التطرف العرقي داء لاكنه يحتاج إلى طبيب لاإلى جلاد أو صاحب سلطة يصدر أحكاما قانونية بالمنع والقهر والعقاب .
والذي يعرف جذور الداء وأسبابه التي تتمثل في الظلم الإجتماعي والإقصاء السياسي والمذابح البشعة يدرك أن المنع والمواجهة
لايعالج الداء بل يزيده ويعمقه .
لذا نقولها لإخوتنا الزنوج ولحراطين : تعالوا إلى كلمة سواء ووطن يجمعنا ولايفرقنا وقانون يساوي بيننا في الحقوق والواجبات .
وربما كان الوقت غير مناسب لتوجيه النداء لهذه الشرائح فلازالت البئة غير مشجعة لهم على تلبية النداء ولازال التهميش والإقصاء يؤثر على عقلية القوم ويدفعهم إلى التطرف مما جعل المشكلة في جوهرها مشكلة عميقة يتحمل وزرها المجتمع والدولة على السواء ولايمكن لهذه الشرائح الضعيفة التي عانت الكثير من الظلم والإستعباد وتعرض بعضها لجرائم بشعة وإبادات مفزعة أن تتحمل وزرها وتدفع ضريبتها ومن البديهي أن تطرف الضحية وردة فعلها القاسية لاتبرء الجاني الأصلي ولاتحوله بين عشية وضحاها إلى ضحية بل يجب أن يتحمل الجاني جنايته وأن يتحمل أيضا جزء من جناية الضحية وأفعالها التي تعتبر ردات فعله على أفعاله وممارساته .
بيد أن مايجب أن يدركه المواطن الموريتاني في هذه اللحظة الحرجة هو ضرورة الحفاظ على وحدة هذا المجتمع التي تمزقت في ظل العنصرية المقيتة والطبقية الخبيثة وأصبحت في خطر نتيجة للسياسات المظلمة والأفكارالعنصرية التي تجمع ولاتفرق ونتيجة للتجاوزات العرقية الخطيرة والإبادات العنصرية المؤلمة .
وهكذا سولت لبعض فئات هذا الوطن أنفسهم قتل إخوانهم فقتلوهم فأصبحوا من الخاسرين وبعث الله نارا تشتعل في نفوس المظلومين لتعلمهم كيف يطالبون بحقوقهم المهدورة وينتزعون كرامتهم المسلوبة ولو كان ذالك عن طريق الحكم الذاتي والحصول على دولة مستقلة .
وبدلا من أن يتفهم العقلاء دوافع هذه المطالب ويسارعون إلى مايعزز الوحدة ويلم الشمل حفاظا على وحدة البلد وحفظا له من التقسيم الجغرافي والعرقي إذا بهم يزيدون الطين بلة ويستمرون في تجاهلهم لمطالب الزنوج ولايعلقون عليها بغير السب والشتم وهم يظنون أنهم بذالك يحافظون على وحدة موريتانيا ويغارون على أمنها واستقرارها .
وهكذا أصبحت القنبلة العرقية موشكة على الإنفجار في ظل فساد الدولة وعجزها وعنصرية المجتمع وتعصبه وصار من الطبيعي لمن يتبنى طرحا ثالثا وينهج منهجا ثالثا أن يكون في نظر الإثنين من المخطئين في حق الوطن والمتلاعبين بااستقراره والقليل جدا من ينصفه ويتفهم موقفه الذي قد يكون أكثر ملائمة لظرفية البلد من المواقف الإقصائية التي ترى في الإقصاء سبيلا للوحدة ولما للشمل!!!
إن كثيرا من مثقفينا لايرى أبعد من أنفه ولذالك يتصور وحدة موريتانيا تصورا سطحيا لايلج إلى الأعماق ولايحلل الأسباب ولايكتشف العوائق فمطالبة شريحة مظلومة بالإنفصال هو كل مافي الأمر والعلاج تأنيبها وكراهيتها وجهادها بالسيف والغلظة !!!
وكأن التاريخ الموريتاني بدأ من يوم طالبت أفلام بالإستقلال ودعت إلى الإنفصال وقبلها كانت موريتانيا آمنة مطمئنة يتساوي فيها الجميع أمام القانون لافضل فيها لعربي على أعجمي إلا بالتقوى !!!
أما عنصرية الدولة وممارسات الأنظمة وتجاوزات الشرائح المهيمنة فهي كلها عدل ورحمة وترسيخ للوحدة والأخوة !!!
ياسلام ماأسرع نسياننا للأيام وماأشد مهارتنا في الكلام حين نؤيد العنصرية ونمارسها وفجأة نصبح نحن أشد أعداءها وأكثر الناس محاربة لها حفاظا على أمن وطننا واستقرار بلدنا ونحن الضحية والآخرون هم الجناة !!!
إن الحقيقة التي لم يعد هناك بد من قولها هي أن تعاملنا مع المشكلة العرقية تعاملا مراهقا ومن شأنه أن يعمق الصراع الإجتماعي ويدفع البلد نحو الكثير من المشاكل التي لايتحملها فلديه من المشاكل الإقتصادية والسياسية والإجتماعية مايكفي .
وهذه حقيقة يدركها النظام الحاكم لاكنه يتجاهلها لأنه تصب في مصلحته وبقاءه فالأنظمة الفاسدة تتمنى ظروف الصراع والحروب لكي تعزز سيطرتها وتفرض هيمنها باسم القانون .
أما المجتمع المسكين فالمصيبة أنه لايدرك هذه الحقيقة ولايريد أن يدركها فهو مندفع وراء الخلافات العرقية ومنشغل بمعارك من شأنها أن تعمق الداء وتعقد المشكل فلطفك اللهم بموريتانيا .
إن هناك أمور يجب أن نؤكدها ونضعها نصب أعيننا عندما نتحدث عن الخلافات الإجتماعية والتحديات العرقية :
1 ـ إن الداء العرقي داء عميق ولد في جسم المجتمع وبنيته الحساسة نتيجة لانعدام بئة تلائم طبيعة هذه البنية وتعمق نتيجة لضغط الإقصاء ومرارة الظلم وكل مانراه اليوم مجرد آثار للداء ولايمكن أن تكون جذورا له
2 ـ إن وجود حراك اجتماعي ينتمي لشرائح مستضعفة يعتبر أمرا طبيعيا ولايمكن أن يواجه بغير الحكمة والعدل ورد اللأمور إلى نصابها
3 ـ إن المطالبة بالإنفصال والسعي إلى دولة مستقلة ليس مطلبا عنصريا محضا كمايتصور البعض بل هو تعبير عن نفسية المستضعفين وعدم شعورهم بوجود دولة تسع الجميع ويتساوى أمامها الجميع
4 ـ إن الإقصاء ليس حلا وليس ممكنا أيضا ودعاته لايفهمون الحاضر ولايفكرون في المستقبل ولايعلمون أنهم يزيدون من حجم التوتر ويدفعون الحراك الزنجي لمزيد من التطرف بتجاهلهم لأسبابه وكراهيتهم لأصحابه
5 ـ إن الحل الوحيد يتمثل في ترسيخ المساواة وإعادة الحسابات والعمل على توطيد الوحدة وتقريب وجهات النظر
6 ـ إن حضور مؤتمرات حركة زنجية لها تأثيرها ووزنها ولهاأيضا مطالب يجب الإستماع إليها لايمكن أن يكون جريمة في التاريخ السياسي وإن كان خروجا على المألوف فهو سنة حسنة وصاحبه لاشك يحمل نية حسنة وإلا لقدم مصداقيته لدى الرأي العام على هذا الموقف الذي يعلم جيدا أنه لن يقابل بترحيب لدى العامة والمثقفين أيضا
وأخيرا لايسع أبناء هذا البلد ومثقفيه ومفكريه إلا أن يؤسسوا طرحا جديدا في هذه القضية الخطيرة وأن لايدفعهم ضغط المجتمع إلى اتخاذ المواقف المراهقة التي لاتفهم الواقع على حقيقته ولاتبصر المستقبل على حقيقته أيضا .