سربت وسائل إعلام عديدة مؤخرا وثيقة منسوبة لمنتدى المعارة في موريتانيا، تضمنت تحديد المعارضة لثلاثة خيارات حصرا تواجه موريتانيا، وهي – بحسب الوثيقة-: الحوار الجاد بضمانات، أو الفوضى والفشل، أو العودة للانقلابات، وأكدت وثيقة المعارضة أنه لا خيار رابعا أمام البلاد.
ولئن كانت المعارضة تحدثت في هذه الوثيقة بلغة التهديد، والجزم والتأكيد، إلا أن أسئلة عديدة تطرح عن مدى قدرة المعارضة على تنفيذ تهديداتها، بخصوص الفوضى، والانقلاب، وعن مدى جاهزيتها للخيار الثالث (الحوار الجاد).
أولا: خيار الفوضى الشاملة،.. إن مجرد تلويح المعارضة باللجوء لخيار الفوضى، وإفشال الدولة هو في حد ذاته فشل ذريع للمعارضة، هذا فضلا عن أن المعارضة لا تمتلك القدرة، والمقومات الكافية لإشعال الفوضى، أو فرض خيار الفشل، فكل ذلك يتطلب قوة جماهيرية كبيرة، وتضحية كبيرة من زعماء المعارضة، وهما عاملان غير متوفرين بالمره، فالشعب الموريتاني معروف بسلميته، وميوله للهدوء، ورفضه للعنف، والصدام، كما أن المعارضة لا تستطيع حشد ذلك الكم البشري الذي قد يفرض هذا الخيار، ومع ذلك فإن زعماء المعارضة غير مستعدين لدفع أي تضحية في سبيل ما يسمونه نضالهم ضد النظام، فحتى قنابل الصوت، وخراطيم المياه جعلت بعضهم يهرب عن حذائه ذات ليلة من اعتصام مشهود.
ثانيا: خيار الانقلاب العسكري.. إنه لأمر مضحك، مبكي فعلا أن تهدد المعارضة ولد عبد العزيز بانقلاب عسكري، كما هو إفلاس استراتيجي إذا كانت المعارضة فعلا ما زالت تراهن على انقلاب عسكري للإطاحة بنظام ولد عبد العزيز، فالأكيد أن الشروط الموضوعية لأي انقلاب غير متوفرة مطلقا، وربما لن تتوفر أبدا في المستقبل، وحتى لو افترضنا جدلا أننا سنصحوا ذات يوم على البيان رقم واحد، فهل يتصور زعماء المعارضة أن الجيش سيطيح بولد عبد العزيز ليسلم السلطة لزعماء المعارضة؟! هو إذا خيار موغل في الخيال، ويستوفي شروط الاستحالة .
ثالثا: خيار الحوار الجاد – كما وصفته الوثيقة- وحتى هذا الخيار يبدو غير واقعي، ولعب في الوقت الضائع، فإذا كانت المعارضة لم تتفق مع النظام على حوار يرضيها في فترة كان ولد عبد العزيز مقبلا على انتخابات برلمانية، ورئاسية غير محسومة، وعندما كان الرجل يواجه أزمات، ومشاكل سياسية، واقتصادية، وشخصية، فكيف ستنتزع منه تنازلات اليوم، وهو في مطلع مأموريته الثانية، بعد أن نال اعتراف العالم بانتخاباته، وحصوله على أغلبية برلمانية مريحة.
إن استجداء المعارضة للحوار الجاد مع النظام ينم عن درجة كبيرة من الإحباط، فمتى كانت المعارضات تنتصر، وتحقق أهدافها عن طريق الحوار مع الحكام أصلا ؟ هو إذا خيار غير واقعي، ولا يضيف جديدا على المسرح السياسي.
وفي مقابل الخيارات الثلاثة التي أكدت المعارضة أن البلاد مقبلة على واحد منها، كان على المعارضة أن تحدد للشعب مصيرها، وخططها، وأعتقد أن خيارات المعارضة في المرحلة الحالية تنحصر في ثلاثة خيارات لا رابع لها.
الخيار الأول: معاودة السعي بين مسجدي المغرب، وابن عباس، والطواف بساحة دار الشباب القديمة، وتكرار شعارات التلبية المعهودة في حجها " الرحيل" و " يسقط حكم العسكر" ... والشعب يريد... الخ وهذا الخيار يبدو محرجا للمعارضة، وعديم المردودية، ومجرب من قبل،ومع ذلك يبقى أسهل خيارات المعارضة المتاحة.
الخيار الثاني: قبول حوار من أي نوع مع النظام، يكون غطاء للمعارضة، ويحفظ لها ماء وجهها، إن هي قررت فعلا وضع سلاحها ضد النظام، والانسحاب من ساحة المعركة دون أن تتهم بالفرار، أو بالهزيمة، وهذا خيار قد تفكر فيه جديا أقطاب من المعارضة، خصوصا تلك التي فقدت تمثيلها في البرلمان، وشعبيتها في الشارع، ونصيبها من كعكة السلطة.
أما خيار المعارضة الثالث فهو: الدخول في سبات عميق، وترك النظام وشأنه، وعدم دفع أي ثمن في معركة بدت خاسرة، وهذا خيار قد يبدو مقبولا للمعارضة، لأنه لا يلزمها بشيء، ويتيح لها فرصة العودة لمنازلة النظام في أي وقت تقرره.
فأي الخيارات ستقرر المعارضة اتباعه ؟