في وقت تشهد فيه الساحة السياسية ركودا غير مسبوق، في ظل خلود زعماء المعارضة للراحة، والتقاط الأنفاس، في انتظار جولة جديدة من منازلة النظام، وفق خطة لم تتضح معالمها بعد حتى بالنسبة للمعارضين أنفسهم، ... وفي الوقت الذي بدأ النظام تنفيذ سياستة،
وبرامجه في المأمورية الثانية لرئيس الجمهورية، بعد استكمال تشكيل الهيئات التنفيذية، والتشريعية، في هذا الوقت بالذات اختار حزب تواصل القيام بحملة دعائية كبيرة، تستهدف مناطق الثقل السكاني في البلاد (الحوضين، ولعصابه).
أهداف الحملة – كما يقول رئيس الحزب محمد جميل منصور- تتلخص في التواصل مع السكان في الداخل، ومعرفة مشاكلهم، والبحث عن حلول لها، وكذلك شرح مواقف حزب تواصل من المستجدات السياسية، لكن بعض المراقبين يتساءلون بتأمل عن الأهداف الحقيقية لهذه الحملة الدعائية، التي جاءت في الوقت بدل الضائع – يقول البعض-.
ولعل حزب تواصل أراد من هذه الزيارة توجيه رسائل للمعارضة، والنظام، وسكان الشرق،... فللمعارضة يريد حزب تواصل أن يقول: نحن فعلا أكبر حزب معارض، ولدينا القدرة على القيام بحملة دعائية في أقصى الشرق، وأبعد المناطق عن العاصمة، في حين بعض أحزاب المعارضة لا تملك القدرة حتى على عقد ندوة في مقرها المركزي في انواكشوط، ويؤكد هذا الاستنتاج الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام المحسوبة على تواصل هذه الزيارة، فقد حرصت هذه الوسائل على التأكيد في عناوينها على فكرتين بارزتين، الأولى: أن حزب تواصل هو أبرز حزب معارض، والثانية أن حزب تواصل هو الممثل الحصري للإسلاميين- كما جاء في عناوين تلك الوسائل- وكأن تواصل بدأ يستشعر فعلا من ينازعه تمثيل الإسلام السياسي في هذه البلاد، بعد أن انتزع تواصل زعامة المعارضة بعد مقاطعة حزب التكتل للانتخابات الأخيرة.
أما رسالة تواصل للنظام من هذه الحملة فلعلها تقول: أيها النظام: نحن هنا،.. هنا في عاصمة الحوض الشرقي، حيث نتمتع بمنصب عمدة النعمه،عاصمة الولاء للأنظمة، وفي مقاطعة جيكني، حيث نتمتع بمنصب العمدة في مقاطعة الوزير الأول، والأهم من ذلك يريد حزب تواصل أن يقول للنظام إن لديه فعلا حاضنة شعبية، وعمقا جماهيريا خارج العاصمة، لذلك فهو حزب كبير، ورقم ثابت في معادلة السياسة، ولعل حرص وسائل الإعلام التي غطت هذه الزيارة على التأكيد على حجم الحضور الجماهيري الكبير لهذه المهرجانات دليل على ذلك.
أما رسالة تواصل لسكان مناطق الشرق من خلال هذه الزيارة فتقول: أيها السكان نحن لسنا حزب مناسبات، نحن لسنا مثل الذين يأتونكم في الانتخابات ثم يختفوا بعدها، نحن حزب سياسي إسلامي، لدينا مشروع حضاري، وبرنامج طويل الأمد، ولسنا في عجلة من أمرنا، ونريد التعويل على العمق الداخلي ل"التمكين" لهذا المشروع، الذي سيخلص البلاد، والعباد.
وإذا كان حزب تواصل يتمتع فعلا بمنصب العمدة في العديد من مناطق الداخل، فإن من حقه أن يقوم بتنمية محلية في تلك البلديات، ويقدم نموذجا مصغرا للحكم الذي يسعى إليه، لكن تصريحات زعيم الحزب الأستاذ محمد جميل منصور تظهره كما لو كان رئيسا للجمهورية، يملك كامل الصلاحيات، والسلطة، والمال لتحقيق ما يعد به تواصل سكان الشرق المهمش – كما يقول الحزب-.
فعلى أي أساس يعطي الأستاذ محمد جميل منصور وعودا لسكان الشرق بتحويل مناطقهم إلى واحات من الرخاء، والنماء؟ هل يعدهم بذلك عندما ينتخبوه رئيسا للجمهورية ؟، أم أن حزب تواصل يعول في تنفيذ هذه الوعود على أموال الجمعيات الممولة من قطر، وتركيا، وغيرها، وقد تساءل البعض هنا عن تزامن افتتاح مكتب للهلال الأحمر القطري في باسكنو مع زيارة وفد حزب تواصل للمدينة! ومعلوم خبرة قطر الطويلة في استغلال العمل الإنساني لتحقيق أهداف سياسية، كما اعترفت بذلك قطر نفسها في ليبيا، وسوريا، ومصر،ومناطق أخرى؟
وتبقى رسالة بارزة وجهها حزب تواصل لجهة أخرى فاعلة،ألا وهي الجيش، فقد حرص رئيس الحزب محمد جميل منصور على " مغازلة" العسكر من باسكنو، مشيدا بدورهم، وكأنه أراد أن يقول للجيش: نحن لسنا ذلك " البعبع" الذي يتحدث عنا النظام، نحن منفتحون على الجيش، ونحترمه، وهي رسالة بالغة الدلالة.
ومهما تكن الأهداف المعلنة والخفية لهذه الحملة، فإنها تؤكد أن حزب تواصل يتميز عن باقي الأحزاب السياسية في هذا البلد معارضة، و موالاة بكونه يعمل بنفس طويل، ويحث السير عندما يتوقف الآخرون، ويريد الحصول على دعم "موريتانيا الأعماق" مثلما يسعى لبسط نفوذه في " الدولة العميقة" وهي استراتجية إخوانية معروفة، وأعتقد أن حملة تواصل هذه ورسائله من الشرق سيكون لها ما بعدها.