لقد اسدل الستار على الملتقى المنظم من طرف وزارة التوجيه الإسلامي والتعليم الأصلي حول خارطة الطريق منذ شهر ويزيد ودون ان تظهر للعيان ملتمسات او توصيات تخالف ما تعودنا في مثل هذه المناسبات , تختتم هذه التظاهرة بما يشكل اعتراف صارخ بالفشل. رغم كثرة أولئك الذين طال ما تلهفوا
لانعقاد مثل هذا اللقاء الذي حدد لنفسه كهدف ,المشاركة في رسم إسراتيجية قطاعية من شأنها المساهمة في تضافر الجهود المبذولة في إطار القضاء على ما يسمى "مخلفات" الرق، فإن الملتقى لم يستطع للأسف المساهمة في هدم بنية الذرائع الدينية التي تستغل بمكر واجرام لتبرير والمحافظة علي هذه الظاهرة المقيتة ، علما بأنها هذه هي المناسبة الوحيدة التي يمكن ان يثبت من خلالها ان كان مثل هذه النشاطات ذا فائدة.
مرة جديدة خسر رجال ديننا(فقهاء وأئمة وشراحا وكبار مفكرين) فرصتهم في التلاقي مع التاريخ لإحداث قطيعة مع ماض غير مجيد لأنهم لم يستطيعوا مقاومة والقضاء على ثقل التقاليد المتوارثة والتي تشكل عقبة في وجه انهيار النظريات الاستعبادية المخنعة المضللة. يبدو أنه مكتوب علينا التحلي بالصبر، فوعي الضمائر الذي طالما انتظرناه ليس بالقريب.
لتكن لدينا شجاعة الاعتراف بأن تعاليم القرآن الكريم والسنة المشرفة، واللذان هما مصدر القيم الحقيقية وحقوق الإنسان لم يتم بعد إدراكهما بالشكل الكافي من لدن أعلام فقهنا الحاليين على أديم هذه الأرض حيث – كما ندعي – أنطلق الإسلام لينتشر في جميع أرجاء إفريقيا الغربية؛ والدليل على ذلك هو استماتتهم في الوقوف ضد إرادة التغيير وتحديث وتحيين القراءات ولآراء الفقهية والمواصلة قدما في منطق المناورات التبعية المستلهمة من المراجع المكتبية والفكرية البالية والفهم المغلوطة تاريخيا.
إن التنظيم الفوضوي للملتقى واختيار المحاضرين على أساس المحسوبية والزبونية العقائدية والسياسية، الشيء الذي انعكس سلبا على عروضهم التي طبعتها الرداءة ثم النتائج المنهوكة كل ذلك ساهم في التمويه والتغطية على الحقائق والحد من حظوظ بروز قراءات وتفاسير جديدة ومعاصرة أكثر تطابقا والظروف الاجتماعية الحالية.
يأخذ على الملتقى، بالإضافة إلى عجز السلطات العمومية والمحاضرين والشخصيات المرجعية الأخرى عدم جلب رجال الدين إلى الخروج من هذا للقاء بفتوى واضح وصريح يؤكد لا شرعية الممارسات الاسترقاقية الموريتانية والتي تتنافى تماما مع روح وتعاليم الإسلام الأصلية. كما أنه يأخذ أيضا على الملتقى صمته المدان إزاء التعليمات والاجتهادات المتجاوزة للأفكار المأخوذة من المدونة السوداء لحكم الأقلية المتحكمة باسم الدين والتي تجعل من خليل وابن عاشر والدسوقي وغيرهم مراجع لجأ في الماضي كما يلجأ الاستعباديون لها اليوم لتبرير ممارساتهم الإجرامية.
إن هذه الكتب على غرار مثيلاتها تنتمي إلى حقبة خلت، فهي بمثابة تأويلات وآراء ومواقف بالطبع شخصية لأن مبررها أحيانا هي المصالح حسب منطق القصر. باستثناء بعض المجموعات التي تمتهن الدين أو الظلامية والفاشية الضيقة فإن المسلمين المعاصرين إما يجهلونها أو يعيدون تأويلها لصالح إلقاء الرق.
و ما الخطبة المقززة لإمام المسجد السعودي لمرابط يوم الجمعة 25 أكتوبر 2014 والتي أكد فيها على سمع ومرأى جميع المصلين أن العبودية هي إحدى أركان الدين الإسلام وتوقيف مناقضيه بتحريض من السلطات إلا دليل على أن التأويلات الدينية المتعصبة للرق والمدفوعة بالمصالح الخاصة تأتي بمباركة من السلطة الحالية التي تضحي كثيرا للأسف بروح القانون لتحافظ على الشكل فحسب.
لقد حان وقت تمحيص ومراجعة هذه المراجع الفقهية لمدونة الرق وهو الأمر الذي يتطلب رفع النقاب الذي يعتم على الحقائق بغية مغالطة الأميين. ذلك أن الكثير يعمل جاهدا لإيهامنا بأن هذه الكتب جزء من المقدسات الدينية بشكل يجعل من القرآن و السنة الذين هما مصدر الدين الإسلامي في الصف الثاني.
إن المحاضرين والسلطات الإدارية المنظمة للملتقى أظهروا عجزا بالغا في استباق الإحداث في وقت تعددت فيه مظاهر الراديكالية والتطرف والأصولية والإساءة للمعتقدات (الكتابة المسيئة لخير البرية). إن عزم كل من رجالات الدين المحاضرين و الحكومة على الحفاظ على امتيازات الشرائح المهيمنة يمنعها من أن تكون مشرفا نزيها ومحايدا يسلم بأنه في زمن السرعة والإعلام المنفتح والمقارنة بين الأمم وصراع الحضارات الذي جعل الإسلام محط جميع الأعين وأرضية للمكائد يمكن تحقيق "إجماع" حول قضية الرق و مراجعة بعض الجوانب لبعض القوانين المرتبط بتطويع واستغلال بعض النصوص الفقهية.