نماذج من تأثير "التأزم الفقهي" / باب أحمد بينَ

في ما يلي- واستكمالا للموضوع الذى بدأ بالمقال الأول (تأزم الإجابة الفقهية ودوره في صناعة أزماتنا) -نسجل نقاطا ثلاثة تمثل بعضا من أبرز التأثيرات السيئة التى ساهم بها "فقهنا المتأزم "في صناعة أزماتنا الكبرى.. وهي مجرد أمثلة لهذه التأثيرات التي قد لا تكون طوعَ الحصر فى البحوث الكبيرة، أحرى سطور المقالات:

1-التطرف الديني:
يجمع الكل على إن إحدى أبرز المشكلات والأزمات التى تعانيها أمتنا هي ظاهرة "التطرف الديني " التي استقطبت تيارا عريضا من شباب المسلمين، فحولت طاقاتهم إلى عدو يستهدف أوطان المسلمين، ويشوه بالعنف- ضد الأبرياء- صورة الإسلام..!
وما من شك أن وجود هذا التيار المتطرف بهذه القوة، والنجاحِ في إمداد ذاته بكم كبير من أبناء الأمة إنما حصل بعد ما وجد هؤلاء أمامهم واقعا مريرا تعيشه أمتهم، تستباح فيه أوطانها، ويشاع فيها الظلم، ويضايق الإسلام، فلما لم يجدوا علماء راسخين وهداة راشدين يقدمون فقها واعيا، وإجابات إسلامية وسطية ناضجة، على أسئلة هذا الواقع انطلقوا من ثقافتهم المحدودة، وعواطفهم المتوقدة، ليصوغوا فكر التطرف والبغي، والدماء والأشلاء، والتكفير والتفجير.!
حتى كبدوا الأمة خسائر باهظة، وكلفوا سمعة الإسلام ضريبة غالية، نتاج صنيعهم الذى كان طبيعيا أن يوجد في ظل عوامل متعددة يظل من أبرزها تأخر وضعف صيت "الإجابة الفقهية "الراشدة.! التى كان بإمكانها أن ترشّد وتُعقل الساحة الشبابية المسلمة حتى لا تنقاد لضغط الواقع الأسود، وصوت العاطفة المفجوعة.!
2- العجزفى توفيرالبديل الإسلامي:
هناك ضعف واضح للأسف، وعجز كبير في محاولة إعادة المسلمين "شريعتهم " إلى الحياة.. حتى بالنسبة لحياة المسلمين الخاصة.. وهو عجز تساهم فيه إلى حد كبير "إشكالية التأزم" هذه..
ونظرة بسيطة إلى مناشط الحياة المختلفة تكشف عن استمرار عجز حقيقي عن توفير هذه البدائل وتقديم النظرة الإسلامية الواضحة فى ميادين بارزة في حياة الناس..
ويعطى العلامة المجدد الشيخ "بن بية" ل ذلك أمثلة، حيث يتحدث عن (وجود كثير من القضايا التى طرحها العلم الحديث وأعْيى العلماء بسبب عدم التأهب جوابُها... وأخطر من  ذلك كثير من قضايا الاقتصاد و المالية التى لم يحسم فيها الفقهاء جوابا حتى تجاوزها الواقع ,... بل وهناكمسائل أخرى لا تزال بدون بتّ فيها إلى الآن، ومع  ذلك يتعامل فيها الناس بحكم الواقع وضغطه دون أي مستند شرعي..![محاضرة فقه الواقع والمتوقع ].!
ويشير الشيخ بن بيه فى هذه النقطة إلى أن من أبرز عوامل هذه المشكلة وجود تيار فقهي يعانى من عجز في عملية "تحقيق المناط" ومن ثم يجمد هؤلاء على إحابات فقهية قديمة ويحكمون على الفقه بالعجز عن التجديد والمسايرة في كثير من المسائل والواقعات.
وهو ما دعى الشيخ للقول بضرورة إنشاء "مراصد فقهية " تستطيع أن تمكن الفقهاء والعلماء والخبراء المسلمين من جعل "الإجابة الفقهية " على الأقل حاضرة في الوقت المناسب داخل حياة المسلمين وقضاياهم الجوهرية.!
3-ضعف انتشار قيم الإسلام الكبرى، وكلياته:
الضعف الشديد في انتشار قيم الإسلام الكبرى، وكلياته، كالشورى والعدل، والوحدة، والسلم المجتمعي، والتفكير عند جماهير الأمة وشعوبها وقادتها.. وهو ما ساهم إلى حد كبير في ترسّخ ثقافة الكبت والجور عند الحكام، وعقلية الصراع الطائفي والحزبي لدى الشعوب، وعاطفة التمرد والعدوان عندالمهمشين والمطحونين، وظواهر الارتداد والمروق لدى مساحة ملحوظة من أبناء المسلمين.. وكل هذا كان من أسبابه الأساسية تضخم فقه الجزئيات، وضمور فقه الكليات،وتعاظم فقه الفرد، وتضائل فقه الأمة.
وبعد: هذه بعض من تأثيرات "التأزم الفقهي" في أوضاعنا، وتلك بعض من ملامح هذا التأزم الذي لا يمكن لأحد أن يماري فيه، ولا في نتائجه المذكورة، والتي لا تعدو أن تكون تنبيها بجزء على كل، وبعناوين على تفاصيل..! وهذا الحديث ليس بحال انتقاصا من أهل العلم، ولا هو بتهجم على طائفة أو مجموعة، بقدرما هو اعتراف بعظمة دورهم، وأساسية خطابهم فى حياة الأمة كلها، وحاجة نهضة الأمة وإصلاحها إلى مزيد من تطوير إجاباتهم الفقهية، وتفاعلاتهم الفكرية مع واقع الأمة وقضاياها..
هذا وربنا يقول الحق وهو يهدى السبيل.

18. نوفمبر 2014 - 13:50

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا