أقدمت السلطات الموريتانية يوم الثلاثاء الماضي على اعتقال رئيس حركة "إيرا" بيرام ولد اعبيدي في خطوة يعتقد الكثيرون أنها جاءت متأخرة في توقيتها لعدة أسباب:
أولا: أنه رغم تحجج المروجين للتطرف البيرامي ومن بينهم،طبعا، الصحفي اللامع حنفي ولد دهاه الذي رآها غير مناسبة
في توقيتها لوقوعها بعد ساعات من دعوة للحوار أطلقها بيرام حدد فيها "مهلة" لدولة البيظان لإطلاق الحوار معه والقيام بخطوات من شأنها إنصاف "الأرقاء" قبل شهر ابريل 2015..رغم ذلك فإنها،كذلك، تأتي بعد ساعات قليلة من تعرض أحياء وقرى على الطريق الرابطة بين بوغي وروصو لاستفزازات عنصرية من عناصر "إيرا" الذين تحولوا تحت تخدير الدعاية العنصرية البغيضة لولد اعبيدي إلى أشخاص يمارسون العنف اللفظي والتجريح المستمر ضد إخوة الدين و الوطن "البيظان" الذين أصبحوا يشعرون بأنهم معنيون أكثر من "الإيراويين" ومن السلطة بالحفاظ على السلم الأهلي وهو ما بدا جليا في مسيرة "ميثاق لحراطين" التي شارك فيها منهم ما لا يقل عددا عن أبناء الأرقاء سابقين أو اللاحقين في موقف لافت وحريص على وحدة الوطن وتحصينها ضد الدعاية التحريضية حتى لا تولد "إيرا" من الشريحة الأخرى ردا على "إيرا" بيرام التي ذهبت في البحث عن الحرب الأهلية كل مذهب ولكنها لم توفق في مسعاه الذي لا يتمناه أحد.
لقد كذبت تصرفات "الإيراويين" التي تدل على تمسكهم بالعنف لفظا وعملا خطاب زعيمهم الذي ادعى أنهم نضالهم سلمي وكما يقال فإن القول يحتاج الفعل بينما لا يحتاج الفعل إلى قول.
ثانيا: أن ما يسميه الإيراويون نضالا ضد عنصرية "البيظان" كان فريدا في خطابه وأساليبه بشكل غير مسبوق عالميا حيث أن مكافحة "عنصرية البيظان" تقتضي،وفق منطقهم، ممارسة العنصرية البغيضة ضدهم وشيطنتهم ووصفهم بما لا يليق في حق من يفترض فيهم أنهم إخوة الوطن ما يعني أن "إيرا" إما أنها لم تقرأ تاريخ الحركات المناهضة للعنصرية و الإستعباد أو أنها تعمل وفق أجندات خارجية مرتبطة بدوائر صهيونية تسعى إلى ضرب الوحدة الوطنية.
لقد كانت خطابات بيرام ولد اعبيدي الشديدة اللهجة في شكلها ومضمونها درسا مستمرا لعامة شريحة "لحراطين" وعوامها يعلمهم في كل يوم أن من كانوا يعتقدون أنهم إخوتهم وجيرانهم وشركاءهم أعداء بالفطرة وعن سبق إصرار وأنهم بربر متوحشون كانوا يسحلون أجدادهم وينكلون بجداتهم وتصورهم كما لو كانوا عفاريتا خرجوا من صلب الشيطان ضاربا عرض الحائط بكل أواصر المحبة والدين التي مسحت كل تراكمات الماضي وأخطاءه وعمقت ما بينهم من أسباب الألفة..ورغم هذا كله صمتت الدولة وتغافلت عن ما يقوم به بيرام.. لماذا؟ الله أعلم.
وكما كان ابن الحجاج أكثر منه عنجهية عندما أمر بهدم الدور التي تمر بها جنازة أبيه فقد كان السعد ولد لوليد أكثر سفورا وأقل حياء في مهاجمة "البيظان" بأسلوب ركيك أخلاقيا يختار من قاموس الألفاظ البذيئة والكلمات الوقحة ما لا يخطر على بال أحد وتغافلت عنه الدولة وتركته يعمل ما يشاء حتى ظننا أنه وصاحبه مكلفان رسميا من طرفها بالقيام بما يقوم به..لماذا؟ الله أعلم.
مخطئ وغبي من يظن أن أيا من الرجلين (بيرام والسعد) طامح إلى "تحرير" الحراطين" من البيظان، كما يدعيان، فالأول مدفوع بالرغبة في استخدام قضية "العبودية" سلعة للمتاجرة في سوق النخاسة السياسية تجاوبا مع رغبة المنظمات الدولية المرتبطة بدوائر الإستخبارات الغربية في توريط الدول العربية في حروب داخلية تشغلها عن قضاياها المصيرية..ولقد ربح بيرام من هذه السلعة دراهم كثيرة مدت أعناقها الطويلة خلال حملته الرئاسية التي كان يتحرك فيها بإمكانيات مالية هائلة ليست قطعا من اشتراكات وتبرعات أعضاء "إيرا"..أما أخونا السعد المغاضب الذي يتقن المبالغة في إظهار تشنج الأعصاب للرئيس ولد عبد العزيز فيبدو أن صبره على تلك المغاضبة التي لم تأت بنتيجة قد نفد، ولمن لا يتذكر فالسعد انتقل من أكبر داعم لنظام ولد عبد العزيز"الإنقلابي العنصري" على حد وصفه له الآن إلى عدو شرس لا يتورع عن فعل أي شيء في سبيل إزعاجه لإرغامه على التعويض له عن سنوات الحرمان التي قضاها مغردا خارج سرب الموالاة.. ومن يدري فقد يقرر الرئيس ولد عبد العزيز اليوم أوغدا أن يعيد الروح إلى "مبادرة السعد" كي يتحول نظامه إلى نظام ديمقراطي وطني في نظر ولد لوليد.
ثالثا: أن الدولة التي كانت مسؤولة عن صناعة "مبادرة السعد" بعد انقلاب 2008 هي نفسها من صنعت بيرام وروجت له ..ولمن لا يدري فإن النظام هو من أمر مستشاري الحزب الحاكم بتزكية المرشح الرئاسي بيرام ولد اعبيدي بل إن بعض مناصري الحزب كانوا ينتظرون أمرا بالتصويت له وهو ما لا نستطيع فهمه إلا أن المراد منه إضعاف السياسيين المعتدلين من شريحة "لحراطين" وتعزيز مكانة المتطرفين والتمكين لهم لشغل الرأي في صراع مجتمعي يعتقد النظام أنه قادر على التحكم في مساراته ومآلاته دون أن ينتبه إلى مخاطره البعيدة المدى على كيان الدولة فالتغاضي عن الدعاية التحريضية من شأنه صناعة رأي عام متطرف وزرع العداوة وإثارة فتنة سياسية سيكون التحكم فيها مستحيلا.
رابعا: لقد اجتهد بيرام ولد اعبيدي في تنويع أساليبه للفت الدوائر الغربية إليه فتلقفته منظمات معروفة بعدائها للعرب والمسلمين ولكنها لم تستطع أن تمنحه الزخم المطلوب وعجزت عن الدفع به إلى مرتبة المناضل العالمي ..وهنا يبدو بيرام أقل ذكاء من فهم السبب في عدم انتشاره العالمي الذي يعود أولا وأخيرا إلى طبيعة خطابه وأسلوبه العنيف فهو لا يشبه "مانديلا" في رجاحة عقله وقدرته على ممارسة الصبر وحرصه على وحدة بلده رغم ماضي "الأبارتيد" البغيض في معاملة السود الأفارقة..وهو لا يشبه الدلاي لاما في حكمته أحرى أن يشبه المهاتما غاندي الذي واجه آلة القمع البريطاني بسلاح المقاطعة والصبر على السلم..إنه لا يشبه أيا من المناضلين الذين علق ذكرهم في أذهان الشعوب المناضلة من أجل التحرر فهو شخص انتقامي حاد الطبيعة مستعد لبيع قضيته في كل مناسبة.
لقد سعى بيرام إلى تحويل رفاقه "الإيراويين" إلى مجموعة أشرار تحمل العصي والسكاكين لممارسة الحرابة والتحرش بأبناء جلدتهم وهذا ما أقر به في خطابها الأخير عندما أقر بالحرف الواحد ب" أن الشارع أصبح يشهد احتكاكات بين أنصار إيرا وبمعارضيها وهو احتكاك يأخذ طابعا شرائحيا ينذر بما لا تحمد عقباه".
لقد انتبه لخطورة هذا التوجه الجهنمي بعض العقلاء من أمثال صديقنا المثقف السالك ولد انل والدكتور اعل ولد رافع وغيرهما من الشباب المخلصين الذين يسعون للرفع من شأن ذويهم ولكنهم حريصون على مجتمعهم ولحمته وسلمه الأهلي فغادروه مرفوعي الرؤوس ولكنهم لم يغادروا نضالهم ضد الرق والإستعباد والبحث عن العدالة التي تسع الجميع والوطن الذي يتسع للجميع بعيدا عن الإنتقام الذي لا يجلب للقضية حلا ،بينما صدقه آخرون،عن وعي أو غير وعي، فقرروا الإنخراط في لعبة التحريض الخطر كيف لا وقد سمعنا مدير حملته السعد ولد لوليد يقول أمس إنهم سيضربون "علماء البيظان الحمير" فأي منطق هذا وهل يصلح هذا الأسلوب لمن يدعي أنه مناضل؟.
إن استمرار النظام في غض الطرف عن بيرام ورفاقه الذين أصبحوا خطرا على كيان الوطن سيكون له ما بعده في القضاء على الكيانية المجتمعية في موريتانيا..لقد أصبح إخراس بيرام وتطبيق القانون فيه مطلبا مشروعا للجميع حتى لا يتسبب هذا الرجل في إشعال حريق كبير ..إن كبح جماح الرجل وميوله العدواني،ليست مسؤولية البيظان،بل مسؤولية الدولة أولا وأخيرا تماما كما هي مسؤولة عن توفير الأمن لمواطنيها وحماية السلم الأهلي الذي كان ولم يزل نعمة إلهية نحسد عليها ومن حقنا أن نشكرها لله ونسعى للحفاظ عليها حتى لا يضيع الوطن لمجرد أن فلانا أو علانا لا يعي خطورة ما يصنع عليه وعلى أعدائه الوهميين