"ترجيت" أو "أسويكيه"، الاسم القديم، موقع سياحي تابع إداريا لمقاطعة أوجفت بولاية آدرار، وهو جزء من بلدية معدن العرفان القرية الروحية الواحاتية، التي أسسها الشيخ الصوفي الشهير محمد الأمين ولد سيدينه "الشمسدي الأوجفتي" رحمه الله.
"ترجيت" هذه تبعد 45 كلم من مدينة أطار عاصمة ولاية آدرار، وهي قطارة بالتعبير الحساني، أي منبع مائي جاري باستمرار، بصورة عجيبة، يشبهها البعض ببكاء الخائف باستمرار أيضا من خشية الرحمان، فهذا الجبل الظليل أو على الأصح الجرف الظليل المفعم بالسكينة، له "قطارات" مثل الثدي، تقطر دائما بالماء الصالح للشرب، رغم ميلانه للملوحة غير العميقة.
وقد ظلت "ترجيت" الجميلة مأوى سياحيا، خصوصا في الصيف، هروبا من قيظ المناخ العادي صيفا، في عموم ولاية آدرار، ذات الطابع الصخري الصعب، مع شح في المياه، رغم وجودها جوفيا -على نحو متفاوت- على وجه لم يستغل طيعا بصورة كاملة حتى الآن.
"ترجيت" تعاني في الوقت الراهن من تراجع حاد في مستوى الإقبال السياحي، وخصوصا الخارجي، مع تناقص وبشكل ملحوظ في إقبال المواطنين من داخل آدرار والوطن عموما، رغم أن "الحمان" أي الحر الشديد، خصوصا زمن الكيطنة، مازال صعب التحمل على أهل الولاية، أحرى على من يأتي طالبا موسم "الكيطنة" الصحي من خارج هذه الولاية المهمشة، وذلك باعتراف ولد عبد العزيز نفسه أحيانا في بعض تصريحاته، وكذلك بشهادة المعلومات ذات الطابع الدولي الانتشار.
فهذه الولاية بالمقارنة مثلا مع اترارزة، لا تحظى بالمستوى شبه الكافي، لا من الماء الشروب والمراكز والعناية الصحية، ولا أيضا من التعليم، الذي لا يقل أهمية عن الماء والدواء، وتأتي هذه الولاية عموما في أسفل سلم جميع الولايات، رغم أهمية دورها في القطاع الخاص وانحدار الكثير من ضباط موريتانيا من نسيجها الأهلي المتنوع، ورغم سائر هذه الاعتبارات ظلت آدرار تئن من جراء الحصار والإهمال ونقص الاهتمام.
ولا يمكن اعتبار استفادة أفراد من قطاع التجارة الخصوصي غير الرسمي، ولا كونها الولاية التي أنجبت بعض القادة التاريخيين، مثل الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، أو كونها انتخب منها للبرلمان، من خلال مقعد شنقيط بعد تنازل ولد منير العلوي، البرلماني المخطار ولد داداه رحمه الله، كمقدمة لتقلده منصب قيادة البلد مع مطلع الاستقلال وإلى غاية 10 يوليو1978 حين أطيح به.
وقد زار المخطار "ترجيت" المذكورة، وأوصى بصورة نظرية باستغلالها سياحيا، حيث كان المخطار آدرار الهوى، لأنه سبق له العمل في بير أم اكرين، وتزوج دون أن ينجب من "كديرية" أي من قبيلة "لكدادره"، من افديرك، حيث كان مترجما مع الفرنسيين في عاصمة تيرس زمور وقتها، قبل الاستقلال بسنوات عدة، ثم قلد بعد الاستقلال منصب الداخلية لأحد ابناء الولاية لفترة معتبرة، وهو أحمد ولد محمد صالح "القلاوي الشنقيطي"، ولكن هذا كله ظل مردوده المحدود في حيز النخبة، كما ظل في المقابل فقراء آدرار، السواد الأعظم من السكان مهملون بعانون بحق، لا يخفى على الزائر لمدينة أطار وعموم ولاية آدرار بوجه خاص، وثمة بؤر من حين لآخر يشرف أهله على الهلاك بسبب الفقر والإهمال وبعد الشقة من الأسواق ومصادر الحياة، على سبيل المثال "العين الصفره" التابعة لمقاطعة شنقيط، ويحدث كل هذا قديما وحديثا، رغم قلة ساكنة هذه الولاية والذي لم يصل يوما إلى خمسين ألف نسمة، مع احتساب المقيمين والزائرين من غير أهل الولاية بجميع مقاطعاتها الأربع: أطار، شنقيط، وادان، أوجفت، والمركزيين الإداريين: شوم التابعة لأطار و"أنتيركنت" التابعة لأوجفت.
أقول عودا على بدء، في سياق من التهميش الممنهج والإهمال المتعمد، همشت واحة "ترجيت" الجميلة الجذابة لمن يعرفها، وخصوصا لمن يعاني ضغط المدن الكبرى ومشاغلها الجمة الطاردة، سواء كان ذلك في الصيف أو الخريف على وجه الخصوص، أو غيرهما.
قديما خاطب ربنا الفتية الذين غادروا مدينتهم هربا من الشرك وغواية المذهب الديني، السائد في حضرهم آنذاك، وتمسكوا بالتوحيد والدين الصحيح، فقال جل شأنه في سورة "الكهف": "إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنوا بِرَبِّهِم وَزِدناهُم هُدًى ﴿١٣﴾ وَرَبَطنا عَلى قُلوبِهِم إِذ قاموا فَقالوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ لَن نَدعُوَ مِن دونِهِ إِلـهًا لَقَد قُلنا إِذًا شَطَطًا ﴿١٤﴾ هـؤُلاءِ قَومُنَا اتَّخَذوا مِن دونِهِ آلِهَةً لَولا يَأتونَ عَلَيهِم بِسُلطانٍ بَيِّنٍ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ﴿١٥﴾ وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا﴿١٦﴾ وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ وَهُم في فَجوَةٍ مِنهُ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّـهِ مَن يَهدِ اللَّـهُ فَهُوَ المُهتَدِ وَمَن يُضلِل فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرشِدًا ﴿١٧﴾ وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا ﴿١٨﴾ وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا ﴿١٩﴾ إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا ﴿٢٠﴾ وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها إِذ يَتَنازَعونَ بَينَهُم أَمرَهُم فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا ﴿٢١﴾ سَيَقولونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ وَيَقولونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَستَفتِ فيهِم مِنهُم أَحَدًا ﴿٢٢﴾ وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا ﴿٢٣﴾ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّـهُ وَاذكُر رَبَّكَ إِذا نَسيتَ وَقُل عَسى أَن يَهدِيَنِ رَبّي لِأَقرَبَ مِن هـذا رَشَدًا ﴿٢٤﴾ وَلَبِثوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مِائَةٍ سِنينَ وَازدادوا تِسعًا ﴿٢٥﴾ قُلِ اللَّـهُ أَعلَمُ بِما لَبِثوا لَهُ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَبصِر بِهِ وَأَسمِع ما لَهُم مِن دونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشرِكُ في حُكمِهِ أَحَدًا ".
واليوم تكاد "ترجيت" في انحسار أشعة الشمس عن جرفها، ومائها الشروب ورطبها الجني وجوها البارد المفعم بالسكينة والراحة البدنية والنفسية، تماثل في جانب من السكون والهدوء والعزلة النسبية، جانبا من كهف أهل الكهف، وربما ممثلة بدورها لكهف معاصر، لمن أراد الهروب فحسب، ولو لبرهة من الوقت، دون النوم الطويل العجيب الذي خص الله به أصحاب الكهف ثلاث مائة وتسع سنين.
خاطبت الوالي قبل أيام، على مستوى ولاية آدرار، طالبا منه جرف التربة عن الطريق المؤدى إلى قلب الواحة الجميلة فوعد خيرا، لكنه لم ينفذ بعد، فعلى امتداد 700 متر تقريبا، تقف التربة، حاجز عبور دون عبور السيارات الصغيرة، فلا يتمكن أغلب الزوار القلائل من الوصول إلا مترجلين، إلى مقصدهم السياحي المذكور، بعد أن يعرجوا من بعد نقطة تفتيش الدرك، فهل من مجيب لهذا الطلب الذي أبلغت به بإلحاح من طرف أصحاب الواحة والقائمين عليها؟!.
ولو لم تأتي السعودية بتمويل مشروع مائي منذ2001 لما سقي أهل "ترجيت" وسكان قريتهم المتواضعة، رغم أنهم يعيشون على بعد أمتار من مصب مائي منحدر دائم، ما شاء الله.
ومع غياب أي مركز صحي ولو بسيط بـ"ترجيت"، والمستوى التعليمي تتآزر الدولة مع المجتمع المدني، في ظل مدرسة ابتدائية تشرف عليها الدولة، وإعدادية يسيرها الشيخاني ولد محمد الأمين ولد سيدينه العمدة الحالي لبلدية معدن العرفان، ضمن تجربة تسمى "عقول الواحات".
هذه التجربة التعليمية منذ أكثر من عقد من الزمن، تتابع سيرها في مختلف قرى بلدية "المعدن" المذكورة، وهي تفتح المجال على سنة واحدة للمشاركة في الشهادة الإعدادية "بريف" وبعد سنتين فحسب، تفتح المجال أيضا لروادها، للترشح لنيل شهادة الباكالوريا.
وما مدير ديوان الوزير الأول الحالي الدكتور محمد ولد جبريل إلا أحد خريجيها العديدين، من مختلف أصقاع مقاطعة أوجفت الجميلة، المتروكة للفقر والتهميش وآفات النخيل، لتلتهم واحاتها ولو تدريجيا، لا قدر الله.
مع عجز كامل مثير المستوى، في استيعاب منتجات المقاطعة المذكورة من الخضروات، خصوصا من الجزر، الذي لم يجد أصحابه "الأوجفتيون" و"الطوازيون" إلا رميه على قارعة الطريق أحيانا، وسط تعمق وتجذر أزمة تهميش مؤلم، بات علنيا معترف به لدى السلطات القائمة محليا ومركزيا، ومطلع عليه بشكل مباشر من طرف الجهات الدولية المعنية، تهميش من طرف القطاع العام والخاص المحلي الأناني، بامتياز.
وفي هذا الاتجاه، تسير السياحة عندنا نحو التوقف شبه الكامل، رغم ما تثيره من تساؤلات أخلاقية أحيانا، ولولا زيارات خجولة، ذات طابع أهلي، لا يمنح القائمين على الواحة "ترجيت" أي استفادة ذات بال، ورغم هذا الجو الصعب من الإهمال والرمال على قارعة الطريق المفضي للواحة الفيحاء، ذات المصب والنبع الجاري العجيب، يصر جمال ولد الحجاج وإخوته على استقبال الزبناء وراحتهم، مهما ادعت الأفاكون أن السياحة في بلدنا وولايتنا بصورة خاصة "آدرار" تمثل خطرا على طالبيها من الضيوف الخارجيين، وأما المواطنون فيفضلون غالبا -سفاهة وفخرا وإهمالا للرحم والوطن- السياحة الخارجية ابتغاءا للسياحة عند الغير، وربما بحثا عن الحسناوات الحرام والكأس والقمار "البينكو" في الخارج البعيد المكلف الباهظ!!!، وإلا فما السبب في التغاضي المستمر عن السياحة في داخل وطننا والإصرار على إنفاق مئات الملايين من رصيدنا المحدود من العملات الصعبة سنويا في الخارج، والتكبر والتعالي عن "ترجيت" السكون والهدوء وحسن الضيافة والبساطة والاستقبال النوعي الشفاف، فيها وفي غيرها من مواقعنا السياحية الجميلة، التي لا يتيسر في أغلبها القمار والخمر والحرام عموما، مع البراءة والاستفادة الصحية والنفسية، دون غرق في الوهم، وطلب مستوى من السعادة، قد لا يكون موعده إلا في جنات الخلد.
فلا تبالغوا معشر السواح المواطنين مثلي أحيانا، ولترضوا بالقليل من الخدمات السياحية المحلية، مهما كانت النواقص في انتظار المزيد حين نتناول جميعا شعبيا ورسميا، قصد الوصول إلى خدمة سياحية محلية متكاملة نوعية، بريئة بإذن الله.
"ترجيت" في انتظاركم، و"إيليج" بضاحية تيارت 15 كلم من مدينة أطار غربا، و"أنيجرت" 16 كلم غربا من مدينة أطار، و"تض" 15 كلم شمال مدينة أطار، وهي موقع سابق للقاعدة العسكرية الفرنسية، والتي تربض بها "أي تض"، واحة جميلة بمنبع مائي جاري، أشرف على التوقف بسبب الإهمال وقطع الرحم من طرف الزوار المحليين بالدرجة الأولى.
وشنيقط الاسم الجامع، حيث التاريخ والواحة وصفاء الجو المنعش الملهم، وذلك حين تتعانق البطحاء ورملها الذهبي مع النخلة وعبق التاريخ الإسلامي، المؤسس لهذا الربع الحبيب الغالي، الجمهورية الإسلامية حديثا، شنقيط الحضارة والعراقة سابقا وقدما.
وباختصار هل ينتبه الناس لمخزونهم السياحي، فيتعرفوا عليه على الأقل نظريا وعمليا، قبل أن يذهبوا سدا، وبكل ما يملكون من مال ووقت في سياحة قد لا تكون نظيفة، وقد لا تكون بعبارة أخرى صحية أخلاقيا وبدنيا.
فالسياحة ليست كلها حرام، أو مشبوهة البتة، وإنما ساعة وساعة، وقد تجلب معك الأهل أو الأصدقاء وبعض كتبك للمطالعة أو أوراقك للكتابة، وعموما بعض وسائل التصوير والتسجيل لتحصل على فيلمك الخاص ونصيبك من الذكريات الموثقة، في صورة "آلبوم" أو غيره من صنوف الإنتاج الإعلامي السياحي الإيجابي.
وكل هذا لا يتناقض مع العبادة والذكر، والإنفاق -لمن أمكنه ذلك- والتأمل الطويل في واقع هذا البلد، المتردي في أتون الاستبداد والاستفراد والاستحواذ وصنوف الظلم عموما، والتأمل أيضا من وحه أوسع في بديع خلق الله تعالى.