يبدو أن "طريق الأمل" بدأ يتحول شيئا فشيئا من طريق يربط بين غرب البلاد وشرقها إلى طريق آخر يربط بين عالمين مختلفين هما عالم الدنيا الفانية وعالم الأخرى الباقية، ولذلك فقد أصبح بإمكاننا أن نصنف هذا الطريق بأنه هو أسرع طريق في شبه المنطقة، بل وفي العالم كله، لنقل المسافرين
وإيصالهم إلى مساكنهم الأخروية ودون أي زيادة تذكر في سعر التذكرة التي كانوا يدفعونها في أسفارهم ورحلاتهم الدنيوية بين المدن والقرى الواقعة على هذا الطريق.
ولقد أصبح بامكان حكومتنا، والتي كثيرا ما كانت تفتخر علينا بما شيدت من طرق، بأن تضيف لانجازاتها "العظيمة" في مجال البنية التحتية انجازات أخرى أصبحنا بموجبها نمتلك شبكة طرق "راقية" لنقل المواطنين إلى مساكنهم في عالم الآخرة. فعلى مستوى النقل الجوي فبإمكان حكومتنا أن تفتخر بأسطولها "العظيم" من الطائرات العسكرية وهو الأسطول الذي سقطت أغلب طائراته خلال رحلات لها إلى العالم الآخر. أما على صعيد النقل البري فإنه بإمكان حكومتنا أن تفتخر بطريق الأمل والذي تحول في عهدها من طريق للأمل إلى طريق سريع إلى الموت.
فهل تجاهل الحكومة لهذا الطريق يدخل في إطار سياستها الرشيدة والهادفة إلى إسعاد المواطنين، وذلك من خلال التعجيل بموتهم، وبالتالي التعجيل بوصولهم إلى قبورهم والتي ستتحول إلى روضة من رياض الجنة لمن كان قد عمل في حياته عملا صالحا؟
أوَ لا يمكن أن نعتبر أن توفير طريق سريع إلى الموت يتكفل بنقل المواطنين الموريتانيين من دنياهم الفانية، ومن حياتهم القاسية، ومن معيشتهم الضنك: حيث ترتفع الاسعار، وتكثر البطالة، ويغيب الأمن، وتنعدم العدالة، وينهار التعليم، وتنتشر القمامة والمستنقعات، إلى عالم آخر حيث رياض الجنة لمن كان قد عمل في حياته عملا صالحا، أوَ لا يمكن أن نعتبر ذلك فعلا رشيدا، وبأنه من أهم انجازات حكومتنا، وبأنه فوق ذلك كله هو من أهم تجليات حب الرئيس للفقراء، وقديما قيل : "ومن الحب ما قتل".
فربما يكون الرئيس الذي لا نشكك في حبه لفقراء بلده، قد بلغ به حب الفقراء مبلغا عظيما إلى أن وصل إلى درجة "ومن الحب ما قتل"، ولذلك فقد ترك كل أسباب الموت قائمة على حالها، حتى تتكفل بموت المزيد من المواطنين، فلا هو اهتم في الواقع ـ لا أتحدث عن الاهتمام النظري ـ بقطاع الصحة، ولا هو اهتم بطريق الأمل الذي تحول إلى طريق سريع إلى الموت، بل إنه على العكس من ذلك فبدلا من أن يصلح من حال هذا الطريق الذي يعتبر أهم طريق في موريتانيا انشغل في بعض الأحيان بتشييد طرق فرعية في بعض المدن الداخية، وهي الطرق التي قد يمر يوم كامل دون أن تعبرها سيارة، وانشغل في أحايين أخرى بإزالة الحواجز التي كانت تتوسط الشوارع الكبرى بالعاصمة، والتي كانت تجبر سائقي السيارات على أن يلتزموا بالسير في الجزء المخصص لهم من الشارع، كما كانت تلك الحواجز توفر لعابري الطريق من المشاة مكانا للتوقف الآمن في اتنظار فرصة للعبور بعد أن يخف عدد السيارات في النصف الآخر من الشارع. لقد تمت إزالة تلك الحواجز مما أربك العابرين من المشاة، ومما زاد من فوضوية حركة السيارات، وهو ما أدى في المحصلة النهائية إلى زيادة حوادث السير على تلك الشوارع، وبالتالي إلى انتقال المزيد من الموريتانيين إلى عالم القبور.
لقد تم تجاهل "طريق الأمل" والانشغال بطرق وبشوارع أخرى أقل أهمية رغم أن هذا الطريق يعد هو أهم طريق في البلاد، ولا يمكن مقارنته بأي طريق آخر، لا من حيث عدد السيارات التي تعبره، ولا من حيث عدد المدن والقرى التي يمر بها، ولا من حيث المردودية الاقتصادية.
فلماذا يتم تجاهل هذا الطريق؟ ولماذا فشلت "حكومة الطرق" في إكمال مقطع من 140 كلم رغم مرور ست سنوات على بدء الأشغال في هذا المقطع، وذلك رغم افتخار هذه الحكومة بأنها قد شيدت العديد من الطرق التي تمتد لمئات الكيلومترات في أماكن أخرى أقل أهمية؟ ولماذا تترك الحكومة مقاطع عديدة من هذا الطريق الحيوي دون أي ترميم رغم كثرة الحفر في بعض تلك المقاطع، ورغم تآكل أطراف الطريق في مقاطع كثيرة أخرى؟
إن معدل القتلى بسبب الحوادث على هذا الطريق قد وصل أو زاد في بعض أشهر السنة إلى قتيلين في كل يوم، أوَ لا يستحق منا هذا المعدل المخيف أن نعيد الاهتمام لهذا الطريق الحيوي بدلا من الانشغال بتشييد طرق أخرى قد يمر يوم كامل دون أن تمر بها سيارة؟
إنه لا يمكننا أن نحمل الحكومة كل المسؤولية ، خاصة وأننا لا نملك احصائيات دقيقة عن تلك الحوادث وعن نسبها، فنحن لا نعرف نسبة الحوادث الناتجة عن رداءة الطريق، ولا تلك الناتجة عن السرعة، ولا تلك النتاجة عن نوم السائقين، ولا تلك التي تسببت فيها الحيوانات، نحن لا نملك احصائيات دقيقة، ولكن ستبقى الحكومة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن تلك الحوادث بسبب تجاهلها لهذا الطريق الحيوي الذي تحول من طريق للأمل إلى طريق للموت السريع، ورحم الله شابين توفيا في حادث سير على هذا الطريق، وشاء الله أن أكون رفقة آخرين من أوائل المارين بهما.
حفظ الله موريتانيا..