كلمة الاصلاح هذه المرة ستتوجه كعادتها في كل مطلع شهر ذي الحجة عندما تختلف رؤيتنا مع رؤية السعودية و يكون عند السعودية يوم يسمى يوم عرفة لوجود حجاج بيت الله الحرام بعرفة ويكون عندنا يوم نسميه عرفة ولا جبل عندنا يسمى عرفة ، فعرفة البلاد المقدسة لا حاج فوقه بمعنى لا عبادة فوقه
في ذلك اليوم ولا ملائكة ولا دعاء إلى أخر مميزات يوم عرفة في الإسلام بل الحق أن علينا أن نسميه يوم تاسع ذي الحجة لعدم إعلان لجنة الأهلة عندنا للرؤية .
ونتيجة لهذه المأساة الدينية كل سنة وهي أن بعضنا لا يصوم عرفة ذي المميزات الكثيرة في الإسلام ومن أهمها أنه يكفر السنة الماضية و القادمة مع كثرة احتياجنا لذالك.
و الكثيرا منا يصوم هذا اليوم التاسع من رؤيتنا مع إحتمال أنه يوم العيد المحرم صومه فعلى هذا أظن أنه واجب على كل من يستطيع أن يوجه أن يفعل ذالك محتسبا عند الله الأجر.
فمن المعلوم أن الرؤية و عدم الرؤية تختلف نتائجهما فوجود الرؤية يلزم من وجوده الوجود وهو شهر ذي الحجة وما يترتب على ذلك وعدم إعلان لجنة الأهلة للرؤية لا يلزم منه عدم وجود الرؤية لحصولها في بعض البلاد و يترتب على ذالك الكثير من نفحات رب السموات و رب الأرض رب العالمين و لزوم عدم الرؤية يترتب عليه فوات هذه النفحات العلوية المتعلقة بوجود أشياء مادية لا وجود لها في ذلك اليوم.
وهذا تكرركثيرا في عصرأصبحت فيه أقطارالمسلمين كأنها قطر واحد (إن لم يكن في السياسة التي يظن أهلها أنهم قادرون عليها ؛ وأن أمرها يتعلق بالحياة فقط) ففي جميع الأنشطة الإنسانية الأخرى من مواصلات و اتصالات و معرفة المسافات بدقة برا و جوا إلى آخر ما يعين على انتهاء هذه الكارثة الدينية المتكررة .
فمن المعروف عند كل عاقل أن القضية تتعلق برؤية هلال هو جزء من الكواكب السيارة فالهلال إسم من أسماء القمر عندما يظهر للبشر صغيرا في أعينهم لأسباب تكلم عنها أصحاب الفن العلميين الفلكيين شارحين قوله تعالى (و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) بمعنى أنه يسير في منازله بدقة لا تقف ولا تختلف قدر واحد في المائة من الثانية بمعنى أنها معدومة التوقف و هذه المنازل نحن نراها بأعيننا عندما يسمح إختفاء الشمس ليلا برؤيتها و في النهار تحول الشمس بيننا و بين رؤية الموجود منها فوقنا و هذا الإختفاء لا يعني أنه غير موجود في سمائنا.
و القمر الذي هو أصل الهلال يسير معها بانتظام يظهر مع المنازل و يراه أي قطر من المسلمين فوقه عندما تختفي عنه الشمس و يختفي عند كل قطرتخفيه عنه الشمس.
فماذا على العلماء المسلمين خاصة و سلطاتهم عامة أن يفعلوه الآن لينسجم عملهم العلمي الإسلامي مع أوامر الله المتعلقة بهذا الكون الموضوع فوقهم كآية لا يختلف سيرها و لا نظامها و لا يتغير في أي زمان و لا مكان (لا) الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا اليل سابق النهار و كل في تلك يسجون
فالعلماء يعلمون الآن علم اليقين تحديد المسافات في الزمان و المكان الذي تقطعها هذه الأفلاك السيارة و هذه المنازل تسير بين شرق الكورة الأرضية و غربها فالشمس واحدة و تشرق قطعا من الشرق كما قال تعالى أنه يأتي بها من المشرق والقمر كذلك لأن رؤية ابراهيم عليه السلام لهما عند بزوغهما من جهة واحدة.
وهذا السير قطعا داخل 24 ساعة و هذا الزمن المحدد يدخل فيه الليل و النهار بمعنى أنه يستحيل أن تكون ليلة واحدة يختلف وجودها في أي قطر من الأقطار الإسلامية الآن إلا بقدر ساعات تقل و تكثر حسب تباعد المسافات و لذا لا يمكن أن تكون ليلة عند قطرهي ليلة أخرى عند قطرأخر فمثلا ليلة الخميس التي رأت فيها السعودية هلال ذي الحجة بعد ثلاث ساعات فقط وصلت أجواءنا نحن و أصبح يومها علينا يوم الخميس كما هو على السعودية قبلنا بثلاث ساعات فلكية.
وبناء على ذلك فإن مقولة لكل قطر رؤيته تتطاير حروفها هباءا عند البحث فيها و لكن يختلف وقت الصلاة و بداية صوم النهار و نهايته و هذا في القطر الواحد و يستحيل وجود 24 ساعة بين قطرين مسلمين الآن.
والهلال الذي يترب على رؤيته كثير من العبادات شيء مادي مثل الليل و النهار لا يحيد عن حيزه مثل أي كائن.
فلم يبق إلا مناقشة عدم رؤية البعض له دون البعض على ضوء النصوص الشرعية.
وبما أنني لا أعرف العلم الشرعي فضلا أن تطمع نفسي إلى مناقشته مع أهل العلم الكنيفيين (إن صح هذا التعبيير) فإني أقول أغرب مناقشة سمعتها من أهل العلم الحقيقيين في هذا المجال هو خطبة الجمعة الذي هو يوم وقوف الحجاج بعرفة في يومه و في اليوم التاسع من ذي الحجة عند عدم رؤية للجنة الموريتانية لللأهلة و الزمان هو يوم الجمعة عندنا و عند السعودية .
و هذه الخطبة صادرة من إمام المسجد الجامع في انواكشوط و سمعت أيضا في نفس السياق فتوى من العلامة محمد الحسن بن الددو.
و هذان الإمامان الأصوليان و الفرعيان و في كل ما يسمى علما في الشريعة الأسلامية مع احتفاظي لكل منهما بخصوصيته التي خصه الله بها لا شك أنهما يمتلان ما قاله المشارقة عن العلماء الشناقطة قالوا أن العالم الشنقيطي يعتبر مكتبة متنقلة.
ومن هنا فإني مع مساواتي لصفر مكعب مع هؤلاء العلماء الأجلاء الذين نفتخر بهما علما و ورعا في كل مكان إلا أنني أتخذ من كتابة هذا موقف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي أمر النبي صلى الله عليه و سلم باتباع اجتهاده أتخذه قدوة حيث سن للأمراء و العلماء سنة حسنة و هو الاستماع و القبول لكل ملاحظة ولو موجهة لنفسه هو أثناء كلامه و ضد إجتهاده وبناء على هذه اللجنة التي أجعلها أمام القلم مع الإحترام و التواضع لهذين الإمامين الذين ندع الله أن يجعلهما و يجعلنا معهم بمنه و كرمه داخل ياء إضافة العبودية لله سبحانه و تعالى في قوله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان).
فأبدأ أولا بمناقشة خطبة الإمام الأنه أتى فيها بكثيرمن الأدلة الأصولية و الفرعية في قضية رؤية الهلال إلا أني لا أكتم سرا إذا قلت أنه لفت نظري فيها حدة اللهجة الإستنكارية التي خرجت بها الخطبة على الأثير و التي أثرت مجرد نبترها على كثير من الموطنين حتى صام يوم التاسع من ذي الحجة عند عدم رؤية اللجنة ويوم العيد عند أهل السعودية بدون أن يفحص الأدلة التي ساقها الإمام في الموضوع بل تصرف بمجرد حدة كلام الإمام في الخطبة، و هنا تكمن قطورة التقليد بدون دليل.
فإن حدة الكلام ليست من الأصول و لا من الفروع التي يرجع إليها في الأحكام ،فالإمام بإختصار قال أن هناك قولين أحدهما يوسع دائرة الرؤية حتى تعم ما يشبه في المسافات ما بين خرسان والأندلس و الأخر يضيقها حتى يجعل لكل بلد رؤيته و استدل على هذين القولين بتفسير قول النبي صلى الله عليه و سلم صومو لرؤيته و افطرولرؤيته و استدل في الفروع بقول خليل و عم إن نقل بهما عنهما فحدد هذا العموم مالم يبعد جدا كا خرسان من الأندلس.
و يفهم من ايراده لهذين القولين أن كل واحد منهما يمكن العمل به إلا أنه مال في الأخير إلى أن اللجنة الوطنية الأهلة يمكن أن يكون عدم رؤيتها و إصدار بيانها مرجعا للعمل بمقتضى عدم رؤية الهلال لأن خلاف ذلك يؤدي إلى تفرقة المسلمين في مكان واحد كما قال .
وأنا أظن أن أصعب ما قاله ذلك الإمام في الخطبة و يمكن أن يؤدي ارتباكا للمستمع الذي يمكنه تحليل العبارات هي قوله حبذا لو اتفقت الرؤية بيننا و بين السعودية بل و بين أقطار المسلمين لينتهي هذا الخلاف.
و الملاحظة على هذه الخطبة كما يلي:
أولا أن الإمام لم يسم هذا اليوم إلا بقوله يوم عرفة و لم يقل يوم التاسع من ذي الحجة عندنا و سيادته يعلم أن سبب تسميته عرفة هو الوقوف به و كثرة الأحاديث التي تذكر ما في هذه الوقفة من الخير الكثير و حضور الملائكة فوق جبل عرفة مع الحجاج و استجابة الدعاء إلى أخر ذلك لا مجرد التسمية دون الوقوف.
ثانيا قال أن بعض العلماء فسر قول النبي صلى الله عليه و سلم صومو لرؤيته إلى أخر الحديث أنه يعني الحاضرين معه دون المسلمين الأخرين.
و هذا يعني أنه من لم يره بعينه لا يصدق غيره و هذا يبطل قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصية السبب إذا لم يرد في نص الخطاب هذا الخصوص)
فخطاب النبي صلى الله عليه و سلم بقوله صومو لرؤيته إلى أخر الحديث موجه بالدرجة الأولى إلى جميع المسلمين الموجودين فوق الأرض أنذاك وهم فوق جزيرة العرب و يمتد هذا الخطاب العمومي إلى إخوانه الذين لم ياتو بعد.
أما حديث كريب و عدم عمل بن عباس برؤية أهل العراق و صوم معاوية فالظاهر أنه اجتهاد من ابن عباس لأنه سينقضه الإمام لاحقا بستدلاله بالحكم الفرعي في قول خليل (وعم إن نقل بهما) جميع أقطار المسلمين مالم يبعد جدا كا خرسان من الأندلس فالعراق لها حدود مع الجزيرة العربية مع أن أهل ذلك الزمان كانوا لا يعرفون إلا البعد الأرضي في المسافات ولا يعرفون القرب في السير الفلكي في السموات وكل العقول البشرية مخاطبة بما أنار الله لها من العلم في زمنها (سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)
وهنا سؤال يطرح نفسه ماهو الفرق بين رؤية عدول أهل فصال بموريتانيا و عدول سفارة موريتانيا في السعودية إذا أخبروا برؤيته ففصال بينها و انواكشوط 1160 كلم أرضية و 40 دقيقة فلكية و السعودية بينها و نواكشوط ثلاث ساعات فلكية و نحو ثلاثة أو أربعة ألاف أرضية فإذا رأته فصالة ولم تره انواكشوط فذلك يشبه رؤية السعودية دون رؤيتنا هنا له و هذا يتفق مع قول خليل و رؤيته نهارا للقابلة، ففصال يمكن أن يروه بعد غروب الشمس عندهم و لكنها تكون بالنسبة لنا رؤية نهارية لأن النهار مازال علينا منه 40 دقيقة.
ثالثا صعب علينا فهم معنى قول الإمام يا حبذا إلى أخر كلامه الأتي:
و صعوبة فهم قول الإمام في خطبته يا حبذا لو اتحدت الرؤية، فإن السامع سوف يظن حينئذ أن الوجوب و الحرمة أصبحا تابعين لمزاج الدول إن اتفقو اتحد الخطاب من الله للمسلمين و إن اختلفوا يختلف خطاب الله للمسلمين مع أن موضوع الخطاب في الرؤية يتعلق بشيء مادي في السماء لا يتعلق وجوده و لا عدمه بسلطة الحاكم.
رابعا:إن المتأمل في الخطبة لا يرى فيها أي منزع للإمام يشير فيه إلى قضية ما يقوله الفلكيون باستحالة أن يرى في سماء إحدى الدول و لا يكون في سماء الدول الأخرى في وقته المناسب لسيره فهم يقولون أنه يمكن أن تحجب رؤيته في مكان و يرى في مكان أخر وهذا يكون في الدولة الواحدة كما هو المشاهد في الكسوف فكان على الإمام و هو المتبحر في جميع العلوم و المطلع على ما يفرزه العلم الحديث من إفرازات ينتفع بها المسلمون و تزيد العلماء علما ،فلم يتطرق هو إلى ذلك.
خاسما: عندما نعود إلى عمل اللجنة فسنلاحظ أنه لا العلماء في الدولة و لا السلطة تهتم بأسلوب اجراءات اللجنة لتثبت أو تنفي الرؤية كما تفعل في رؤية هلال رمضان و هلال سؤال.
أما الأشهر الأخرى فلا نسمع إلا بعد أيام من رأس الشهر أنه يبدأ بعد ثلاثين يوما من سابقه وهذا نعلم جميعا أنه تكرر كثيرا.
فكان على العلماء و السلطة أن يلفت تكرر هذا نظرهم حتى لا تكون اللجنة تعد ممن لأعتناء له بغير رمضان و سؤال فتكون رؤية السعودية على الأقل تعدل رؤية العدل الواحد.
وعلى كل حال فإن هذا مجرد تنبيه على شىء مهم تكرر عدة مرات و يتعلق بالوجوب و الحرمة و السنة و المندوب.
و حكم اللجنة بالثبوت و عدمه لا يغير طلب الله لأداء الحكم الشرعي المنوط بشيء مادي يمكن حصوله بالرؤية فقول خليل لا بمنجم أي مع عدم أي رؤية فإذا حصلت رؤية يعود الحكم فيها للنصوص الأخرى.
فالحكم يرفع الخلاف إلا أنه لا يحل الحرام أي يرفع الخلاف بين المتخاصمين و هنا لا مخاصمة بل فيه احكام فيها الوجوب و الحرمة و لا يرفع الحكم الواقع المعقول.
أما فتوى العلامة محمد الحسن بن الددو فهو مكتوب في بعض المواقع هكذا سئل العلامة محمد الحسن بن الددو حفظه الله عن صوم يوم السبت في شهر ذي الحجة هذا العام فأجاب أن يوم السبت هذا هو يوم عيد عند دول المشرق و يوم عرفة عند أهل المغرب ولا مانع من صومه عند دول المغرب لأن الرؤية عندهم بحكم قضائي و حكم القاضي يرفع الخلاف.
فإذا كان هذا الجواب من العلامة الددو جواب دبلوماسي موجه بكلام ناحية من الوطن الموريتاني فإن العلماء لا يقبل منهم ذلك لأنهم موقعون عن الله و ينوبون عن النبي صلى الله عليه و سلم في وجوب التبيين و النبي صلى الله عليه و سلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقته.
وإذا كان هذا الجواب هو الحكم عنده فإنه أولا سمي يوم السبت بيوم عرفة و الأسماء المشتقة من الأسباب تزول أسماؤها بزوال سببها و يوم السبت لا أحدا فوق جبل عرفة وهو يوم واحد في السنة مثل ليلة القدر.
وعلى كل حال فمعلوم أن الشيخ الدوو له اليد الطول في العلم بل إن جميع جوارحه و لله الحمد كذلك في كل العلوم وأعيذه من كل حاسد إذا حسد، فكان عليه أن يحسم حكم الله في موضوع شواهده مادية في السماء ولا يعود فيه إلى اجتهاد أهل الفروع في زمن لا يعرفون فيه ما وراء أقطارهم في الأرض و يصدرون الفتاوى حسب معرفتهم أنذاك.
و أخيرا لم يبق لنا إلا أن نقول اللهم بين لنا في الهلال الحكم الشافي الذي يرضيك الأخذ به في جميع أقطار المسلمين حتى نفعل الوجوب و السنة و المندوب في وقتها و نترك الحرام و المكروه و خلاف الأولى في كل وقت و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.