العنصرية هي محنة الضمير البشرى/ نيلسون مانديلا
أبشع و أحط أنواع العنصرية أو ما يلامس بعض معانيها - عند أهل الخيارات النضالية، دعائية كانت أم انفصالية - أن تختار لغيرك انتماء عرقيا أو ثقافيا رغما عنه و تقصد من ورائه في جهالة مطلقة بقيمة الإنسانية
أن تحط له من قدره أو تشككه في مميزاته أو تزعزع ثقته في عوامل و ثوابت توازنه و معين عطائه في دائرة إنسانيته التي هي أولا و أخيرا أسمى ما يملك و أغلى ما يتقاسم في إنصاف إلهي مع كل البشر.
و العنصرية هي الاعتقاد بأن هناك فروقا وعناصر موروثة بطبائع الناس و أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما - بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق - وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبيرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية.
لعل تيام صمبا، و بعيدا عن اتهامه بهذه النوايا التي من زمن ولى، يريد و لا ألتمس له في ذلك أي عذر بهذا الخلط "الممكن" بل "الحاصل" و "الممتزج" جدا بين العروبة و البربرية كما يحلو له التذكير بذلك مع بتر متعمد لذكر أن هذا المزج الحضاري النادر هو الذي:
· فتح بقوته و عمق تداخله "طارق بن زياد أرض" الأندلس في شبه الجزيرة الابيرية،
· و هزم بشدته و عنفوانه "يوسف بن تاشفين" جيوش البرتغاليين في معركة "الزلاقة" التاريخية الفاصلة،
· و أشاع بقوة امتزاجه "أبو بكر بن عامر" دين الإسلام و نشر الثقافة العربية في كل ربوع غرب إفريقيا و ما بعدها في العمق القاري و على الأطراف حتى تخوم اليمن في رجع حضاري حمل فيما بعد كل سمات الغرابة و العجب،
· كما كان الأمر به على طول طريق القوافل التي كانت تعبر الصحراء و تنتظم معها قوافل الحجيج التي دعيت في بواكيرها برحلات حجيج "التكارنة" نسبة إلى التكرور دون أن يكون لذلك أي مغزى يميز أو يسيئ في ظل سماحة و طهر إنسانيين بالغين.
و هو بكل ذلك أيضا "المزج" العرقي الحضاري بين البربري و العربي و "الزنجي" - رغم تعمد تيام صمبا لحاجة في نفسه عدم ذكر هذا البعد الحضاري والرافد العرقي - الذي قدر لذويه البصم بـ"ألمعية" نادرة على ثقافة المشرق العربية و الإسلامية في فترة كانت الحاجة فيها ماسة إلى انتشالهما من روافد قاهرة بإرادة المسخ و جاثمة بإرادة السلاح و إن لبست لذلك يومها ثوب الإسلام ثم تنكرت للغته التي أنزل بها قرءانه.
و لأن تيام صمبا يبدو مصرا على تحميل المسميات و المفردات معاني تحمل رغبة بادية في الإيلام و الوخز و تمييع الأصول و الانتماءات فلا بأس في أن يتفقه و لو من باب الفضول الإيجابي بمعرفة الأصول و الأعراق و الانتماءات الثقافية الموروثة و المقصودة بفعل حرية الإرادة، أن يقف عند مصطلحين في هذا المنحى.
فأما أولهما فمتعلق بمصطلح "البربر Berbère" الذي هو كلمة إغريقية أطلقها اليونانيون على من لا ينتمي لحضارتهم (المميزة باللغة الإغريقية والدين اليوناني)، لذلك نجد المؤرخ اليوناني هيرودوت، يطلق وصف البربر أو البرابرة على الفرس وكذلك أطلق الرومان لفظ البربر على كل من لا ينتمي لمنظومتهم الثقافية والحضارية الإغريقية الرومانية. ولعل بقاء الشمال الإفريقي خاضعا للنفوذ الروماني إلى غاية الفتح الإسلامي قد يفسر بقاء اسم البربر لصيقا بغجر شعوب المنطقة.
و أما المصطلح الثاني و الذي أنصحه بأن يستخدمه لما يحمل من قيم إنسانية و تاريخية و اعتبار للشعوب المنضوية تحت خصوصيته العرقية و الثقافية السامية، و هو مصطلح "الأمزيغ" الذين هم مجموعة من الشعوب الأهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا، وهي المنطقة التي كان يطلق عليها الإغريق قديما باسم نوميديا. وهم قبائل كثيرة وشعوب جمة وطوائف متفرقة، وقد قسمهم بعض نسابة العرب إلى فرقتين: البرانس والبتر، وقالوا أن البرانس هم بنو برنس بن بربر، والبتر بنو مادغيش الأبتر بن بربر. وبعضهم أرجعهم إلى سبعة أصول متفرقة وهي إردواحة، ومصمودة، وأوربة، وعجيبة، وكتامة وصنهاجة، وأوريغة.
و لما أن الأمر بهذا التشعب و بهذا الغنى و التنوع الممتع فإن كلمة "التكارير" التي هي اسم لشعب كبير من القبائل الحامية أسس مملكة أفريقية قديمة جدا امتدت من غرب السودان إلى سواحل المحيط الاطلسي امتزجت فيها عديد الشعوب و الأعراق حتى باتت إشكالية التميز مطروحة بإلحاح داخل المسمى العام و ظهرت بوادر ذالك التميز في تسميات أخرى التي منها وأكثرها خضورا و تميزا عند "إفلان" و غيرهم ممن كانت لأعراقهم دول و ممالك و إمبراطوريات كـ"السوننكي" و "الولوف". و عبثا يحاول البعض أن يجمعهم لأهداف انفصالية تحت مسمى الزنوج الأفارقة الموريتانيين يريد له أن يكون انتماء ممشتركا دون غيره في الوقت الذي يمنع ذلك لغيره و بالإلقاء جزافا لتسميات مشحونة بالميز العرقي و الثقافي و الحضاري.