الحالة اليمنية، هل تتكرر في بلدان أخرى؟! / عبد الفتاح ولد اعبيدن

اليمن سقط فجأة في قبضة الحوثيين، وخصوصا عاصمته صنعاء، وكان ذلك يوم 21 من شهر سبتمبر المنصرم من سنتنا الحالية 2014 ميلادية.
لقد مثل الحدث زلزالا سياسيا وأمنيا عنيفا، فبعد نفوذ حزب الله في بيروت وتأثير إيران الواضح في دمشق وغلبة الشيعة في الشأن العراقي تقريبا،

مع تفاهم واضح بين الحكومة العراقية وإيران، أقول بعد النفوذ الشيعي والإيراني المتزايد، سقطت اليمن أيضا في دائرة النفوذ الإيراني والشيعي الزيدي بشكل خاص.
ورغم ما يقال عن الزيديين أنهم عقديا من أقل المجموعات الشيعية تطرفا، إلا أنهم يمثلون أقلية في اليمن ولهم صلات روحية وسياسية عميقة مع نموذج الثورة الإسلامية الشيعية الأول، إيران!.
معطيات أخافت السنة في عموم العالم الإسلامي، من تزايد نفوذ الشيعة، واحتمال سيطرتهم عاجلا أو آجلا على مكة والمدينة وترسيخ أقدامهم أكثر في عموم العالم الإسلامي والشرق الأوسط بشكل خاص ومنطقة الجزيرة العربية على وجه الخصوص.
لأنه مهما قيل عن الشيعة الزيدية والإمامية، فلها خصوصياتها العقدية، ولها صراعها مع اهل السنة، مهما استعملنا من عبارات التهدئة ومهما وسعنا صدورنا، حرصا على الوحدة الإسلامية الجامعة بين سائر المسلمين، ومن ينطق بالشهادتين، بغض النظر عن بعض الخلافات والحزازات العقدية والتاريخية.
هذه بعض مخاوفنا مما حدث في اليمن، لكن الحدث اليمني المثير أكثر دلالة، وأكثر مجالا واحتمالا.
فالنموذج اليمني في سرعة الانهيار والتفكك قابل للتكرر عندنا، أو في أي دولة أخرى، تعاني من بعض وليس كل ما يعاني اليمن، إذا استثنينا الصراع الطائفي المزمن، الذي لا ينطبق على حالة أزمتنا المرهقة المنذرة بالخطر في أي حين، وهذه الخصوصية اليمنية ربما تحل محلها لدينا حالة التنوع العرقي الفسيفسائي الغارق في وصف التنوع هذا!.
وإن لم تظهر لدينا بعد حالات تسلح ميليشياوي دائم، إلا أن غياب الشورى أو الديمقراطية الحقيقية الناجعة، وسكون الغني والثروة في جيوب محدودة مغلقة، تتوسع بشكل رتيب سلبي مع تبدل الأشخاص النافذين الحاكمين، ويبقى الفقر والاستبداد يتوسع ويتمدد على حساب السواد الأعظم من الفقراء والمغلوب على أمرهم.
وضع هش مؤلم متأزم حقيقة يسمح بطلاقة وبسهولة بتكرر الحالة اليمنية، من الانهيار المفاجئ على الأقل للدولة، الفاشلة، بجميع عناوينها وشعاراتها، من جيش وأمن وإدارة، وقد تكون أولها عندنا الرئاسة على خلاف النموذج اليمني المثير بحق، والذي يشير إلى صفقة أمريكية صهيونية، محل قبول الغرب، ربما لتغيير دائرة النفوذ في جزيرتنا العربية، من السنة إلى الشيعة، الأقل ربما راديكالية من السنة، تجاه بعض القضايا، مثل القضية الفلسطينية المركزية ونبذ أنظمة الاستبداد العميلة لأمريكا والغرب.
إن واقعنا المحلي المكرس للفقر والغبن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على أبشع الصور، والذي يسمح بنفوذ الدولة لصالح زبنائها، على أساس القرابة والمحسوبية، وليس على أساس المواطنة والكفاءة، أقول باختصار هذا الواقع يرشح موريتانيا بوجه خاص للسقوط المفاجئ والتفكك الحقيقي، لأن الجيش عندنا مل الاسترزاق ربما، والتأثر بالطرح الإسلامي والعروبي المتغلغل فيه، وهو جيش يباشر تكريس حالة الظلم العام، وربما يقرر يوما -تحت ضغط ألم الضمير- أنه لم يعد مستعد لحماية الدولة الفاشلة ومنحها الفرصة للبقاء والاستمرار على حساب الحق والقيم ومصلحة الأغلبية المغبونة المخنوقة.
فالدولة عندنا لا تحمي مصالح الناس، وإنما هي فرصة للتمول والنفوذ بالنسبة لأقلية على حساب أكثرية أصبحت "بدون" تقريبا، وبلا حقوق وبلا كرامة، أحرى أن تطمع في المال أو التغلب على نظام الاستبداد.
وهذا وضع شاذ مهين لا يمكن البتة أن يواصل المسير دون تعثر آني أو لاحق.
النموذج اليمني، نموذج مذكر لسائر الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية بوجه خاص، إن قبلت النظر والتأمل والاعتبار الميسور لمن أراد أن يذكر أو أراد فكرا وتدبرا، وإلا فإن الأوضاع في عالمنا العربي بوجه خاص مرشحة للمزيد من التفكك السريع المقلقل الخطير، إن لم نتوقف على الأقل، لتقييم عاجل لآثار خطونا المتعثر غير المدروس، وغير المأمون للأسف البالغ.
إن المتحكمين الميسورين يكفيهم أن يستمر حالهم الإيجابي المريح ظاهريا، ولا يهمهم واقع الأغلبية المخنوقة المأزومة باستمرار، والتي قد تنفجر أزماتها لتصيب البقية الغافلة، دون حساب أو توقع واع نبيه، لما قد يحصل فجأة دون سابق إنذار.
قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
إن سنة الله في خلقه، تقضي بأن الله لا يهدي كيد الخائنين، فلا خير فينا -ولو كرعية مغبونة مظلومة- إن لم نقل كلمة ناصحة منبهة على الأقل، ولا خير في حكام الاستبداد إن لم يقبلوها، ليؤول واقعنا جميعا -لا قدر الله- إلى الانهيار الشامل بسبب الظلم، فمن سنة الله في هذه الأرض، أن الدولة قد تستقيم أحيانا على الكفر -استدراجا-ولا تستقيم على الظلم إجماعا.
فهل ننتبه قبل فوات الأوان؟!، أم يظلوا سامدين في خطهم التسييري المنحاز الغابن إلى أن تسقط نواكشوط في يد العابثين واللامسؤولين على وجه مطلق، بعد صدور الحكم الحالي المستبد الانقلابي عن كافة أوجه الحوار والتفاهم والنصح الجاد الصريح؟!.
كما أن النموذج اليمني والحريق العربي الشامل تقريبا لمنطقتنا العربية يؤشر  إلى فشل النموذج الاستبدادي وحتمية التغيير نحو صيغة أخرى، ولو أفضل بشكل يسير، فالشعوب العربية استيقظت، ولو في بعض شرائحها، ولم تعد تصبر بالتمام والكمال على استنزاف ثرواتها والتحكم القسري في شأنها العمومي، لصالح زمرة من عملاء الغرب والصهاينة، مقابل الدفع للغرب والارتهان له في مصالحه وحروبه المفبركة المغرضة، مثل الحرب على الإرهاب، ومن أكثر إرهابا من أمريكا واسرائيل وأنظمتهم العميلة المأسورة سياسيا وأمنيا واقتصاديا تحت قبة اللوبي الغربي الصهيوني الحاقد على المسلمين عموما، والسنة خصوصا، لما يخشى منهم، أو من بعض نخبهم من وعي وحراك وربيع عربي أو غيره، من نماذج التململ الجماعي، المبشر بعهود جديدة أكثر إنعتاقا ونفسا نحو العدالة والحرية، رغم الحريق العربي الراهن المقلقل المؤلم بحق.

26. أكتوبر 2014 - 14:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا