أطل رئيس اللجنة الوطنية للمسابقات على مشاهدي قناة الساحل مساء الاثنين عند تمام الساعة العاشرة للحديث عن عمل لجنته، وطريقة تسييرها للمسابقات، وفي السياق سأله الصحفي عن مسابقة جامعة العلوم الإسلامية بلعيون التي أوصت لجنته بحجب نتائجها. لم يفاجأ السيد الرئيس بالسؤال،
بل أجاب عليه بإسهاب من سربت إليه أسئلة مسابقة شفافة ونزيهة تشرف عليها لجنته...
قد يتساءل المشاهد عن سر توقيت هذه المقابلة والغاية منها! فاللجنة نار على علم، وليست قناة تجارية خير منبر للتعريف بها، ومسابقة جامعة العلوم الإسلامية بلعيون التي أسهب الرئيس في الحديث عنها، مضى على حجب نتائجها أكثر من شهر... فما الذي حرك الرئيس إذن! لمن لا يعرف فإن رئيس اللجنة الوطنية للمسابقات هو في نفس الوقت الأمين العام للمحكمة العليا؛ فهو إذن رئيس مؤتمن. بهذه الصفة ربما علم أن المتضررين من قرار لجنته رفعوا قضية أمام القضاء الإداري يوم الجمعة الموافق24 أكتوبر 2014، فأراد، بخرجته الإعلامية مساء الاثنين الموافق 27 أكتوبر 2014 التأثير على المحكمة، وخلق رأي عام لصالح لجنته في مخالفة صريحة لما ينبغي من التحفظ على رجال القضاء، خاصة إذا كانوا طرفا في القضايا المعروضة على المحاكم...
لكن الرئيس الأمين العام حين جهد نفسه في تبرير قرار لجنته لم يكن مقنعا رغم انتقائه لنقاط معينة يعتقد أنها تعزز قراره، وإغفاله أخرى تظهر بجلاء تهافت مرتكزات قرار"حجب الحقيقة وإهدار الحقوق."
بدأ الرئيس، الأمين العام بالتقرير الذي قدمه للجنته مندوبها إلى لجنة الاكتتاب. تبرأ من المندوب، فهو "ليس عضوا في اللجنة، ولا يتخذ قرارا، وإنما يخبرنا عما شاهد..." بهذه الطريقة يقلل الرئيس الأمين العام من قيمة تقرير ممثل اللجنة رغم أنه عينها، وأذنها في لجنة الاكتتاب! أراد الرئيس، الأمين العام أن يوحي للمشاهد أن تقرير ممثل اللجنة ليس ملزما لها! ومع ذلك انتقى من التقرير ما اعتقد أنه يعزز موقفه، فقال إنه أورد "ملاحظات" لم يذكر الرئيس الأمين العام طبيعتها!!!
صدق الرئيس الأمين العام في هذه. فقد أورد مندوب اللجنة ثلاث ملاحظات على سير المسابقة..
1- تأخر شبكة التنقيط.
2- رفض اللجنة إفادات الإشراف غير المرفقة بالبحوث
3- تسريب أعمال المداولات من طرف بعض أعضاء اللجنة.
وختم بملاحظة رابعة تلخص وجهة نظره (غير ملزمة للجنة التي يمثلها!!!) في المسابقة عموما، فقال:
"4- رغم الملاحظات المتقدمة فإن المسابقة قد جرت بصورة عامة في ظروف جيدة وقد تميزت بحرص المشرفين عليها بصورة عامة على ضمان العدالة والشفافية في التعامل مع المترشحين، كما أن رئيس اللجنة قد بذل جهدا كبيرا في سبيل ضمان الانسجام بين أعمال اللجان الفرعية ومعالجة الإشكالات والتظلمات والاحتجاجات التي تأتي من هذا المرشح أو ذاك، وقد تميز إشرافه على المسابقة بقدر كبير من الجدية والمسؤولية والتحمل."
بهذه الملاحظة ختم التقرير، وهو ما يعني أن ممثل اللجنة قد انتهى إلى تقييم إيجابي لسير المسابقة لكن اللجنة التي يمثلها غير ملزمة بما ينتهي إليه!!!
ولنعد إلى الملاحظات التي أوردها ممثل اللجنة واعتمد عليها الرئيس الأمين العام ليستنتج منها ما لم يستنتجه من أوردها أصلا!
- تأخر إعلان شبكة التنقيط.
اعترف الرئيس الأمين العام بأن شبكة التنقيط موجودة مسبقا على موقع اللجنة، ولم تغير فيها لجنة الاكتتاب حرفا واحدا، وهو ما يعني أن جميع المتسابقين يتساوون في إمكانية الاطلاع عليها. أمام هذه الحقيقة يلجأ الرئيس الأمين العام إلى "النصوص" التي توصي بنشر شبكة التنقيط قبل استلام ملفات المرشحين. لكن الرئيس الأمين العام لم يفصل، كعادته حين لا يخدمه التفصيل، هذه الوصية. هل تلزم النصوص بنشر الشبكة الموجودة بشكل دائم على موقع اللجنة، وجوبا قبل استلام الملفات، أم أن الوصية من باب الاستحسان والاستئناس؟ لعل الرئيس الأمين العام يجيب على السؤال في خرجة إعلامية جديدة...
نذكر الرئيس الأمين العام أن إحدى مسابقات الاكتتاب التي لم يكن طرفا فيها، تأخرت فيها الشبكة عن استلام الملفات حولا كاملا، ولم تر اللجنة الوطنية للمسابقات أن ذلك يفقد عمل عشرات اللجان من حملة الشهادات العليا كل مصداقيته لتلغي مسابقة تقدم لها عشرات من حملة الشهادات العليا متهمة بذلك لجنة الاكتتاب بفساد الذمة وعدم الشفافية وقلة الكفاءة... ألم تكن هذه الواقعة كافية ليقيس عليها الرئيس الأمين العام فيسعه ما وسع الذين سبقوه إلى الشهادات والوظائف والإشراف. ألم يكن من اللائق بالرئيس الأمين العام أن يحترم تاريخ اللجنة التي آلت إليه رئاستها فلا ينقض ما وثقه من سبقوه؟
- الملاحظة الثانية التي أوردها ممثل اللجنة التي لا يلزمها تقريره، هي أن لجنة الاكتتاب رفضت قبول شهادات الإشراف التي لا تعززها بحوث تثبت ماديا إشراف المترشح على البحوث التي يدعي الإشراف عليها. كان حريا بالرئيس الأمين العام أن يحسب هذه الملاحظة لصالح لجنة الاكتتاب، وهو خير من يعلم أن الإفادات قد تزور بسهول، بينما يمثل إحضار البحث ضمانة صدقية الإفادة. على العكس من ذلك استخدم الرئيس الأمين العام حرص اللجنة على الحقيقة ضدها... فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
- الملاحظة الثالثة تسريب أعمال المداولات من طرف بعض أعضاء اللجنة. وهذه من عجائب السيد الرئيس الأمين العام! بهذا المنطق ينبغي إلغاء قرار لجنته هو بحجب نتائج المسابقة لأنه سرب وتم تداوله حرفيا أسبوعين قبل إعلانه، وبهذا المنطق أيضا ينبغي إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في كل من تونس وموريتانيا لأن النتائج سربت بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع! ولم نسمع من قبل أن امتحانا ألغي لأن نتيجته سربت! لأن تسريب النتيجة لا يغيرها، وإنما يبلغ عنها قبل إعلانها بشكل رسمي. ما يلغي الامتحان هو تسريب الأسئلة، وهو ما لم يحدث في الحالة التي نحن بصددها، إذ لا أسئلة أصلا إلا ما طرح حول الأسباب الحقيقية لحجب نتائج المسابقات، وهنا تكثر التسريبات التي لا بد أن السيد الرئيس الأمين العام استفاد منها لتحضير خرجته الإعلامية...
تلك هي الملاحظات المبتورة التي علل بها الرئيس الأمين العام حجب لجنته نتائج مسابقة عكفت عليها لجان فنية ذات خبرة في المجال. ينتقل الرئيس الأمين العام إلى سند أوهن من هذا حين يستشهد بما نشر في المواقع الالكترونية! هل يليق سيادة الرئيس الأمين العام بمن ينتسب للقضاء، ولو نسبا إداريا أن يستشهد في قضية معروضة على المحاكم، وهو طرف فيها، بما تنشره المواقع الالكترونية؟
نسي الرئيس الأمين العام أن يخبر مشاهديه أن لجنته استفسرت رئيس لجنة الاكتتاب حول ملاحظات ممثلها، غير الملزمة لها، وأنه زودها برد مكتوب. هذه الجزئية أغفلها الرئيس الأمين العام لأنها لا تخدم قضيته...
ولم يرد في مقابلة الرئيس الأمين العام ذكر لتظلم وصل لجنته من أي من المتنافسين في المسابقة. هذا الصمت المقصود لا بد أن يعود إلى أحد أمرين:
- لم يتظلم أحد أمام اللجنة، وفي هذه الحال لا مسوغ لحجب نتائج لم يعترض عليها أحد، وهو دليل على سلامة المسابقة وشفافيتها.
- أن يكون بعض المتنافسين قد تظلم أمام اللجنة لكن الكشف عن هوياتهم قد يجيب على الأسئلة المسربة حول الأسباب الحقيقة لحجب نتائج المسابقة.
أسئلة أخيرة للسيد الرئيس الأمين العام...
- هل جاءت خرجتكم الإعلامية بعد اطلاعكم على عريضة المحامي الذي تقدم بالطعن في توصية لجنتكم؟
- ما قولكم في أن بعض من وردت أسماؤهم في محضر اللجنة نفوا بشكل قاطع حضورهم للاجتماع، وبعضهم نفى انتسابه إلى لجنتكم أصلا!!!
- ما دمتم تتمسكون بالنصوص تمسك الظاهرية، فلم لم تسائلوها عن وضعكم الوظيفي الذي تجمعون فيه بين الأمانة العامة للمحكمة العليا ورئاسة اللجنة الوطنية للمسابقات!!!
لقد آثرنا حتى الآن عدم اللجوء إلى الإعلام احتراما لمؤسسات الدولة، وثقة مطلقة في القضاء الذي توجهنا إليه في هدوء ملتمسين إنصافنا، ومستعدين لتقبل حكمه العادل، لكن حين قرر رئيس اللجنة الوطنية للمسابقات التي نتظلم منها، والأمين العام للمحكمة العليا التي رفعنا إليها قضيتنا، أن يستخدم الإعلام، قررنا تكملة مبادرته بإنارة جوانب من الموضوع غابت في الظلام لشدة تركيز الرئيس الأمين العام الضوء على جوانب مظلمة...