بعد أن حمل الحاضر للشباب بشرى سارة، تمثلت في تقلده لوظائف سامية في الدولة –مدير ديوان الوزير الأول، وزيرة للشباب والرياضة، وزير للشؤون الإسلامية ... إلخ-، وبعد أن كان الشباب قد حظي بأمل واعد، فالتقى الرئيس، وصار ينتظر مجلسا أعلى للشباب، وصار حديث الساعة عن الشباب لا
يتوقف، ويتردد صداه في كافة وسائل الإعلام الوطنية، وبعد أن حظي باكتتابات لا بأس بها في الوظيفة العمومية، فها هو يتردد صدى حملة إعلامية موجهة ضد الشباب.
والملاحظ في الأيام المنصرمة هو وجود حملات إعفاء لشباب تم تعيينه منذ شهر، أو شهرين، لكأن وراء الشباب مطالب بالثأر لا يكل ولا يمل أصحابها، ولا يريدون للشباب أن يكون، ولا أن يحظى بفرصة، وتلك الحملات المضللة لا تقوم أفكارها على طبائع الأشياء، والأخذ بالموضوعية، فلو كانت كذلك لأعطت فرصة، ومتنفسا للشباب الجديد على الوظائف، حتى يقوم في البداية بتنزيل العمل، وبالحظوة بمكاتب، وبفهم التراكمات الموجودة في الإدارة، فليس من المنطقي أن يتحاذى التكليف مع المحاسبة مباشرة، ولذا فمن يخوض في أعراض الشباب الجدد لا يمتلك الحصافة، ولا الفهم السليم للأمور، ويقوم بتضليل العوام، ويتلاعب بعقول الخواص، فحتى الساعة لا يمكن تقييم التحولات الحاصلة في التعيينات الأخيرة، منذ تقلد ولد حدمين منصبه، فلم تمر فترة تجربة كافية لهذه الحكومة، وأغلب وزرائها بالكاد انتهى من تنزيل العمل.
وإذا كان الأمر لا يلائمه إلا التوصيف السابق في كلامنا، فإنه لا معنى لوجود حملات دعائية مغرضة، تحلل متكلة على سفاسف الأمور، وبشكل مفضوح، يريد أصحابها أن يقوموا بتقويم بناء أو عمل للتو تم الشروع في التخطيط له، وتسلم عماله المهام المنوطة بهم، إلا إذا كان المجرحون والمرجفون لهم غايات وحسابات سابقة مع الأشخاص المعينين، ومع الشباب بصفة عامة، ولا يريدون للشباب الخير، ولا أن يعيش في أجواء التفتح، والاستبشار بالحياة، والمستقبل الواعد، الذي يستحقه، وهو جدير به، ما دام هو القلب المتوقد بالحيوية والحركة، وهو المتسم بالقوة، والمغامرة، وتحدي الصعاب.
فالشباب هو وحده القادر على إحداث تغيير إيجابي، لاسيما إن كان يتصف بالمعرفة، ويتحلى بالعلوم، ويحرص على العمل والعطاء، ويواكب مسيرة وطنه فهما وتحليلا، وتعاطيا مع إرادة التقدم، وصناعة الحياة، فالشباب ليس إلا الطاقة القادرة على صنع المستحيلات في حياة الأمم، وأي تهميش للشباب هو تلاشي للمجتمع، وانهيار لاستمراريته، أو قدرته على البقاء.
وإذا كان الرئيس محمد/عبد العزيز بالكاد عين قيادات شبابية في الواجهة منذ وقت قصير جدا، فليس من المنطق السياسي، ولا من المنطق الموضوعي للأشياء أن تتعالى صيحات الناقمين على الشباب مطالبين بإقالة الأوجه الشبابية، وإبعادها عن المشهد، وإن جبن المنادين بهذا الطرح فليس من اللائق أن يختفوا وراء الإشاعات ليضللوا الرأي العام، وليسلبوا نضال الشباب أهم ما تحقق له في هذا الوطن منذ الاستقلال وحتى اليوم.
والأولى هو تشجيع الشباب على الفعالية والعمل، ومنحه فرصة أخذ مكانه المناسب في الحياة العامة، فهو رجال اليوم وطاقته، وهو شيوخ الغد وحكمتهم، والتحديات المعاصرة لا يمكن أن تقهر إلا بسواعد الشباب، لاسيما في مجتمع قاعدته العريضة من الشباب، ويكاد يكون جميعه من الشباب.
ونظرا لحالة الإجرام المتبعة منذ زمن في بلادنا، بحيث تجهض الأجيال لمصالح ضيقة، فليس من المستبعد أن تكون الحملات الموجهة ضد قيادات الشباب الموجودة في الأمام، تسهر عليها مجموعات ظلامية من شخص أو اثنين لطالما أرادا موريتانيا لهما، خالية من أهلها، وخاوية على عروشها، ومفرغة من شبابها، وأطفالها، بحيث يتمرغون على أديمها لوحدهم، ويتحسسون بطونهم المتخمة لوحدهم، ولا يعيرون الشباب أي اهتمام، ولو كانوا قادرين على الظهور أكثر لاستخدموا الغازات السامة قتلا ووأدا للشباب وطموحاته، وقتلا للطبيعة والحياة، وتلذذا بعذابات الآخرين، فلا مكان في قواميس البعض لمقولة الراحل/ الشاعر: محمود/درويش: " و أنت تنام وتحصي الكواكب .. لا تنس غيرك .. ثمة من لم يجد حيزا للمنام!".
والشباب في هذا الوطن لا يجد حيزا للسكن ولا للحياة ولا للتعيين ولا للموت حتى، ولا للتطلع لصفحات السماء، أما وقد وجد حيزا ليحظى بالقليل في بلد يستحق عليه ومنه الكثير، فيلزم تركه يتنفس الصعداء، ويؤدي عمله بعدها دون أن نتعجل الأمور، وقد أمهلنا سادتنا وكبراءنا منذ الاستقلال إلى اليوم، والنتيجة كانت محبطة للغاية.