للإصلاح كلمة تتعلق بانجازات الرئيس وعدم إنجازاته في الدولة / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ستكون بإذن الله شرحا لفقرات خاصة من كلمة إصلاح سابقة صدرت في رمضان بعنوان : رمضان والمولاة والمعارضة .
وقد جاء في تـلك الفقرات أن رئيس الدولة الحالي أنبت كثيرا من مؤسسات الدولة

 نباتا حسنا وترك كثيرا أيضا من مؤسساتها خاوية على عروشها، وأن على الموالاة والمعارضة أن يعـترف كل منهما بالحقيقة كما هي ، كما أمرهم الله بدلك .
وبمناسبة تجديد مأمورية نفس الرئيس خمس سنوات أخرى فإن كلمة الإصلاح هذه المرة ستوضح تبعا لكلمة الإصلاح الماضية ما أزدهر من مظاهر الدولة في السنوات الأولى له وما اختفى من مظاهرها في هذا التاريخ لعل الله أن يعـين على ازدهار الجميع .

وسوف يكون بإذن الله قلم كلمة الإصلاح الآن غير موال ولا معارض فيما يكتب بل شاهد عيان فقط من أهلها لا حول له ولا قوة لا في الفترة الأولى ولا في الآخرة .
ومن هنا أقول أنه لا يمكن لأي موريتاني منصف أن يتكلم عن موريتانيا الحالية إلا إذا شخص حالها الذي تدهور من تاريخ ديمقراطية الفوضى التي بدأت سنة 1992م .

ولكن أبادر بالقول أن تدهورها آنذاك إلى الحضيض ليس ناتجا عن سوء نية من الرئيس آنذاك ولا حرصه على جمع المال ولا إخلاده إلى الراحة بل وطنيته الموريتانية الدنيوية كانت هي أرقى وطنية في رجال هذه  الدولة .
بل ذلك التدهور سبـبه هو محاولة جمعه بين الديمقراطية غير المكيفة عنده والعسكرة المهنية المنتمي إليها .

فظن الرجل أن معنى الديمقراطية هو ترك الحبـل على الغارب للمواطنين ولا سيما نقباءهم الموظفين من القبائـل لجلب الأصوات وهو عليه أن يستجلب الخيرات والمعونات بشتى أنواعها ويضخها في جيوب أولئك النقباء لغسلها من مصالح الدولة وإدخالها في جيوب من يملك أكثر من جلب الأصوات ، فكثرت القصور الشاهقة والأموال السائمـة والبورصات العامرة من السيارات الفارهة كل هذا وقع على حساب وجود كيان الدولة .
هذا الرجل لم يجد في تلك الفترة أي معاون على إيقاف ذلك التدهور لا من مستشاريه ولا من وزرائـه ولا من مختـلف هيئاته الأمنية بل الجميع بما في ذلك الولاة والمدراء وهيئات الأمن انغمس في هدم الدولة بجمع ما قـدر عليه من الأموال .

فكل أكل ما تحت يده وتاجر بما عنده من العمل للدولة أيا كان فكثرت الرواتب بلا موظفين وأفرغ الموظفون من وظائفهم مع بقاء الراتب ولم يـبـق للدولة إلا العناوين في كل المجالات .
وهذا التدهور في أسس الدولة شمل من البواب المرتشي إلى رئيس المصلحة إلى الوزراء سواء في ذلك وزير للسيادة أو وزير تنمية واقتصاد وتعليم وصحة ..الخ .
ومن يرد الإطلاع على حقيقة هذا فليذهب إلى أرشيف الوزارات وما فيها من الميزانيات الضخمة وما قـلة المصروف منها في الدولة .
ففي هذا الجو لم يـبـق عرق حي في الدولة للمراقبة إلا عرقا ضعيفا خاصا بميدان السياسة منحصرا في متابعـة الإسلام جريا مع الموضة الغربية في هذا الصدد للقضاء على القاعدة وتـقربا لتلك الدعاية أدمجت موريتانيا آنذاك كل من يذكر المسلمين بإسلامهم إلى القاعدة حتى جماعة التبليغ التي لا تـتطرق أبدا إلى السياسة .

ففي هذه الحالة الخاوية من الدولة جاء الانقلاب بالرئيس الحالي بعد فترة انتقالية لم يتغير فيها كثير وجاءت بعد ذلك سنة رئاسية لم يتضح فيها جليا من هو الرئيس الفعلي لموريتانيا وانكشف الغيب بعـد ذلك عن هذا الرئيس الحالي، وقد ظهر جيدا أنه يدرك ذلك التدهور للدولة إلا أنه لم يكن أوار في عينه إلا تدهور الجانب المالي من الدولة من عند ابتلاع المسؤولين لرصيدهم الضخم من أموال الدولة بما في ذلك اختفاء الضرائب على المؤسسات الكبرى وابتـلاع  المساعدات الدولية ...الخ .
ومن هنا عمل ما في وسعه من الشخصية القوية والعسكرة حتى استرد أكثر تلك الأموال لتدخل قطعا خزينة الدولة .

فعـمد إلى تقـليص ميزانية تسيـير الوزارات وما يتبع لها من الإدارات وإجبار كل من عليه ضريبة على إدخالها وبدأ التفتيش المالي يأخذ طرقه الصارمة وبتوفـير تلك الأموال فقد أنجز الكثير من المنشآت الحيوية للدولة بما فيها شق الطرق وإنشاء المؤسسات التعليمية مما يطول ذكره ويجب الاعتراف به لأنه ماثل للعيان .
فهذه الناحية هي التي أنبتها هذا الرئيس نباتا حسنا .
أما ما لم يـلق هذا الرئيس له بالا ولم ينـقذه بل تدهور أكثر فأكثر فهو الإدارة الإقليمية ولا أعني بها الإدارة الإقليمية التابعة لوزارة الداخلية فقط مع أنها في أول لائحة الإهمال وهي ركيزة وجود الدولة أصلا بل أعني بها كذلك بنية الدولة من أساسها التي تشمـل حياة كل وزارة بعينها .

فمن المعلوم أن أركان الدولة لوجودها أصلا هي: الشعب والإقليم والسلطة إلا أن هذه الأركان لاستمرارها كدولة لا بد من ميادينها الكثيرة من ركنين أساسين لهذه الميادين: الأول : ضمير نزيه مهني عارف لتسيـير ما يسـيـر .

الثاني : مراقب متحرك بصير بما يجري في البلد .
هذان الركنان اختـفى كليا تقريبا من موريتانيا ابتداء من ديمقراطية الفوضى 1992م ولم يعودا إليها للعمل حتى الآن .
فالجميع يدرك أن ميادين الدولة المهمة هي الميدان السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وما تفرع عن هذه الميادين من الحياة والنشاط البشري في كل هذه الميادين والضمير الحي النزيه لتسيير هذه الميادين والمراقب البصير بالحياة في كل البلد اجتمعا في واد لقارظان وذهبا مع القارظان حتى الآن على الأقـل .
فجميع الدول وفرت لهذه الميادين هذا الضمير وذلك الرقيب فالمسير يسير والمراقب يراقب المسير والجميع يسجل في شريط شرايين حياة الدولة رأسه الأعلى عند الرئيس ورأسه الأسفل مركب في أبسط كيان يهم الدولة ـ وكل شيء يهمها ـ والعمود الفقري لشريط تلك الشرايين هو أساسا وزارة الداخلية النائبة مباشرة عن ما تحمله الرئيس في الدولة وضمنه للشعب عن طريق الدستور وهو الحرية والمساواة من جهة ونشر الطمأنينة والهدوء والسكينة في الوطن من جهة أخرى .

هذا الضمان لابد له من الآليات المسلطة على مراقبة جميع هذه الميادين .
فالمعروف أنه لا يوجد شبر من الأرض إلا وهو تحت سلطة تابعة لوزارة الداخلية تبعية تسلسلية من عند رئيس المركز ـ الحاكم ـ الوالي ـ وزير الداخلية ـ الرئيس فكل هذه الميادين مسؤول الرئيس عن طريق هذه السلطات عن ما يجري فيها لحظة بلحظة .
وعادة الدول أنها توفر لهؤلاء حسب هذا التسلسل ما يجعل هذه السلطات تقوم بهذه المهمة أحسن قيام وذلك بتوفير المادة والأفراد المهنية المخصصة لتـلك المراقبة .
فعـلينا إذن أن نناقش تسيير هذه الميادين ومراقبتها في موريتانيا الحالية فمثلا ماذا تعرف وزارة الداخلية بواسطة سلطاتها عن العمل في هذه الميادين :

أولا: بصفة عامة لا مراقبة على السياسيين في الميدان السياسي لتمييز السياسي الديمقراطي الموالي أو المعارض والسياسي الانتهازي بأي أنواع الانتهازية موال أو معارض .
ثانيا : الميدان الأمني لا مراقبة قبل التفكير في الجريمة ولا أثنائها ولا تشخيصها ولا أسبابها بل فقط عندما تقع ويعـثر على صاحبها يقدم للنيابة وانتهى الأمر أما أسبابها والتخطيط لمكافحتها فلا مادة ولا بشر .
ثالثا : الميدان الاقتصادي : الأسعـار ـ الشرائك ـ الوقود ـ الأسواق ـ قوة الشراء عند المواطن أو ضعفه كل ذلك لا تقارير فيها يوميا من المراقب مرورا بالسلم الإداري حتى الرئيس .
رابعا : الميدان الصحي : لا تقارير من المراقب الرسمي عن ما يجري في المؤسسات الصحية هل الدواء موجود؟ وما هو عمل الأطباء ؟ وما هو المخلص العارف منهم ؟ لتصل المعلومات عن طريق السلم الإدارية إلى الرئيس .
خامسا : الميدان التعليمي : لا تـقرير من المراقب الرسمي عن المدارس الابتدائية وحتى الجامعات كل في ما يخصه هل الأساتذة حاضرين ومقـتدرين والمدير يدير بجدية ومقدرة .
سادسا : الميدان الاجتماعي:لا رقابة على نشاط الشرائح المكونة للشعب هل ذلك النشاط صالح فيزاد في صلاحه أو طالح فيرد على أعقابه قـبـل فوات الأوان .
سابعا : الميدان الثقافي والديني : لا رقابة على الجمعيات والنوادي وما يجري خلف كواليسها إلى آخر كل هذه الميادين بمعنى أن الدولة لابد لها من عيون تراقب لها وهي تسير تحت ظل مراقبة تلك العيون وإلا تقع في أول حفرة يتعرض لها سيرها ، والآن لا عيون لها يراها المواطنون أو يحسون بفعل رؤيتها.

والظاهر أن الدولة تظن أن بالمقدور سيرها متزنة بدون رقابة وهذه المعجزة لم تتخيل لأي دولة قبل موريتانيا وأرجوا من الله أن لا يريها مكروها نتيجة فكرة هذه المعجزة .
وأريد أن أضرب مثلا واحدا لغياب الإدارة الإقليمية عن المسؤولية التي تتحملها عن الدولة وعن الرئيس بالذات لأنها تمثله وهي لا تظن ذلك .
ففي حي من أحياء العاصمة جاءت شركة الطرق وبطشت بشبكة مياه الحي وتركته ضحية العطش وفقدان آليته المائية وعندما سألها الحي عن السبب فقالت أنها أخبرت شركة المياه قبل ثلاثة أيام بأنها تريد تعبـيد طريق في المنطقة وعليها أن تغير الشبكة أو تحضر لتجنب آليات شركة الطرق البطش بها وأن شركة المياه لم تمتـثـل وعندما جاء سكان الحي للحاكم الذي لم يعلم مسبقا بكارثة حيه رد على الشعب العطاش بأن الشركتين كل واحدة منهما عندها مدير وعليهم أن يذهبوا بشكايتهم إلى المدراء .
فبدلا أن يكون عارفا بأنه نائب عن رئيس الدولة في المقاطعة وعلى كل مدير أيا كان يريد دخول مقاطعته ليعمل أي عمل أن يبدأ به هو أولا ويخبره عن هدفه ليأذن له أو يرفض ويخبر الحاكم الشعب بذلك وهكذا.

فكم من حاكم الآن يذهب إلى مكتبه وفي طريقه يرى كثيرا من المخالفات في كل شيء في البناء بغلق الطريق بالمرافق والأبواب بالتسوق فيها أو إصلاح السيارات ويمر الحاكم وكأنه إمام ذاهب إلى محرابه فقط ولا يهمه ما في الطريق كأنه ينفذ جزءا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : .
وباختصار فعلى الرئيس العسكري أن يتذكر أن الجيش إذا كان في قـتال وهي مهمة العسكر التي يتدرب على فنونها أن لابد للمقاتلين من معرفة أين توضع الكمائن ومتى تعد فرقة للاستطلاع وأين تـكون وما هي الجهة الممتازة والوقت الممتاز لبدء القـتال وما هي طرق المباغتة وطرق الانسحاب التكتيكي ...الخ فلا يمكن لأجل النصر على العدو أخذ رجال من الشارع للقيام بهذه المهمات العسكرية في وقت القـتال فرب الدابة أولى بمقدمها ودولة موريتانيا ليست أنـفا: فلا يكفي السيد الرئيس في الإدارة والمحافظة على الأمن بشتى أنواعه اقتصاديا واجتماعيا ...الخ أن تقول للوزراء عند انتهاء المجلس الوزاري عليكم أن تقربوا الإدارة من المواطن بل عليكم السيد الرئيس أن تطلب كل يوم من وزارة الداخلية تقاريرها السرية عن نشاط كل وزارة وشركة وحزب ومجتمع مدني ...الخ.

تـلك التقارير التي على الوزارة أن تتسلمها كل يوم عن طريق السلم الإدارية بواسطة الآليات التي أعدتها الدول لذلك ماديا وبشريا والهروب قبل اللحوق أحسن منه الهجوم قبل الهروب .
ولم يـبـق لي الآن إلا أن أقول في هذا الصدد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : .
وقد قال المولى عز وجل على لسان شعيب أنه قال : (( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ))
 

1. سبتمبر 2014 - 15:45

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا