قبل عامين أصيب رئيس الجمهورية برصاصة صديقة- حسب الرواية الرسمية- في ضواحي العاصمة نواكشوط، مما استدعى نقله إلى فرنسا للعلاج في رحلة استشفائية استغرقت 40 يوما، أحيطت بسرية تامة.
تزامنت إصابة الرئيس مع بلوغ حراك المعارضة السياسية ذروته، من خلال المسيرات والمهرجانات الأسبوعية،
وهو الحراك الذي كان ينادي برحيل النظام، تناغما مع المشهد الدامي أنذاك في ليبيا وتونس وسوريا ومصر واليمن مع فارق في الوسائل والشخوص أيضا.
توقع كثيرون أن تستفيد المعارضة من غياب الرئيس، وتعمل على تحريض الجيش على الانقلاب على ولد عبد العزيز أو إقناع المجلس الدستوري بإعلان شغور المنصب الأعلى في البلاد.
خلال فترة الغياب هذه هاجت الساحة بالمسيرات، وماجت بالدعايات الإعلامية، التي يتردد صداها في مهرجانات المنسقية أسبوعيا، وتوهم كثيرون أن ساعة الرحيل قد أزفت، وصدقوا هذا الوهم الذي اصطنعوه، حتى أن رئيس حزب "تواصل" أقسم في مهرجان شعبي بملعب العاصمة على عجز الرئيس عن مزاولة مهامه، وهو القسم الذي أشفع بتصريح لمحمد غلام ولد الحاج الشيخ نفس اليوم يهدد فيه من تخلفوا عن "ركب التغيير" أنه لا مكان لهم في موريتانيا ما بعد "الثورة" مؤكدا أن من سيحاولون اللحاق بالركب في اللحظات الأخيرة لن يجدوا من يرحب بهم.
وتذهب بعض الروايات إلى القول بأن قادة بارزين في التيار الإسلامي طلبوا مقابلة قائد الأركان الجنرال ولد الغزواني، وبعد إلحاح من طرف ثالث تم اللقاء، ليفاجأ ولد الغزواني بضمانات يعرضها ضيوفه تتعلق بمصيره في مرحلة ما بعد عزيز..
كان قسم الرئيس جميل وتصريح نائبه غلام جزءا من الحملة الدعائية التي يتقن الإخوان صناعتها، فلم تكن لدى الرجلين معلومة واحدة عن صحة ولد عبد العزيز، وتردد لاحقا أن الرئيس السابق اعل ولد محمد فال كان مصدر المعلومات المغلوطة التي بنى عليها حزبا "تواصل" واتحاد قوى التقدم" أوهامهما في رحيل النظام، فيما كان حزب "التكتل" أكثر أعضاء المنسقية "تعقلا" في تعاطيه مع الموضوع.
في الوجه الآخر من الصورة، اتسمت مواقف الأغلبية بنوع من الارتباك، وهذا أمر طبيعي فقد اعتادت هذه الأحزاب أن تكون مواقفها لاحقة على الموقف الرسمي، إما دعما لهذا الموقف أو تبريرا له.
ولأن الحكومة التزمت الصمت، وكذلك الرئيس الذي لا يلزمه القانون بالكشف عن ملفه الصحي، فلم يصدر عن الأغلبية أي موقف.
وحدهم قادة المؤسسة العسكرية والوزير الأول- إلى حد ما - كانوا على اطلاع دقيق بوضع رئيس الجمهورية، وعلى تواصل يومي معه خاصة بعد أسبوعه الثاني في المستشفى الفرنسي.
بالنسبة للرأي العام الوطني – في أغلبه- فإن الرواية الرسمية للحادث تفرض نفسها في ظل غياب أي دليل يدعم الروايات الأخرى- وما أكثرها- فالحكومة أحضرت الضابط الذي أطلق الرصاص، وعاينت مكان الحادثة، فيما عجز رواة القصص الأخرى عن الإدلاء بمعلومة واحدة يمكن الاستئناس بها.
عامان مرا على الحادثة التي شغلت الرأي العام الوطني، وما تزال تفاصليها الدقيقة طي الكتمان، رغم ما نشر عنها من مقالات وتحليلات ومقابلات.. لكن الثابت الوحيد أن رصاصة 13 اكتوبر كشفت عن مستوى من الضحالة في تفكير بعض الساسة، وأسقطت مشاريع سياسية بنيت الأماني والأحلام، بدل البرامج والرؤى الاستيراتيجية الواضحة.