في عهد الراحل المختار/داداه، أب الأمة، كان مفتش الشباب والرياضة يحظى بزيادة معتبرة في وحدة قياس الراتب، ما يعني أن الحكومة آنذاك كانت ترى في الشباب والرياضة مجالا حيويا ضروريا، وحريا بأن يحظى بالدعم نظرا لأهميته في حياة الأمة حاضرها وماضيها، لكن ذلك الوعي سرعان ما تراجع
لصالح سنوات من الضياع سيعيشها أولئك المفتشون فيما بعد، حيث تغيرت النظرة الوطنية لمجال المفتش المذكور، لصالح أنماط الحياة الخطرة كالسمنة والكوليسترول، والخمول والكسل في مجال الرياضة، فيما تم تغييب الشباب مجالا وقضايا، لصالح سياسات الفساد، التي شجعت أكل المال العام، والتراخي في كل ما يمت للمصلحة بصلة.
وهكذا قضى مفتشو الشباب والرياضة سنوات وهم في القطاع الأتفه في نظر دولتهم، التي كانت تعيش عصر انحطاط قل نظيره، ولاقى فيه قطاع الشباب والرياضة صدمة وجودية مزلزلة، جعلت من مفتش الشباب والرياضة أضحوكة، وموضوعا خصبا للتنكيت، حيث كلما جلس الولاة بعمالهم للعمل والتعارف ينظر الجميع لمفتش الشباب والرياضة نظرة دونية مستخفة، لأنه لا يجد ما يعمل به غير قطاع المتهورين الأغراس، حيث لا يقيم المجتمع للفتوة أي معنى، ولا يرى في الرياضة إلا حالة من الجنون المطبق، وتعذيب النفس في حركات لا عقلانية، تنم عن عدم كمال العقل، وقلة التكوين، وغياب التربية.
لقد كان مفتش الشباب يتراجع دورا وقيمة في المنظور العام، فيما ظلت وحدة قياس راتبه مرتفعة قياسا بنظرائه من إداريين وأساتذة، لكن التطور الذي يطرأ في العمل والراتب من باب أنظمة العلاوات، ومن باب تعويضات ساعات العمل الإضافية، وحتى التعويض عن المشاركة في الطاولات المستديرة، وفي الندوات، والأيام التفكيرية كان ضعيفا في حالة مفتش الرياضة والشباب، ولم يكن مفتش الشباب أيضا بالنظر لمجاله ليتقدم قافلة فساد من أي نوع كان إذا ما ظل في قطاعه الأصلي، فهو لا يمتلك صلاحية تقسيم الأراضي وبالتالي دخول عالم "التبتيب" في القطع الأرضية، وهو ليس له أن يتدخل في عوالم رخص السياقة والجمركة فيفتح بابا للرزق الحرام، وهو ليس ... وليس ... وليس ... ليس إلا مفتش شباب ورياضة، إنه في مجال ليس بالخصب تماما للفساد والرشوة والتمصلح، ومرت سنوات الفساد ضياعا بالنسبة لصاحبنا موضوع الحلقة، وتلاشى الكثير من شخصيته، حتى صار لا يعرف، ولا يرى، ولا يسمع عنه ولا منه ولا به.
وجاء عصر الرئيس محمد/عبد العزيز ليميط اللثام عن مفتش الشباب والرياضة، فصار مفتشين بدل واحد، حيث صار ثمة مفتش للشباب، وآخر للرياضة، وأعيد فتح مركز تكوين أطر الشباب والرياضة، لتتخرج دفعات جديدة من المفتشين، وصارت السياسة الوطنية للشباب موجودة، وفيها ميزانية معتبرة لصندوق مخصص لدعم الشباب والرياضة، لكن لم تراجع حتى الساعة أنظمة العلاوات والمزايا المادية في قطاع الشباب والرياضة، وإن وضعت في برنامج الوزارة للعام القادم 2015.
مفتش الشباب انتقل من كونه يعتبر مدرسا إلى كونه صار إداريا، ما يعني فتح المجال أمامه في عوالم الوظيفة في القطاعات الأخرى، وبدأ يحظى بوزارة خاصة بالشباب والرياضة، وزارة جديدة يراد لها أن تنهي معاناة الشباب، وفساد قطاع الرياضة.
وفي نظرنا أن الرئيس اتخذ قرارا صائبا في هذا الإطار، وهو قرار يستجيب حتى لحالة تغير العقليات البائدة، حيث أن الاستهتار بالرياضة والشباب كان وراء انتشار الجريمة، وفشل مؤسسات التأهيل والإصلاح، والمدارس، كما أنتج أمراضا وأوبئة وجدت من الخمول والسمنة حاضنة، حيث استشرى مرض السكري، وهشاشة العظام، والضغط.
التخلي عن الشباب والرياضة كان كافيا لزيادة الوفاة في وقت مبكر من العمر بسبب الأمراض السابقة وغيرها، وصار المجتمع كله شبابا، وشباب المجتمع الذي هو المجتمع لا يحظى بتأطير في حجم الحالة الهرمية الشبابية، وهنا انتشرت الجريمة والانحراف، وتكاثف حجم المحالين للعدالة، فبدأت العدالة في الاحالة للسجون، أو في حل الأمور وديا بالصلح كمرحلة سابقة على العدالة الجنائية، ومن هنا كان المجتمع يفقد القيم والسلم الأهلي شيئا فشيئا، فالسجون سرعان ما ضاقت بالنزلاء، وصارت أوكارا للجريمة ومدارس لتعليم الانحراف، وصارت بدل أن تكون مكانا للتأهيل والإصلاح أوكارا للمخدرات، والاحتكاك بين المجرم بالصدفة والمجرم المحترف، والناجون من السجون بسبب مساطر الصلح عادوا للجريمة والانحراف ما داموا أحسوا أن الجزاء والعقاب ليسا إلا صلحا وملحا، وهنا ازداد منسوب الخطورة الإجرامية، وتأكد المثل القائل: "الوقاية خير من العلاج"، فتأطير الشباب في قطاع الشباب خير من تأهيله في السجون والإصلاحيات في الوقت بدل الضائع.
لقد عاد مفتش الشباب والرياضة بعد أن كاد يختفي لمصلحة العقيات البائدة، التي لا ترى في الشباب إلا الطيش والجنون، ولا ترى في الرياضة إلا الخبل والسفه، فيما تمجد أن تكون الطفلة دون العاشرة تزن وزن فرس النهر أو الفيل، وتشجع الشباب على اعتناق القاعدة القانونية لمجتمع الأنباط: "من يعمل يقتل"، فلأنك ابن فلان لا تقرأ ولا تعمل، وتوكل ولكن بطريقة خاطئة تماما.
إن عودة مفتش الشباب والرياضة عن طريق بعث الحياة في قطاع الشباب والرياضة هي بشارة، أو بشارتان، الأولى تتعلق بوعي الرئيس محمد/عبد العزيز بأهمية القطاع، وهذا يؤشر على أن القادم قد يكون إصلاحات مهمة تمس حياة الشباب في مجتمع قاعدته العريضة شبابا، كما يؤشر بأن الرياضة صارت ثقافة في المجتمع الموريتاني، ما يعني زيادة منسوب الشيب في المجتمع، ووصول الكثيرين إلى مرحلة الشيخوخة، تلك المرحلة التي يموت الموريتاني عادة قبلها بسبب البدانة والخمول والأمراض، وكافة تجليات العقليات البائدة.
والبشارة الثانية التي أشرت لها في الفقرة أعلاه هي أن المجتمع ككل بدأ يدق ناقوس الخطر من حالة الاهمال، التي يوجهها باتجاه الشباب والرياضة، قاضيا على أحلامه وآماله، وذات الشيء ينطبق على الترفيه، فهل يعقل أن الإنسان العاقل يبني الدور والمساكن والملاهي والمقاهي والإدارات والحوانيت ومآرب السيارات في حين يغفل عن بناء بنية تحتية آخذة بعين الاعتبار ضرورة وجود المتنفس؟ ...
والله إنها لبئس الحالة، أن ترى مدينة عصرية تسير فيها على طولها وعرضها لتلاحظ غياب المتنزهات بشكل يكاد يكون كاملا، وغياب الفضاءات الخضراء، وانعدام الأماكن المخصصة للألعاب التقليدية والعصرية، التي تساعد الإنسان على التخلص من الشد العضلي، والقلق النفسي، والاكتئاب المصاحب للمدنية والإعمار، ولانتشار الآلة وحلولها محل الإنسان، الذي يجلس على قارعة مدن العولمة لا يجد ما يعمله، ولا ما يشغل فيه فراغه، ووقته الحر.
وخلاصة القول أنه يمكننا اليوم الحديث عن أن اكتتتاب أطر شباب ورياضة جدد، إلى جانب القدامى يعد إعادة اعتبار للقطاع المنسي على أهميته في الحياة، وليس خطوة يتيمة في عالم الاهتمام بالشباب في ظل إفراده هو والرياضة بوزارة، وتخصيص سياسة وطنية له، ولقائه، ووعده بمجلس أعلى للشباب، وتعيين قيادات منه، لكن سيظل مفتشو الشباب والرياضة يتطلعون إلى خطوات أخرى تعيد لهم أمجادا كانت عند تأسيس الدولة هدفا ساميا، وابتلعتها عقود الفساد، واليوم بدأ بريقها من بعيد يلوح للناظر متلألئا، والأمل منعقد على رئيس الجمهورية، وعلى الشباب المعينين من قبله، وعلى وعي المجتمع في أن تعود أهمية الشباب والرياضة للواجهة، وينسى مفتش الشباب والرياضة سنوات الضياع بين عقليات وأوابد وجاهلية المجتمع، وبين فساد الإدارة وعبثيتها في مراحل من حياة الأمة.