحزاب.
والصهاينة الحاليون يشتهون حرق أجساد الفلطسينيين والفلسطينيات بمختلف أسلحتهم المدمرة الفتاكة الأمريكية والروسية الصنع والغربية الصليبية المصدر عموما، لتقتل الفلسطينيين بدم بارد، وليشتم الصهاينة في "عسقلان" و"حيفا" وتلابيب" وغيرها، رائحة شواء اللحم البشري الفلسطيني الحرام البريء، إلا أنهم سيندمون بإذن الله، وإن كانوا قد ندموا –أي الصهاينة- بعضا لا كلا في الجولة الغزاوية الصامدة، وفي بقية الطريق الغزاوي الهاشمي، مفاجآت لا يعلمها إلا الله، وخلاصتها بإذن الله التحرير الوشيك...الوشيك جدا جدا، وربما تكون الخلافة الراشدة والأمارات الكبرى للآخرة على الأبواب، حسب مرائي بعض الصالحين بقرب خروج الدابة.
قال تعالى: "فجعل من دون ذلك فتحا قريبا".
يا خيل الله أركبي، ولنكن دائما في حالة رباط وإستعداد كامل، نفسي وغيره، عسى أن نساهم جميعا في المعركة الكبيرة الوشيكة، معركة تحرير الأقصى الأسير، بإطلاق كتائب الأقصى من بلاد شنقيط قريبا بإذن الله، إلى ساحات الوغى في أرض غزة هاشم وغيرها من ديار الأقصى، وبيت المقدس الشريف المقدس، وأكناف بيت المقدس إن شاء الله، وحتى لا يفوتنا بإذن الله شرف وأجر وثواب هذه المعركة الجميلة العذبة الواقع والمصير والختام المسك، التحرير وفرح المؤمنين بنصر الله وفرح غيرهم من أهل الحق والإنصاف، ممن سوانا من الديانات والمشارب الأخرى، رغم الجراح والفاجعة الظاهرة الحالية.
فتلك ضريبة التحرير والإخلاص والتميز بالإصطفاء والإختيار، من لدن الرحمن الرحيم، ذي الطول والجبروت، العالم بخفايا النفوس ومستور الغيب.
اللهم اجعلنا من الشهداء عندك، بعد جهاد وفداء خالص لوجهك الكريم، اللهم آمين.
اللهم اجعلنا ممن يبتغي الشهادة بصدق، وتذلل له سبلها، فيسلكها، فيصل إلى مقصد التحرير أو النصر، أو هما معا بإذن الله، اللهم آمين، يا رب العرش العظيم.
أعلم أن "أل ماه فالديكه إرجيل"، إلا أن طلب الأمر بصدق، جزء من بداية بداية المسير الشاق الطويل طبعا.
اللهم أعن أهل غزة هاشم، وأعنا وسائر المخلصين، بصدق طلب رضوانك والاستشهاد في سبيلك، وما ذلك على الله بعزيز.

27. أغسطس 2014 - 11:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا