بعد أقل من أسبوع تحل الذكرى الثانية لحادثة إصابة الرئيس الموريتاني بطلق ناري في الثالث عشر من اكتوبر 2012،ورغم مرور عامين على الحادثة، وظهور ولد عبد العزيز بكامل لياقته البدنية في أكثر من مناسبة، وخصوصا خلال الحملة الرئاسية الأخيرة إلا أن البعض لا يزال يعيد إلى الذاكرة
تلك الحادثة كلما غاب، أو تغيب ولد عبد العزيز عن المشهد لأي سبب كان.
غدا يحل عيد الأضحى المبارك، وهي مناسبة اعتاد الموريتانيون أن يشاهدوا رئيس الجمهورية فيها يتقدم صفوف المصلين بساحة جامع ابن عباس وسط العاصمة، ومجرد غياب ولد عبد العزيز جعل البعض يستعيد شهية التكهنات، والتخمينات، وعادت المصادر الخاصة، والسرية، والموثوقة...لتزود بعد المواقع الإلكترونية بمعلومات تفصيلية عن صحة الرئيس، بالرغم من أنه لا الرئيس، ولا المصادر الرسمية نشرت شيئا عن الموضوع.
يتميز ولد عبد العزيز بصراحة كبيرة، وشفافية يشهد له بها الكثيرون، على الأقل فيما يخص وضعه الصحي، فالرجل شرح في أكثر من مناسبة تفاصيل ما تعرض له خلال الإصابة، وأثناء العلاج، مؤكدا بنفسه أنه أجرى أربع عمليات جراحية، وفقد أكثر من 20 كلغ من وزنه، وأمضى أكثر من شهر بدون غذاء، ويتغذى فقط بالحقن... تفاصيل لم تكن على ما يبدو كافية للبعض، وأمضى يسبح في خيال الفرضيات بخصوص صحة الرئيس، متنقلا بذهنه من سيناريو سيء، إلى ما هو أسوأ منه، ولم يأل البعض جهدا في تأكيد مرض ولد عبد العزيز، وعجزه البدني، ولجأ آخرون إلى اليمين، والحلف لإثبات ذلك بعدما لم تسعفهم المعطيات الطبية.
خلال زيارة ولد عبد العزيز الأخيرة إلى أمريكا قبل نحو أسبوعين أكدت بعض المصادر الصحفية أن الرئيس سينتقل من نيويورك إلى واشنطن لمقابلة طبيب متخصص بعد خطابه في نيويورك وبينما كنا ننتظر نتائج زيارة الرئيس لواشنطن فوجئنا به يصل مطار انواكشوط بكامل صحته.
أنا شخصيا حضرت معظم مهرجانات ولد عبد العزيز خلال الحملة الرئاسية الأخيرة، من افتتاحها في كيهيدي، وحتى اختتامها في حي "ملح" بتوجنين وبينما كان الجميع يصبون اهتمامهم على مضامين خطابات الرئيس، ومواقفه السياسية، وبرنامجه الانتخابي، كان اهتمامي منصبا بالدرجة الأولى على اللياقة البدنية للرئيس، ومدى تحمله للعناء، وأبحث بدقة عن أي مؤشر في هذا الجانب.
كان ولد عبد العزيز يخطب في كل مهرجان بمعدل ساعتين لكل خطاب على الأقل، ساعتين يمضيها الرجل واقفا، دون استراحة، يتكلم بكل تركيز، وكنت أشاهد علامات الإعياء، والإرهاق على بعض مرافقيه، ثم ينتقل ولد عبد العزيز بعد المهرجانات إلى مقر إقامته ويبدأ في استقبال الأطر، والسياسيين حتى ساعات متأخرة من صباح اليوم الموالي، ليبدأ رحلة نحو الولاية الموالية، وهكذا استمر على هذا البرنامج مدة أسبوعين.
آخر مرة اقتربت فيها من رئيس الجمهورية كانت في اليوم الموالي لتنصيبه لمأمورية ثانية، يوم الأحد 3 أغشت، خلال تدشينه لتوسعة ميناء انواكشوط المستقل، وحينها أمضى ولد عبد العزيز نحو ساعتين، واقفا،أو ماشيا على قدميه، وبعد تفقده للصور، واللوحات البيانية لتوسعة الميناء، حرص ولد عبد العزيز على المشي سيرا على الأقدام ليقطع طول الرصيف البالغ أكثر من 600 مترا ذهابا، وإيابا، نحو 2 كلم رفقة الوزيرين الأولين، مولاي ولد محمد لغظف حينها، ويحي ولد حدمين حاليا، وأعضاء الحكومة.
ورغم كل هذه المؤشرات الواضحة على لياقة الرئيس البدنية، وتماثله للشفاء، ورغم صراحة الرجل في كشف وضعه الصحي للجميع، إلا أن هواجس البعض لا زالت قائمة، هواجس يقول أصحابها إنهم يخشون على صحة الوطن، من عدم صحة الرئيس، ونسي هؤلاء، أو تناسوا وجود بلدان كبيرة، بحجم قارة، تفوق موريتانيا من حيث السكان، والاقتصاد، ومع ذلك تدار من قبل عجزة عجائز، بعضهم على كرسي متحرك، وبعضهم على فراش الموت، لا يقوى حتى على الجلوس على كرسي، وأعمارهم تجاوزت 90 سنة، أو قاربتها، وبعضهم دخل في غيبوبة، أو موت سريري، ومع ذلك لم يطالب سياسيون في تلك الدول برحيلهم، ولم يحلف أحدهم يمينا " مغلظا" أو يمين " افنيده" لإثبات مرضهم، وجزهم، فهل نحن أكثر وطنية من الآخرين، وأشد حرصا من شعوب العالم على الوطن !!.
إن حادثة إصابة الرئيس قبل سنتين كشفت عن نمط جديد من الاستخفاف بعقول الشعب من قبل بعض ممتهني السياسة، فبعضهم يؤكد بدون دليل، و " يحلف،ويزحلف" وعندما يثبت خطؤه – حتى لا أقول كذبه – لا يكلف نفسه عناء الاعتذار للشعب عن التسرع، أو تأكيد أمر كاذب، هذا إذا التمسنا له مخرجا في عدم دفع كفارة اليمين.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يعتبر من متوسطي السياسيين عمرا، فأبرز المتسيسين في هذا البلد أكبر منه سنا، وبعضهم يعاصره، ومع ذلك فإن كل المؤشرات تؤكد أنه لو أجري كشف طبي لزعماء السياسة عندنا لظهر أغلبهم في وضعية صحية أسوأ بكثير من ولد عبد العزيز، بل قد تظهر أمراض ببعضهم لم يكن يعرفها الشعب، قد تفوق خطورتها خطورة رصاصة اطويله الطائشة.
إن محاولة استغلال الظروف الصحية للخصم لتحقيق مكسب سياسي هو فضلا عن كونه دليلا على عجز صاحبه، وهوان حجته أمر مخالف لروح الإسلام، وطبيعة النفس الكريمة، فقواعد اللعبة الشريفة تقتضي المنافسة في حالة الصحة، والتعاطف في حالة المرض.
صحيح أن رموز المعارضة جمدت عملها المعارض خلال فترة علاج ولد عبد العزيز بعيد إصابته، وهو قرار امتدحه الجميع، لكن معاودة بعض المنابر الإعلامية المحسوبة على جهات معارضة إثارة الموضوع من جديد، وطرح الأسئلة عن صحة الرئيس يعتبر أمرا غير وارد، ولا مبرر بالمرة، فالفحوص، وحتى العمليات الجراحية باتت أمرا روتينيا يجريه الناس وليست مسألة " أكبر من كدها".
إن بعض معارضي ولد عبد العزيز يقعون في تناقض فاضح، فهم يطالبونه بمنحهم الحق في كل شيء.. الحق في التظاهر، والحق في الاعتصام، والاقتحام، والحق في مطالبته بالرحيل، ومع ذلك يسلبون ولد عبد العزيز حقه حتى في المرض !
إن ولد عبد العزيز في نهاية المطاف هو مجرد موظف، له الحق في الإجازة، وله الحق في أن يختار أين يقضي عطلة العيد، وله كامل الحق في أن يصلي العيد في ساحة ابن عباس، أو أي مكان آخرا من أرض الله الواسعة، التي جعلها الله مسجدا وطهورا، وليس لأحد الحق في استغلال ذلك سياسيا، أو إعلاميا.
إن طرح موضوع صحة الرئيس ومرضه، أو غيابه وحضوره من جديد يدل على أن البعض يحاول أن يحقق مكاسب سياسية عن طريق إقناع الشعب بمرض الرئيس، وعجزه، بعد فشله في إقناع الناس بقوة برنامجه، وصحة سياسته، ومعلوم أن إثبات فشل الآخرين وعجزهم، أسهل بكثير من إثبات النجاح الشخصي.
ويبقى السؤال مطروحا... أيهما مريض: الرئيس، أم بعض معارضيه ؟ وأيهما أخطر على الوطن: المرض البدني، أم مرض السياسات، والبرامج، والمخططات ؟. ومتى ستنجح مؤشرات صحة الرئيس في تبديد هواجس البعض ؟