الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد
ففي أيام ولد الطايع تابعت الندوة التي بثتها التلفزة الموريتانية وشارك فيها عدد من العاملين في المجال الاقتصادي ،
و كان الهدف منها إقناع المشاهدين بأهمية إلغاء عطلة الجمعة وإحلال الأحد محلها ، باعتبار أن الساعات الأربع التي هي دوام الجمعة ، سوف تقضي على كل الخسائر التي تكبدها اقتصادنا من عطلة الجمعة وهي ( سبعة عشر مليارا ) بالتمام والكمال كما زعموا .
وخلال الندوة تم اختزال النشاط الحكومي في النشاط المصرفي ، وتم اختزال النشاط المصرفي في النشاط الخارجي ، وركزت الندوة على أهمية العمل في نفس الوقت الذي يعمل فيه الشركاء ، الأمر الذي لايمكن أن يتم إلا إذا تبنينا مقولة الشاعر :
أليسَ الليلُ يجمعُ أمَّ عمرو *** وإيانا فذاكَ لنا تَدانِي
نعمْ وترى الهلالَ كما أراهُ *** ويعلوها النهارُ كما علاني
و إلا فأي شركاء في القارات الخمس ستجمعنا معهم ساعات الجمعة الأربع ؟ شركاء الشرق أو شركاء الغرب ؟شركاء الجنوب أو شركاء الشمال ؟
وقد أفاض المتحدثون في الحديث عن العولمة الاقتصادية ، وعن القرية الكونية الواحدة ، وعن عدم إمكان العزلة في هذا العصر ، وأن للزمن أهميةً كبرى في الحصول على أكبر قدر من الفوائد (الربا )خصوصا أننا مقبلون على ثرواتٍ هائلةً سنستثمرها في البنوك الغربية !!
وأن القمحَ يُمكن أن يرخص يوم الجمعة ، فإذا لم نشتره أمكن أن يغلوَ يوم الاثنين !!
وأن أفضلَ التقارير الاقتصاديةِ تُنشَر على الانترنت يومَ الجمعة ، فإذا عطَّلنا يوم الحمعة جاءت تقاريرنا ناقصة لحرمانها من الاستفادة من تقارير الجمعة الدقيقة !!
وأن الزبون قد يحاول الشراء منا يوم الجمعة فإذا لم يجدنا اتجه إلى غيرنا !!
وأننا بهذا التعديل سنتخذ القرار يوم الجمعة( وليس يوم الخميس ) وننفذه يوم الاثنين !
وأن هذا القرار إيجابي بلا شك !
وقد لاحظ الصحفي ما في هذه الكلمة من ( برودة ) لا تتناسب مع (حرارة ) الحدث فقال بصريح العبارة هل هو إيجابي أو ضرورة اقتصادية ؟
وقد تكررت كلمة ضرورة بعد ذلك في الندوة !!
وطلب الصحفي من المشاركين أن يشرحوا المكاسب و الخسائر , ونبه إلى أن الموضوع اقتصادي يحتاج إلى الدقة والتحديد ( كأنه يقول لهم وضحوا للناس هذه الكارثة الاقتصادية التي كانت ستحل بالبلاد لولا هذا القرار . )
فكان الجواب دائما هو الرقم المحفوظ : سبعة عشر مليارا !!
وقد ذكرني ذلك برقم (ستة ملايين ) الذي يصر الصهاينة على أنه هو عدد ضحايا النازية من اليهود ولا يسمح لأي مؤرخ أو باحث أن يغير هذا الرقم !!
أما كيف تم التوصلُ إلى هذا الرقمِ فهو السؤال الذي لم يقدِّم الاقتصاديون جوابا عنه في ندوتهم !!
أما كيف ستعوِّض ساعاتُ الجمعة الأربع الدوامَ الكاملَ يوم الأحد ؟وكيف سيتم في هذه الساعات الأربع مراجعةُ التقارير الاقتصادية الدولية ، وإعدادُ التقارير على ضوء ذلك ، واتخاذُ القرارات بناء على ذلك ؟
والأهم من ذلك كيف سيتم التعاملُ مع الشركاء ، وإجراءُ الصفقات ، وشراءُ القمح الرخيص يوم الجمعة ( في ساعات الجمعة الأربع ) فأمر لم يتم التطرقُ إليه في ندوة الاقتصاديين .
الحصيلة التي خرجت بها هي أن إخواننا الاقتصاديين ، لم يكن في جعبتهم ما يسعفون به الحكومة في معركتها التي تخوضها ضد يوم الجمعة لصالح العطلة اليهودية النصرانية وأخير ا لقد أحسن الأستاذ الخليل النحوي عندما قال في كتابه المتميز(إفريقيا المسلمة الهوية الضائعة) الذي صدر قبل عشرين سنة عن دار الغرب الإسلامي : " وليس غير التبعية من منطق يفسر بعض التقاليد الرسمية السائدة مثل تعطيل يوم الأحد وتأريخ الأحداث بالتقويم الميلادي . إن الأوروبيين –رغم علمانيتهم -قرروا أن يعطلوا الأحد ليتيحوا للموظفين المتدينين فرصة التوجه إلى الكنيسة ، وعطلوا السبت كذلك ، وفيه يفرغ اليهود لعبادتهم.. ورغم الدعوات التي ارتفعت لتغيير التقويم بعد الثورة الفرنسية ، فإنهم تمسكوا بتقويم غريغوري ، مؤكدين بذلك أنهم – وعلى علمانيتهم –يعتبرون مولد المسيح عيسى عليه السلام أهم حدث في تاريخهم . وهو أولى –حتى من الثورة الفرنسية عند الفرنسيين –بأن يكون المحطة الخالدة التي يقاس الزمن وتؤرخ الأحداث انطلاقا منها .
إنهم يفعلون ذلك التزاما – ولو رمزيا – بديانتهم فلماذا نفعله نحن ؟ ألأن شعوبنا تدين بدينهم ؟ طبعا، لا ..ولكنها التبعية والاستلاب .
وليس التبرير الاقتصادي للتمسك بتعطيل الأحد إلا تعليلا واهيا كشفت التجربة ضغفه ، فهل تضررت اقتصاديات الدول الإسلامية التي تعطل يوم الجمعة أو انقطع اتصالها بالمؤسسات الغربية ، أم أن الدول التي تمسكت بتعطيل يوم الأحد أوفر حظا من النمو الاقتصادي بالمقارنة مع مثيلاتها من الدول التي تعطل يوم الجمعة ؟ "
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .