زعيم المعارضة : بين مطرقة النظام ،وسندان المعارضة...! / الحاج ولد المصطفي

مؤسسة المعارضة: مكسب للديمقراطية الموريتانية ،تم إقراره في التعديل الدستوري الأهم بعد الانقلاب علي نظام الاستبداد الفردي في عهد ولد الطايع .وقد كان لنضال الأحزاب الديمقراطية الموريتانية دور بارز في الوصول إلي تشريع يضمن مشاركة المعارضة في تسيير الشأن العام من خلال مؤسسة 

دستورية تسمي مؤسسة المعارضة ويقودها زعيم للمعارضة ، ينتمي لأكثر الأحزاب تمثيلا في البرلمان.لكن الرياح (لم تجر يوما بما تشتهي السفن ) ..فأول زعامة مستحقة للمعارضة الموريتانية لم تنجح في وضع الأسس الضرورية للعمل المعارض وواجهت تعنتا ،ومضايقة، واستدراجا ؛ انتهي بالبلاد إلي أزمات مستمرة لم تتمكن معها هذه المؤسسة الدستورية الهامة من ممارسة أدوارها الحقيقية .فهل تنجح الزعامة الثانية للمؤسسة الأولي في تاريخ البلاد من إبراز دور المعارضة ؟وهل يتمكن الزعيم الجديد من فرض مشاركة واعية ،وممارسة مؤسسية للمعارضة الوطنية ؟ أم أن فخا جديدا قد نصبه النظام لحزب الزعيم الجديد؟.
اتخذ المجلس الدستوري بتاريخ :28/10/2014م قرارا يتضمن التشكيلة النهائية لمجلس الإشراف علي مؤسسة المعارضة وقد تضمن القرار :
-زعيم المعارضة :الحسن ولد محمد (عمدة عرفات ) عن حزب تواصل
الأعضاء:بيجل ولد هميد عن حزب الوئام وسودة وان عن التحالف من أجل العدالة والديمقراطية ...
وكانت بعض التحليلات قد ذهبت إلي أن النظام غير راغب في إسناد زعامة المعارضة لحزب تواصل ، وترددت أنباء عن إمكانية حل البرلمان وتجنب إحراج منع مرشح تواصل من الزعامة المُستحقة قانونا .ومع صدور القرار تكون البلاد وأزمتها السياسية القائمة بين النظام ومنتدى المعارضة  قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة تتطلب قراءة مُختلفة لمجريات الأحداث السياسية وإدخال مفردات ومعطيات هام علي مستقبل العلاقة بين النظام والمعارضة ..
المُعطي الأول:
إن صعود حزب تواصل بطرق قانونية ودستورية إلي واجهة الصراع السياسي علي السلطة  يعني أن المعادلة السياسية سوف تتجه نحو التأثير والتأثر بالمعطيات الخارجية المتعلقة بممارسة الإسلاميين للديمقراطية وصراعهم المُحتدم مع تيارات أخري مناوئة للإسلام والإسلاميين ..
المُعطي الثاني:
خروج حزب تواصل وباعتراف رسمي من موقعه السابق:
- داخل حزب التكتل حيث شاركت قياداته الحالية في إنشائه أو ل مرة  .
أو
- تابعا له باعتبار أن التكتل هو الحزب الأكثر شعبية والذي يقوده زعيم المعارضة.
المُعطي الثالث:
قبول الزعامة التقليدية للمعارضة الوطنية بالتنازل (طوعا أو كرها ) وأقصد هنا الزعيم التاريخي السيد أحمد ولد داداه (الذي أبدي استعداده لتسليم الزعامة لحزب تواصل)والسيد مسعود ولد بولخير (والذي يبدوا أنه فضل الانسحاب الهادئ من أي دور لحزبه في هذه المؤسسة ، مًفسحا المجال لخليفته السيد بيجل ولد هميد)
وإذا عدنا إلي إلى قراءة هذه المعطيات الجديدة ، فسنجد أن المعطي الأول يعني أن النظام يُخطط للضغط علي المعارضة الوطنية داخليا وإيجاد تبرير خارجي يتمثل في التصدي لخطر الإسلام السياسي القادم وربط ذلك بما يجري في مصر وسوريا والعراق وغيرها دون الالتفات إلي الديمقراطية التونسية وما يمكن أن يكون عليه حزب تواصل من اعتدال ومرونة ...وهنا لابد لهذا الحزب من الاستفادة الواعية من التجربة التونسية وهو ما لمسته في المقال الأخير لرئيس حزب تواصل الأستاذ محمد جميل منصور (تونس: الدرس الثاني)  .
أما المُعطي الثاني فهو يُنهي وصاية حزب التكتل علي قيادة تواصل (الذين تربطهم به وشائج تاريخية ،وقد خرجوا رحمه وساهموا في تأسيسه وتقلدوا مناصبه السامية) وظل الأمر بالنسبة لهم يمثل حرجا كبيرا يدفعهم للنزول في مرتبة دونه.. ومع هذا الاعتراف القانوني لايبقي أمام حزب تواصل سوي التصرف بوصفه الحزب الأول والأكثر شعبية  ، ولعل اختيار عمدة عرفات السيد الحسن ولد محمد لهذه المهمة يصب في هذا الاتجاه ، ويؤكد أن الحزب يدرك أن المعطيات السابقة لايمكن أن تحكم الواقع الجديد وأن الحزب لا بد أن يصرف من الآن بوصفه أكبر أحزاب البلاد المعارضة .وليس في ذلك أدني حرج ولا يمثل تنكرا للحزب الأم .

ويمثل المُعطي الثالث تجديدا ضروريا وطبيعيا للطبقة السياسية وهو التجديد الصحيح وليس الدعاية الرخيصة التي  يُطلقها النظام في وجه خصومه السياسيين.. إن قبول القيادات التاريخية للمعارضة الوطنية بالتنازل لجيل الشباب ليتولي قيادة سفينة النضال من أجل التغيير ليس بالأمر الجديد ؛ فقد كانوا دائما علي أتم الاستعداد لترك مواقعهم لقيادات أخري تقضي المرحلة بتوليها للمسؤولية النضالية.(حدث ذلك في عهد ولد الطايع وإبان تأسيس حزب التكتل) ، ولم يكن يعني إضعافا أو تنقيصا من دور تلك القيادات في المستقبل .
إن الزعيم الجديد للمعارضة الوطنية مطالب بانتزاع المكاسب من النظام بالوسائل الديمقراطية  وتحقيق الوئام الوطني بين الأطياف السياسية وتوحيد صف المعارضة واحترام القيادات لتاريخية وإعطاء الأهمية الكاملة للوعي المعارض وتأسيس ممارسة مؤسسية داخل الهيئة المعارضة من خلال معايير الشفافية والوعي الصحيح.
 

30. أكتوبر 2014 - 17:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا