إجابة على سؤال النائب الوطني محمد غلام / حمزه ولد محفوظ المبارك

من المهم جدا أن ينطلق أي كاتب لأية رؤى أو أحداث من ثوابت تكون على الأقل مرجعية بالنسبة له في تقييم تلك الأحداث و الرؤى , و من الأهمية بمكان أن يكون على بيِّنَةِِ من أمره فيما يتعلق بمحيطه المتناغم أو الذي من المفروض أن يتناغم مع ما تجوده به مخيلته من تصورات و أطروحات و هواجس

 و أن لا يغفل أن القاريء ليس بالضرورة جنديا في سربه المأمور بل قد يكون شرطي مرور أو حراسة في منظومة تقيم للقوانين وزنا يتجاوز مؤازرة السرب لقائده المغمور .

من الصعب جدا أن يفلت مُدان بالجريمة إذا كانت آثار الجريمة ماثلة للعيان أحرى أن يكون متلبسا يتباهى و يتصنع من التباهي ما به يزول الإلتباس .....!

سؤالك سيدي النائب الوطني الذي ختمت به نشر كلامك يختزل المسافة الزمنية بل و الفكرية بين المدخل و التوقيع ! و قد جاء على شكل لقطة حركية المبنى مرتبكة المغزى كما يلي : ( السؤال المطروح علينا كنخبة و مجتمع هو هل يجوزلنا أن ندخل جحر الضب الذي تاهت فيه تلك الشعوب قبلنا لنعيد تجربة الخنوع عقودا ننتظر بأجيالنا اللاحقة سكين سلاخ يعمل فينا مديته بعد التمكن كأننا شاة عيد ؟! ) .....

سيدي النائب الوطني , هذا السؤال يحتاج للقطات تاريخية من حركة الفعل السياسي الهجين هجونة السلالات التي ذكرتم في معرض الحديت عن الحكام و مزاوجة الفعل السلطوي بسطوة سحر الحكم الذي ذكرتم مؤمنين في مقالكم أنها تسلب العقول و تأسر القلوب و كأن شيئا من التوطؤ الباطني قد طغى على ظاهر القول , و أخذ بعدا تبريريا أكثر من كونه ممارسة لجلد الفعل ذاته , و ليس ذلك بالأمر الغريب , فكل الفعاليات الجماهيرية التي حرضتم خلالها بالأمس و تحرضون عليها اليوم أثبتت أن الفعل العمودي في بيئة متجانسة الثقافة و الأدبيات لا يستقيم تماما كما لا تستقيم عقدة التنافر المطلق المنسلخة من أدبيات الوقائع العلمية التي تؤازر تقارب المستويات و تشابه التخطيط و التدبير بين أفراد البيئة الواحدة .

سيدي النائب الوطني , لا يوجد شيء إسمه القطيعة بين المحيط و واقع الفعل البشري , إلا في كتب الفكر الهمجي التي لا تعترف بالمتشابه أحرى أن تقبل الإختلاف !

لقد بالغتم و لا أظنكم إلا عن قصد فعلتم في كيل المديح للمجلس العسكري الذي انقلب على ولد الطايع و انخرط رئيسه معكم بعد ذلك في منسقية خذلها حزبكم و خان ميثاقها و هرول للإرتماء في حضن النظام الذي تلعونه اليوم  وأنتم جزء منه تشرعون له القوانين و الصفقات و العقود و تستظلون بظله و تأكلون من خراجه , و كأنكم تعمدتم أن تمدحوا مدير الأمن الأسبق (اعلي ولد محمد فال) بعد سنوات من السب و الشتم و اللعن ......!!!

لكن لا عليكم سيادة النائب ففي حقبة الرئيس المجلوب لسدة الحكم (ولد الشيخ عبد الله ) بالفعل كان منا وزراء قد يشفعون لمدير الأمن عند الرئيس المخلوع , رغم أن من خلعه هو ذلته الذي جاء بالمدير و الرئيس المخلوع ذاته في مسرحية أبطالها قبضوا أجورهم من خيرات هذا الشعب الفقير المسالم و ما كنتم يوما في حل من نهب تلك الخيرات أبدا .

أما في معرض حديثكم المدجج بالإقتباسات من أقوال "طغاة العرب " فقد وجدتكم سيدي النائب تدينون أنفسكم و تسفهون أحلامكم و تلعنون مواقفكم التاريخية , حيث كنتم و جزبكم من أشد الحريصين على الصلاة وراء إمام إفريقية و من أسرعهم أيادي مدت لما بين يديه و أعناق اشرأبت و تطلعت إليه , و ما سورية بالإستثناء مما عقدتم من مواثيق بين حاكمها و أطماعكم , دون الإسهاب في الحديث مرورا بمصر التي أطاح وزير دفاع رئسيها النتخب بأول رئيس جاءت به ثورة البوعزيزي التي فتنتكم و كادت تخرج البلاد بكم من سكينتها و أمنها إلى حفرة من النار و الدماء ( سراب بقيعة ) .

سيدي النائب الوطني : قد نتفهم صولتكم على  "بن علي " و خطابه و قد نذهب معكم بعيدا في مباركة رحيله دون قطرة دم , لكن من المستحيل أن ننكر أنه ترك تونس ذات مكانة علمية مرموقة , هي اليوم في خطر داهم لمستقبل مظلم حالك مهما تغافل عنه البعض , اما عن اليمن سيدي الكريم , فالخريطة التي رسمتها ثورة البوعزيزي واضحة المعالم اليوم , و لاشك أنكم ضالعون في كل تلك الأحداث المريرة و ذلك المجهول الرهيب , لأنكم كنتم أول المزمرين المصفقين و المؤازرين للسواطير و البنادق التي قتلت القذافي بدم بارد و أزهقت أرواح الأبرياء من الشعوب و فجرت  "البوطي " و "علي عبد الله صالح " في المسجد و أثناء الصلاة , و لن يفوتني هنا تذكيركم بعبارة سيحاسبكم عليها القاريء غير المعتل حين قلتم : ( و هو محروق قد بدل جلده ) !!!

سيدي النائب الوطني , الوطن اليوم , و بل و الأمة جمعاء ليست بحاجة لواعظ عبر إلى البرلمان على ظهور الضعفاء الفقراء ونقض العهود و المواثيق , ليس بحاجة لمحرض يقبض أجره من دماء البسطاء , ليس بحاجة لإستعراض همجية الإنفصام بين القول و العمل , و لا إلى التباكي على مسرح صنعه من أوجاع المحرومين و آهات اليتامى و المعوزين....

الوطن بل و الأمة جمعاء , تحتاج لمن يجمع شملها و يبارك جمعها , و يعبر بخطابها لجج الفهم السقيم إلى بر الرحمة و الصدق و العفة و الترفع عن سفاسف الأمور , تحتاج لمن يجبر كسرها , يحمل هم صلاحها و أمنها و سلامها , يعيد لخطابها عنفوان سماحة الإسلام , حكمة و موعظة حسنة  ,بها يرهب ضالها و يرغبه في الخير و يرحم ضعيفها من جبروت الزلل و الإنحدار ...

ألا أيها النائب الوطني عليك أن تعلم بأن المركب واحد و الثقافة متقاربة و العقلية هي نفسها , فقط وحدها الدكاكين متعددة , فلا تسرف في القول , و اعلم أنكم تسيرون في وضح النهار لا في ظلمة يخفى فيها من الأمر شيء !!!

10. أكتوبر 2014 - 23:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا