مخالفات ابن مزيد "الشرعية"!!! / محفوظ ولد الجيلاني

خطب المنصور فحمد الله و مضى في كلامه، فلما انتهى إلى أشهد أن لا إله إلا الله وثب رجل من أقصى المسجد فقال أذكرك من تذكر، فقال المنصور: سمعا لمن فهم عن الله وذكر به وأعوذ بالله أن أكون جبارا عصيا... وأنت والله أيها القائل ما أردت بها الله ولكن حاولت أن يقال: قام فقال، فعوقب فصبر..."

  كان المنصور عالما، حفظ الحديث وكتبه، وفي قوله "للناصح"، سمعا لمن فهم عن الله، تعريض به إذ لا يدل فعله على فقه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن نصح أولي الأمر علانية. فعن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية، وليأخذ بيده، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه." (أخرجه الإمام أحمد، وصححه الألباني).
"وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال أترون أني لا أكلمه إلا أُسمِعُكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه" (رواه البخاري ومسلم)، قال النووي، موضحا قصد أسامة، يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، وقال عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سرا، فذلك أجدر بالقبول".(فتح الباري)
   لم يكن الدكتور ابن مزيد يجهل هذه النصوص، وغيرها، حين انفلت من وفده يوزع " نصائحه" للوزير الأول على المواقع الالكترونية، وبذلك لم تكن نصائحه أمرا بمعروف و لا  نهيا عن منكر، لمخالفتها الصريحة لقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يبرر ابن مزيد مقاله بقوله: "... ذكر الوزير الأول للوفد أن لديه طلبا ووضح ذلك بأنه يطلب منهم إذا رأوا تصرفا يخالف الشريعة أن ينبهوه عليه... وتجاوبا مع هذا الطلب أردت أن أتبرع بتنبيه الوزير الأول على بعض المخالفات الشرعية ريثما يتسنى للمنتدى القيام بتحقيق هذا الطلب بطريقة رسمية تعبر عن وجهة نظره..." (مقال: إلى معالي الوزير الأول...).
جاء ابن مزيد إلى الوزير الأول ضمن وفد لم يكن رئيسه، ولم يطلب الوزير الأول النصح منه بصفته الفردية، بدليل تطوعه، ولم يكلفه الوفد بالنصح باسمه، وإنما تنطع لتنبيه الوزير الأول على بعض "المخالفات الشرعية"! يقولون، في قديم الزمان أعيى من باقل، ونقول اليوم: أعيى من إخواني! فلا تكاد تقرأ نصا لكتبتهم، أو قادتهم، أو مفكريهم، يخلو من عي فاضح... فالدكتور، القيادي الكبير، الفقيه المنظر، يريد أن ينبه الوزير الأول على بعض "المخالفات الشرعية"!!! إذا كانت مخالفات، فهي ليست شرعية، وإذا كانت شرعية فلا يمكن أن تعد مخالفات للشرع يسابق الدكتور وفده للتنبيه إليها. لكن الدكتور معذور، فربما كتب وفي ذهنه "المخالفات المرورية"، فظن هذه من تلك، والله المستعان.
   كان حريا بالدكتور، القيادي الفقيه أن يقرأ باب النسب في بعض كتب النحو، قبل التصدر للفتيا، والسباق إلى الأمر والنهي. لننتقل الآن إلى "المخالفات" التي لم يسع الدكتور السكوت عنها، رغم شرعيتها! يقول الدكتور، في "مخالفته الشرعية" رقم 2، ما نصه: "... من أعظم مهمات الحكومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، كما قال الله عز وجل (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الأمور)". هل يستأنف الدكتور "الناصح" على الله فيرتب الأولويات ترتيبا يخالف الذي ورد في الآية! لقد بدأ الله جل جلاله بالصلاة، وثنى بالزكاة، لكن ابن مزيد بدأ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وثنى بالصلاة، وختم بالزكاة!!!
  كان حجيج الجاهلية يبدأ بالمروة سعيه، ثم ينتهي إلى الصفا، فلما حج صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا، وعلل ذلك بقوله: "أبدأ بما بدأ به الله." وتلا قوله تعالى:"إن الصفا والمروة..."(الآية). عجبا لابن مزيد! يبدأ "نصحه" بالعي، ومعارضة الكتاب، ومخالفة السنة، ثم يوغل في "مخالفاته الشرعية" فيقول:"... تشهد بلادنا انتشارا فظيعا للمنكرات (تعاطي الخمور والمخدرات، الزنا...)، وبين الحين والحين يعلن عن القبض على شبكات واسعة تقوم بجرائم منظمة في هذا المجال..."
  حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم أمر أمرا صريحا.." وأنذر عشيرتك الأقربين"، فجمع أهل بيته، ثم بني هاشم، ثم قريش. واليوم فإن عشيرة أمثال ابن مزيد أحزابهم التي ينتسبون إليها، وابن مزيد إخواني عريق. والإخوان حزب سياسي تدثر بالإسلام طويلا ثم قام، بعد الربيع، ينذر بالمدنية. مكن الله لعشيرة ابن مزيد في بلدان عربية تباع فيها الخمور كما تباع المياه المعدنية، ويرخص فيها رسميا لبائعات الهوى، وتدفعن الضرائب، ويفخر بعض قادتها، ومفكريها "الإسلاميين" بأنهم فتحوا الخمارة جنب المسجد... ولم نسمع من ابن مزيد إنكارا لذلك، بل يتولى تلك الحكومات وينتصر لها فعل الجاهليين مع عشائرهم! ثم يثب ابن مزيد على بلده، الذي تحرم قوانينه كل هذه المنكرات، ويطارد أصحابها، باعتراف ابن مزيد، ليشهر به!
  يستمر ابن مزيد، في "مخالفاته الشرعية"، فيقول:"... وقد صارت أماكن هذه المنكرات معروفة للخاص والعام وانتقلت في بعض الأحيان من التخفي إلى المجاهرة." اتق الله يا ابن مزيد، واذكر للعام، دون الخاص، محلا واحدا يضع لافتة: حانة، أو بار، أو شارعا، أو نهجا، تعرض فيه الفتيات كما تعرض البضاعة في شارع الرزق. ثم أخبرني، يغفر الله لي ولك، هل ألغى حامل القرآن الرئيس محمد مرسي ترخيص حانة واحدة، أو ضربت فتيات شارع الهرم بخمرهن على جيوبهن، أو دعا ابن مزيد، أو غيره من علماء الإخوان، ودعاتهم إلى ذلك أيام التمكين التي أكملت حولا كاملا؟ وفي الخضراء لا تزال الخمور على الموائد، والبغاء ينشط السياحة بعد ثلاث سنوات من التكتل والنهضة. وفي البلد الثالث يسّاقط السكارى في الشوارع، ويكشف الأطباء على البغايا حفاظا على صحة الزبائن، وقد كان شيخ مشايخ تواصل هناك، منذ أسابيع في مؤتمر سياسي لا أمر فيه بمعروف ولا نهي عن منكر. هذه الحكومات الإخوانية التي ترخص المنكرات وترعاها هي الأقرب إلى قوله تعالى " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة..." والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" كل أمتي معافى إلا المجاهرون"، وحكومات الإخوان ترخص المنكرات، وتأكل منها، وابن مزيد ينافح عنها ويتولاها، ويشهر بحكومة بلده التي يعترف بمحاربتها المنكرات وإن مارسها بعض الناس في الخفاء، دون علم الحكومة، و بمعرفة ابن مزيد!
يعد ابن مزيد في "المخالفات الشرعية" "اختلاط البنين والبنات في المدارس... كما يختلطون في باريس ولندن، وموسكو..." وسكت ابن مزيد عن الاختلاط في رباط بنكيران، وخضراء الغنوشي، وإسلامبول أردوغان، أم أنه حلال حيث يحكم الإخوان!
  لا يستحي ابن مزيد من ذكر الشريعة وتطبيقها، وهو يعلم علم اليقين أن حزبه صرف النظر عن المطالبة بتطبيقها إلى التشكيك في بعض حدودها، مثل الرجم، وحد الرد، وهلل الإخوان لدستور الغنوشي العلماني، بينما نص الدستور الموريتاني بشكل صريح على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع في أول دولة عربية إفريقية تتخذ الإسلام شعارا...
ينتقل ابن مزيد إلى المحرمات.." من المحرمات التي يجب التنبيه إليها الدخول مع الكفار في مخطط محاربة الإرهاب..." نسأل الدكتور عن حكم الدخول مع الكفار في الإرهاب ذاته؟ فقد قاتل الإخوان تحت راية الكفار في ليبيا وسوريا حيث ينتشر الإرهاب اليوم، وأفتى فقهاؤهم بأن الفتنة التي يغذيها الكفار في بلاد الإسلام جهاد لا يسع أحدا التخلف عنه (إقرأ، إن شئت بيان علماء الإخوان، للنفير إلى سوريا، في قاهرة مرسي).
  يختم الدكتور "مخالفاته الشرعية" بالتبعيض، والعطالة.." من الأمور المخالفة للشريعة إحلال عطلة الأحد اليهودية النصرانية محل عطلة الجمعة ففي ذلك موالاة لليهود والنصارى وتشبه بهم واتباع لسنتهم وطاعة لأوامرهم والله عز وجل يقول: ومن يتولهم منكم فإنه منهم..." هل اكتشف الدكتور الفقيه القيادي في حزب الإخوان كل هذه "الأحكام" الأسبوع الماضي فقط؟ تقتضي هذه "الأحكام" أن مئات الملايين من المسلمين، بما فيهم الإخوان وحكوماتهم، وأحزابهم، وعلماؤهم، ودعاتهم، يوالون اليهود والنصارى ويتبعون سنتهم، ويطيعون أوامرهم، وهم منهم! ولم يرتفع لابن مزيد، ولا لغيره من قادة تواصل، صوت بهذه المعاني قبل الأسبوع الماضي! فلماذا سكتوا دهرا، ثم انبروا فجأة يسلقون المسلمين بألسنة حداد، فلم تسلم منهم العامة ولا الخاصة.
  يقول ابن مزيد، في مقاله براءة المالكية..."إنني أدعو (فقهاء السبت والأحد) إلى التوبة إلى الله عز وجل، وإلى أن يقولوا بالحق أينما كانوا..." لطالما أرهب الإخوان كل معترض على فتاوى فقهائهم، التي يتراجعون عنها سريعا، حسب تقلبات المناخ السياسي (ولد الددو أنموذجا)، بأن لحم العلماء مسموم، وهذا "عالمهم" ينبز الفقهاء بالألقاب، فينسبهم إلى السبت والأحد، كما ينسب المخالفات إلى الشريعة، ويبدأ بما لم يبدأ به الله! ويدل بنصائحه مشترطا لاستمرارها..." وسيكون من المشجع لي على الاستمرار في التنبيه والتوجيه أخذ هذه الرسالة بعين الاعتبار..."
   لقد كان الناصحون الذين ذكرهم القرآن متطوعين حقا فلم يشترطوا لاستمرارهم في النصح أن يقبل منهم، وإنما قالوا "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون"، أو "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت..."
  قد لا يعاب على ابن مزيد نشره النصيحة في موقع إخفائها فلعله أراد بها تسجيل موقف سياسي لكنه ألبسه لباس الدين، كما فعل رئيس حزبه حين "غرد" يدافع عن حضوره مؤتمر العنصريين بحجة تلبية الدعوة تمسكا بآداب الإسلام! لقد كان رئيس الحزب وفيا "لآلة دينه" التي يبدأ التغريد على أوتارها بلا إله إلا الله، توصلا إلى تنبرمه...

20. سبتمبر 2014 - 12:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا