انواذيبو يختنق / عبد الفتاح ولد اعبيدن

في خطابه الدعائي  في انواذيبو برئاسيات 2009، وعد المرشح احمد ولد داداه أن يجعل من انواذيبو موقعا سياحيا واقتصاديا يضاهي دبي الإماراتية ،وقال بأن انواذيبو يتمتع بالعوامل المساعدة على تحويل هذا الأمل إلى واقع ملموس خلال فترة غير طويلة ،واليوم يحشد ولد عبد العزيز نفس الجهد 

الدعائي ، وليس العملي طبعا ،  لجعل انواذيبو منطقة حرة ، بينما يتندر بعض سكان انواذيبو ، ويقولون أنها " حارة " بدل حرة .
وبعد منع السيارات القديمة الصنع ، والتي يزيد عمرها على ثماني سنوات بالنسبة للسيارات العادية ، وعشر سنوات بالنسبة للشاحنات ، أصبح انواذيبو تحت الحصار عمليا وفي غرفة الإنعاش ،و أي شاب متهور يجرؤ على اختطاف سيارته من الحدود ويتعمد إدخالها بالطرق الملتوية يحال إلى السجن ، إلى السجن فحسب دو رحمة ، خصوصا إذا كان من أسرة فقيرة ، عديمة الجاه والنفوذ .
إذن انواذيبو يختنق ودخل في غرفة الإنعاش عسى أن يتوفر له بعض الهواء ، عبر التنفس الاصطناعي .
ولذلك تقرر على الفور قطع التوقيف البحري ، والرجوع إلى إذن مفتوح للصيد ، وربما طلبا لبعض النشاط ، محاولة يائسة لرفع ركود شامل ، كاد أن يعصف بما بقي من بهاء عاصمتنا الاقتصادية ، التي يسمع أنينها من بعيد ، وهي تشكو شعارات السياسيين ووعودهم الزائفة ، سواء سقطوا في الامتحان الانتخابي المزور العسير ،أم حكموا على وقع الخديعة والتخدير بالأماني .
ولعل عزيز ما علم على وجه يقين ، أن الأماني رؤوس أموال المفاليس .
انواذيبو ليس ازويرات ، فهو لا يعتمد كثيرا ولا قليلا على اسنيم .
وإنما انواذيبو أساسا البحر ، وفي وقت متأخر أصبحت حركة الحدود وحيويتها النسبية مصدرا مهما ، من مصادر تنفسه .
وبعد وضع القفل الجمركي ، ما بين ثماني وعشر سنوات كحد أقصى للسيارات والشاحنات المستعملة ، على التوالي ، أصبح انواذيبو فعلا في حالة اختناق ملموس ، أدى عمليا إلى تباطئ ملحوظ في النشاط والتبادل التجاري والمنفعي .
فهل الأمر تمهيد لحضور تمثيليات أجنبية لموديلات سيارات  جديدة  الصنع ، لإنعاش وهم المنطقة الحرة ، وربما قد اشترط المستثمرون المعنيون إغلاق الطريق على السيارات المستعملة ، وبهذه الطريقة الحرجة .
أم الهدف سياسي لتضيق الخناق على شق العلاقات الاقتصادية بين الجارين، موريتانيا والمغرب على وجه الخصوص، أم هذا وذاك وغيره من الاحتمالات والتفسيرات المتعسفة أو المنطقية.
أم عفوا ربما الأمر عائد إلى أن  بعض المسؤولين الكبار زاروا مثلي بيروت ، التي نجحت في تنقية أجوائها البيئية – ولو نسبيا - عن طريق منع المازوت ، والسماح فحسب بسيارات البنزين الخفيف الأثر على البيئة ، " أسانس" .
وربما يحاول عزيز استرجاع البيئة النقية ، المتهالكة عندنا إلى اغرب الحدود ، نظرا لكثرة سيارات "الكازوال " والخربة الماكينات غالبا ، فجاءت هذه الخطوة للحد من مخاطر السيارات المتهالكة ، المتزايدة إلى حد خيالي .
أقول ربما طبقت هذه الخطوة لأجل البيئة ومصلحة السكان ، سواء في انواذيبو أو غيرها، ولو كان للخطوة الجمركية الصعبة مخاطر حقيقية جمة ، اقتصادية ومعيشية ، على أغلب السكان ، الذين ربما يفضلون تكدير صفو البيئة بدل اغتيال الحياة فجأة ، دون تدرج وشرح، وتمهيد كاف منطقي ايجابي .
لقد كان التطبيق الحرفي قاسيا وثقيلا فعلا، مهما تحدثنا عن بعض الإيجابيات المهمة.
أشفق على وطني عموما ، وعلى انواذيبو خصوصا ، فضمن هذا المنكب الساحلي اللطيف البارد الأصيل ، قدمت جدتي المباشرة لأم رحمها الله من مدينة اسمارة التاريخية ، بجوار اكليميم بالمنطقة الصحراوية ، محل التنازع المزمن بين المغرب و السكان الأصليين الصحراويين .
وفي انواذيبو كان ارتباط أبي الأول وإنجابه من أسرة أولاد ادليم العريقة ، ذات الشأن التقليدي الراسخ بداخلت انواذيبو ، وكان ذلك  بالخمسينات من القرن المنصرم مع قدوم احد أخوالي المباشرين ، وارتباطه كذلك مع نفس الأسرة المذكورة ، والذي ترك أثرا اجتماعيا واقتصاديا ايجابيا في المنطقة ، تجسد بعض أثره الدعوي والديني بتشييد نجل الخال المذكور لأحد ابرز جوامع انواذيبو الجديدة ، جامع أبي بكر الصديق ، الذي أسسه وينفق عليه محمد ولد محمد الحسن ولد العتيق حفظه الله وتقبل منه .
فكان بيني وهذه المدينة الوديعة المباركة نسبا وقرابة وصهرا،  يشدني للإشفاق بعاطفة صادقة ، لا تحتاج إلى مبالغات  الموضوعية ،للتبرير والتصنع الزائد .
فانواذيبو جزء منا  ونحن عموما جزء منه ، فهو عاصمتنا الاقتصادية الغالية ،  وما يحق لنا أن يختنق وتضيق أحواله ، وتظل أقلامنا – بحجة عطلة أسبوع عابر في هذه الأرض المريحة – دون حراك أو ردة فعل  مشروعة متوازنة بإذن الله .
فمع أهمية المنشط البحري ، إلا أن المنفذ البري الحدودي مع المغرب ، شكل منذ أزيد من عشر سنوات بوجه خاص ، رافدا قويا للاقتصاد الوطني عموما وانواذيبو خصوصا ،  لكن إجراء القفل الجمركي غير المدروس وغير المتدرج على رأي البعض ، مثل ضربة موجعة لعاصمتنا الاقتصادية وحركة تجارة السيارات  في عموم الوطن المأزوم .
لا حاجة للمراوغة، فلابد من مراجعة الخطوة الجمركية المثيرة، وتحري الصدق والتجرد في حسابي وتقييم سلبياتها وإيجابياتها، ودون إفراط أو تفريط.
فإن رجحت المكاسب فلنصبر على المساوئ، وإلا فالأولى الرجوع إلى الحق والمصلحة.
فالحق أحق أن يتبع، وأينما وجدت المصلحة فثم شرع الله.
إن اختناق انواذيبو مقدمة لتوتر وركود اقتصادي شامل ، قد يتجاوز تضرر البعض إلى سقوط ما تبقى من الدولة ، لا قدر الله .
فلا تتساهلوا في أهمية المكاشفة والمصارحة، دون تردد، من أجل الاستقرار الهش ، أو النسبي على الأقل .
اسنيم سيست إلى حد القرف ، ومشروع المستشفى ، التابع لخيريتها ، في طور التوقف والركود ، من حيث أعمال الإنشاء .
فان لم تكن أصابته سياسة اسنيم التقشفية الحالية ، فلماذا هذا التوقف السلبي .
وقطاع الصيد يعيش أزمة تاريخية ، لم يكن تكدس الإخطبوط إلا أحد مؤشراتها القوية ، وقد شرع في بيعه وتصديره وسط أزمة التدني في الأسعار لصالح المشتري الياباني على وجه الخصوص ، الذي خرب سوق السمك الموريتاني بالرشاوى وكثرة العيون والعملاء ،والذين يعملون فحسب لجيوبهم ضد المصلحة العليا للوطن وثروته البحرية المهددة بامتياز في الوقت الراهن ، وخصوصا من وجه تدني الأسعار والاختراق .
أزمة متعددة الأوجه تستحق المزيد من الفحص والتأمل العميق.
وانواذيبو باختصار يختنق ، وأما قصة المنطقة الحرة ، فهي حتى الآن ، على الأرجح ، بعض " قصص جدتي " للإلهاء فحسب ، قصد النوم عما يعيش انواذيبو فعلا ، من حالة اختناق مؤلم مخيف ، وربما يكون اختناق انواذيبو ، مجرد مقدمة لتفكك الوطن تدريجيا ولو معنويا ، وتوجه المناطق الشمالية للوطن يوما ما ، لطلب الامركزية في تسيير شؤونها ، إن لم تطالب يوما بالتحرر من الدولة الفاشلة ، بمنحها الحكم الذاتي على الأقل .
مطالب خطيرة، أو توقعات مثيرة على الأصح، سيظل من الأفضل التنبيه إليها، قبل أن تفرض نفسها، تحت ضغط فشل مشروع الدولة الأم، في تجسيد العدل والنمو الشامل، ولو في مستويات مقبولة، إن لم تكن نموذجية.
وعلى وجه أوسع تعيش ولايات الشمال ، ذات الطابع الواحاتي والمعدني والاقتصادي عموما ، إنشيري ، آدرار ، تيرس الزمور ، دخلت انواذيبو ، في ظل سياسة التهدئة والتنويم فحسب ، بدل الاهتمام اللائق ، المفقود المنشود .
فإلى متى يصبر المعنيون على هذا الإهمال الممنهج  ، الذي تلعب فيه أيدي معروفة بعض الدور المقصود المتعمد ربما ، ولماذا لا نعي جميعا دون تمييز أهمية  القطاع الشمالي ، حتى يبقى مصدر إنعاش وتوازن لاقتصادنا الوطني المتهالك ، بدل التهميش والاستغلال ، الذي يعيشه الشمال عموما وانواذيبو خصوصا .
وباختصار، انتبهوا قبل فوات الأوان، وعلى الصعيد الرسمي والشعبي معا .
إن خنق انواذيبو لا يخدم الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي الهش ، وهو منذر بالمجهول ،و مع مرور الوقت قد يتأكد أن القفل الجمركي ومشروع المنطقة الحرة إجراءات وطموحات لا تستند إلى نظرة واقعية  متبصرة.

18. أكتوبر 2014 - 17:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا