للإصلاح كلمة تتعلق بتعطيل الاحد لصالح العمل يوم الجمعة / محمدو ولد البار

لقد ذكرت في الحلقة الماضية ما يتعلق بالحرج الذي سيصيب المواطنين في أطراف الارض الموريتانية، ولا سيما الجنوبية والشرقية من قلة الزمن الذي ترك لهم بعد العمل لأداء هذه الفريضة (الجمعة) التي في الحديث أنه "من تركها ثلاث مرات طبع على قلبه بطابع النفاق"؛

وطابع النفاق يؤدي إلى الدخول إلى أسفل سافلين في النار مع المنافقين، فكما نصت عليه الاية في سورة النساء .
وأولئك العمال الموجودون في الشرق والشمال لم يبق لهم بين عملهم وجمعتهم إلا نصف ساعة، وهم لا يتحكمون في توقيت المساجد والجمعة لا تصلى إلا في المساجد .
فإذا ترك المواطن العامل عمله وذهب إلى الجمعة فقد خان المواطنين، لأن العمل غالبيته العمل لصالحهم، وإذا تمادى في عمله، وترك الجمعة فقد وقع في كارثة النفاق، ويكون ظالما لنفسه، والله يقول: "ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به.. " . فهل الظالم هنا هو السلطة التنفيذية، التي نظرت القضية من الناحية الاقتصادية فقط، وهي المعاملة مع الاوروبيين أصحاب البنوك الربوية الذين لا يرجون لقاء الله، أم الظالم هو المواطن الذي خير ضمنيا بين المحافظة على قوت يومه أو الصلاة، طبقا لأوامر ربه .
كما أني ذكرت في الحلقة السابقة أن بعض الأعمال لا يمكن التخلص من آثاره في ساعتين، لما يلحق صاحبها من تراكم الأوساخ، تارة تكون معدنية، وتارة تكون وبائية إذا لامست غيره غير معقم عنها، وهكذا .
ومع ذلك فجميع من تكلم أو كتب لصالح قرار الحكومة لم يذكر إلا فضل يوم الجمعة وأنه يوم عمل بالنظر إلى فكرة الاسلام عن فضل العمل، وكثرة الأجر فيه، ولكن لم ينتبهوا أن الله قال إذا تزامن وقت العمل ووقت الصلاة "فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"، ولكن "إذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله"، ومع ذلك "واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون"، ومعلوم أن جميع شروط الصلاة مثل الصلاة، لاستحالة أدائها دون شروطها .
فكان على الدولة أن تدرس القضية قبل تنفيذها، وتقوم بحصر كل من يتعامل مع البنوك الاجنبية وهو أقل القليل من المواطنين، وتكون هذه الراحة خاصة بهم، كما يفعلونه في الخامس والعشرين من ديسمبر أحد أعياد المسيحيين .
فالدولة تعلم أن هناك قرارات قيمة نص الدستور أن الحكومة لا تأخذها إلا بعد استشارة الشعب، مثل فرض الطوارئ .. إلى آخره . ولا شك أن إعطاء الفرصة للتغيب عن الجمعة أكثر خطرا من حالة الطوارئ، التي قد تكون (لا قدر الله) في مدينة واحدة من الوطن، وهذه الحادثة الدينية تعم جميع الوطن .
فكل من كان في دينه ليونة فقد وفرت الحكومة له ذريعة بناؤها أوهن من بناء بيت العنكبوت .
والله يقول: "وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" .
وأنتم تعلمون أيها السادة العلماء أن الله ذكر فرح المؤمنين بغلبة الروم للفرس لأنه فيه نتيجة لهم، ولو غير مباشرة، بمعنى أن فرح المؤمنين معتبر عند الله جل جلاله، فكم فرح بهذه العطلة غير المؤمنين القاطنين في موريتانيا، وكم  أزعجت وأغضبت وكدرت صفو كثير من المؤمنين في هذا الوطن .
وأنبه أيضا المكلفين برعاية القيم الاسلامية، وكذلك الأمنيين أن اتفاق عطلة الاحد في موريتانيا والدول المجاورة، ولا سيما المدن الملاصقة للحدود، مثل روصو .. إلى آخر تلك الأماكن، يشكل فرصة كارثية للشباب من الجنسين للقاء كل ليلة ويوم أحد ، وهناك يعيثون فسادا في الأخلاق، ويهلكون الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد .
فعندما قررت الحكومة عطلة الجمعة بدل الأحد في أيام الرئيس محمد خونه ولد هيدالة، (جعل الله جميع ما أصدره من قوانين (وما أكثرها) لصالح الأخلاق الاسلامية في ميزان حسناته "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه)، كان ذلك القرار بمثابة درة عمر رضي الله عنه . فظهور جميع النشطاء الخبثاء من الدولتين المجاورتين، وتوقف جميع العبور في مساء كل ليلة على طول الحدود لغرض أنواع الفساد وبث الامراض الخبيثة، وما يفعل تحت ستار ذلك من فساد يحتاج إلى اليقظة الدائمة الواعية .
هذا عن كثرة ما يترتب على هذه العطلة من الفساد، بتلاقي عطلة النصارى وعطلة المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى فلا شك أن يوم الجمعة يوم خاص بالمسلمين، أي هو يوم عيدهم الاسبوعي، ولا شك أن غالبية المسلمين هم أكثر منا أموالا، وأكثر تعلقا بأموال الغرب، وحركاتها التجارية، ومع ذلك احتفظوا لأنفسهم بهذا اليوم الاسلامي الاسبوعي، فكان حق الدولة أن تكون لها أسوة حسنة بتلك الدول الاسلامية .
وأريد أن أنبه السلطة التنفيذية بفحوى هذا الحديث الصحيح خوفا أن تصيبهم فيه فتنة، فمن المعلوم أن يوم الجمعة هو بمنزلة اليمين في الأيام، بالنسبة لأيام الاسبوع الاخرى، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شخصا يأكل بشماله فقال له: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت ما منعه إلا الكبر،فلم يرفع ذلك الشخص يده إلى فيه بعد ذلك . ونحن نعرف أن الدولة لم يمنعها من التراجع عن عطلة الاحد الكبر، ولكن منعها المحافظة على الاستثمارات وغيرها من النشاط الاقتصادي، ولكن حقوق المسلمين الفقراء في تمكينهم من أداء واجبهم الديني أولى من تمكين الاغنياء من تحقيق أغراضهم الدنيوية .
فنحن نعرف أن السلطة التنفيذية في الدنيا هي صاحبة القرار النهائي الدنيوي، ولكن هذه السلطة هي المنفذ عليها في الاخرة، ونرجو أن لا ينفذ عليها إلا أعمالها في الخير ويتجاوز عن أعمالها في غير ذلك، ومنه هذا القرار .
والله يقول: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" .

3. أكتوبر 2014 - 11:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا