حصار المُعلمين / محمدو ولد سيد عبد الله

صدر قرار بإعادة كل المعلمين والأساتذة إلى وزارة التهذيب الوطني من مختلف القطاعات التي يعملون فيها ، ولم يعط القرار حدا زمنيا لفترة الإعارة للذين يشملهم القرار ، فأصبح بذالك شاملا لؤلئك الذين هم الآن على أبواب التقاعد ، وعليهم أن يعودوا لوزارة التهذيب وممارسة التدريس داخل الفصول ، 

ياتي هذا القرار مفاجئا لكثيرين كانوا يترقبون سياسة جديدة لإصلاح التعليم الذي طالما عبرت الحكومات المتعاقبة عن فساده وعن نيتها السعي لإصلاحه ، ولعل الوزير الأول يحي ولد حد أمين أراد أن يبدو أكثر جرأة من سابقيه ، ويقوم بإعادة المدرسين للفصول ، ويفرض حصارا على خريجي مدارس تكوين المعلمين ليصلح فساد التعليم ....!!

ولعل الوزير الأول بهذا القرار لم ينتبه إلى بعض النقاط التي أوجزها في ما يلي :

• أن هذا القرار هز استقرار مئات الأسر الموريتانية ، التي كان آباؤها وأمهاتها يعملون في قطاعات منذ عدد سنين تأقلموا معها ، وتغلغلوا في مفاصلها ، ووضعوا برامجهم انطلاقا من طبيعة العمل فيها ، انقطعوا تماما ـ وهذا حقهم باعتبارهم موظفين ـ انقطعوا لعملهم الجديد واندمجوا فيه ، فكان ردهم للرتبة الأولى لهم في سلك التوظيف نوعا من الإهانة وعدم العرفان بالجميل .

• أن مختلف الموظفين ليسوا أحق من المدرسين بالترقية والتفاعل الوظيفي والاندماج في القطاعات الأخرى

• أن الهدف من هذا القرار في الظاهر هو إيجاد مدرسين لتعويض النقص الحاصل ـ وهو نقص يفتعله بعض الوزراء لاكتتاب عقدويين من بني جلدتهم أو لمصلحة تخصهم ـ وهؤلاء المعارون انقطعوا عن التدريس منذ أمد بعيد على الأقل منذ مجيء ولد عبد العزيز حيث منع الإعارة ، وهم لم يعودوا صالحين أبدا للتدريس لا من الناحية النفسية ولا من ناحية الحافز المادي ، ولا من الناحية المعرفية .

• أن حصار المدرسين ، وخفض معنوياتهم ، وقتل الطموح فيهم ياتي بنتائج عكسية في مجال إصلاح التعليم .

• أن الوظائف التي ستبقى شاغرة بعد إعادة المعلمين والأساتذة سيتم ملؤها بآخرين أقل تجربة وأقل كفاءة .

• وقعت خيبة أمل كبيرة حول ماهية الإصلاح التي ينبغي أن تتم في ظل المأمورية الجديدة للرئيس محمد ولد عبد العزيز ، إذ أن استهداف العنصر البشري وتضييق أفق الطموح عليه ليس ذا جدوى ، بل يعتبر استهداف أضعف حلقات السلسة .

أم أن الرؤية الجديدة ترى أن المدرسين مجموعة من الموظفين لا يجوز لهم أن يتخطوا عتبات الفصول تمر عبرهم الأجيال والأجيال ...؟؟ يعلوهم الصدأ ، وتلوكهم عوامل الزمن تتخطاهم عجلة الزمن ،محرومون من رفاهية العيش ....! رحم الله زمانا كان المعلم فيه صاحب الكلمة الأولى أيام كان المعلمون قدوة المجتمع ، ونبراسه الذي يضيء به ، أيام عز الأمة وشخصية المثقف ،أيام كانت موريتانيا في شموخ ،لقد سجل التاريخ الاجتماعي والفني مكانة المعلم حينها حيث يقول أحد الشعراء للفنانة النعمة منت اشويخ :

يَالنّعْمَ فَتْــشُوعِيرْ ** رَيْتِي حَكْ الرَّايَ

وَاجْبَرْتِي سَنْيَاتِيرْ ** مَجْمُوعْ الْكَرّايَ

فكان توقيع المعلم تزكية لا مثلها تزكية ...تزكية للقيم ، للفضيلة ،للجمال ولكافة النظم الاجتماعية .

29. سبتمبر 2014 - 12:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا