تقول المقولة السياسية الشهيرة إنه لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة، وتقول قوانين الحرب أيضا إن عدو عدوك صديق.. ربما هذا ما ينطبق على بعض المواقع الإلكترونية المحسوبة على التيار الإسلامي في موريتانيا.
فبعد أن كان اعل ولد محمد فال العدو اللدود للتيار الإسلامي، وحاربه طوال فترته في إدارة الأمن،ويقال إنه عندما كان رئيسا للبلاد بعيد الإطاحة بولد الطايع عارض بشدة ترخيص حزب سياسي ذي خلفية إسلامية، أو ما عرف لاحقا بحزب تواصل، كما يتهم ولد محمد فال بفبركة تقارير استخبارية عن رموز التيار الإسلامي إبان توليه رئاسة جهاز الشرطة على مدى عشرين سنة.
ورغم ما يشاع على نطاق واسع من علاقة وطيدة تربط اعل ولد محمد فال بمنظمات يهودية، رغم كل ذلك إلا أن منابر إعلامية تابعة لحزب تواصل تطالعنا مذ فترة باستشهادات من كلام، وبيانات اعل ولد محمد فال، كدليل على صحة ما تذهب إليه تلك المنابر من استنتاجات، ومواقف، فكيف تحل اعل ولد محمد فال بين عشية وضحاها من عدو لدود للتتيار الإسلامي، وصديق لليهود إلى " ملهم" للتيار الإسلامي، وحكيم يستشهد بكلامه ؟!!
ما الذي تغير من معطيات حتى يتجاوز التيار الإسلامي الماضي المرير مع ولد محمد فال بجرة قلم ؟ أهو معارضة ولد عبد العزيز التي تجب ما قبلها بنظر هؤلاء؟ أم أن إسلاميي موريتانيا يتعاملون مع اعل ولد محمد فال كورقة سياسية، يستخدمونها لتحقيق مكاسب ظرفية، ثم يرمونها في الزبالة ؟ أم أن إسلاميينا – كما يحلو لهم أن يوصفوا- مستعدون للتحالف حتى مع الشيطان ضد ولد عبد العزيز ؟!
إن المتابع لمنابر الإسلاميين الإعلامية يشعر فعلا أن المصلحة السياسية هدف يبرر أي وسيلة بالنسبة لهؤلاء، حتى لو كانت الوسيلة خداع الشعب، والعبث بذاكرته، بعد أن تم العبث بأمنه، وثوابته الوطنية، فمواقع هؤلاء، ومنابرهم تتتبع بدقة متناهية تاريخ وزراء ولد عبد العزيز، من لحظة الابتدائية، ومراحل الدراسة الأخرى، وتحاول أن تستغل تلك المعلومات الشخصية ضد هؤلاء، وتربطها بحاضرهم اليوم، ومع ذلك تتجاهل تلك المنابر تاريخ ولد محمد فال الذي مازال ماثلا في أذهان الجميع، وتحوله فجأة، وبقدرة قادر إلى بطل وطني، وحكيم موريتانيا، وملهم سياستها، بل و" عراف" يتنبأ بما سيحصل في قابل الأيام!!!
فهل هي البراكماتية في أبهى صورها، أم هي الانتهازية، واللعب بمختلف الأوراق؟، وإلا فكيف نفهم إعجاب تلك المنابر الإعلامية بكلام اعل ولد محمد فال، إعجاب يفوق أحيانا – ظاهريا على الأقل – الإعجاب بكلام جميل منصور.
رغم أن اعل ولد محمد فال لا يرأس أي حزب سياسي، وتردد كثيرا في الانضمام لأطر المعارضة، ورغم أن ولد محمد فال حصل على نسبة مهينة من تصويت الشعب في انتخابات 2009 إلا أن الرجل بنظر منابر إعلامية معارضة للنظام بات زعيما سياسيا لا يستهان به، عندما يهدد يأخذون ذلك على محمل الجد، وعندما يصرح فهو المصدق على دعواه بدون دليل، وإذا نصح فهو الحكيم، والمحنك، الذي لا ينطق عن فراغ.. هكذا تصور هذه المنابر الإعلامية اعل ولد محمد فال هذه الأيام، وكأنها تحاول تأهيل الرجل من جديد، وتقديمه للشعب في نسخة جديدة، تحظى بتزكية الإسلاميين هذه المرة، ولأسباب ربما يجهلها ولد محمد فال نفسه.
خلال مقابلة له مؤخرا مع جريدة الشروق المصرية قال اعل ولد محمد فال إنه لو عاد به الزمن إلى الوراء لمنح الإسلاميين في موريتانيا ترخيصا لحزب سياسي، وأكد ولد محمد فال في تلك المقابلة أن الإسلاميين اليوم يمثلون قطاعا مهما في موريتانيا، والعالم العربي.
هو إذا غزل متبادل بين ولد محمد فال، والإسلاميين، بعد مرحلة طويلة من الجفاء، والعداء، وربما يحسب لولد عبد العزيز أنه نجح في منح كل من ولد محمد فال، والإسلاميين فرصة اكتشاف الآخر، وطي صفحة الماضي، لكن السؤال الحائر يبقى مطروحا بإلحاح: أهو توافق استراتيجي بين الطرفين، أم مجرد " زواج متعة" يحقق مصلحة ظرفية للطرفين، سرعانما ينتهي؟ بطلاق بائن