حاول الشيخ في فقرة مقاله الأولى استجاشة عواطف الموريتانيين باللعب على العقول ؛ بتخاريف يصفها شططا بالخواطر ؛ التي يقول أنها حول معوقات قيام الدولة الموريتانية ،عندما يصف الأمة بضحية الأحكام الإستبدادية الفاسدة! . ثم يواصل الشيخ تشخيصه لواقعنا المأزوم ؛ والذي نعيش فيه أسوأ حلقاته
الآن كما يقول! .. ثم يعود ويتحسر على تضييع الأمة للحقائق وإتلاف الأمانة وتفويت الفرص وعدم مراعاة الواجبات تجاه الوطن ؛ وربط فشلنا في إقامة دولة بذلك ، واستنهض بعد ذلك الضمير والإنسانية وطلب الشجاعة والتمس البلسم الشافي والترياق المعجزة ..!! ، ثم قال واحسن هنا إذ قال : إن سياسة الكذب والخداع والمغالطات والنفاق وتشويه الحقائق وردم الرأس في التراب ؛ كلها أمراض مدمرة للأمم ، ورذيلة مخزية لم تكن في أسلافنا ...! وهي التي أودت بنا إلى الارتكاس ؛وظلت تقصي كل محاولة جادة للإصلاح ..! عن أي محاولات يتحدث هذا الشيخ؟
ثم عاد بالتحامل على الشعب الموريتاني المسلم وأقصى كل مقاومته للإستعمار ؛وجعل استقلاله منحة من الحاكم الفرنسي فقط ، بل وزاد على ذلك وقال :إنها منحة تخالف رغبة غالبية الموريتانيين ، المحبذين والمصرين على البقاء تحت المظلة الاستعمارية ..! ، يقدم الشيخ بعد ذلك مجموعة من التساؤلات حول اسباب عدم قيام القدماء بمحاولة بناء دولة على هذا المنتبذ القصي معللا ذلك تارة بلعنة الجغرافيا وتارة بعدم إسعاف التاريخ وأخرى بعدم تبلور الفكرة في أذهان سادة السلاح ورموز القلم ، وطبعا أصاب في الطرح مرة وأخطأ مرارا .
ثم يأتي بعد ذلك ويقدم طرحا آخر ويستحضر نسبا ،وكما يقولون من أكثر الكلام صادف مرة صوابا ، وهنا أعترف بمنطقية بعض جزئيات فقرة من فقراته لكن ذلك لا يشفع له بالتحامل والمبالغة في التشاؤم ، المتولدان عن إقصائه من الكعكة لما حظي آخرون بقبوقه من البقرة الحلوب المسماة مجازا بموريتانيا حسب منطق الكاتب .
إن الذي طالعكم اليوم بهذا المقال الذي يحمل عنوان "السهل الممتنع" هو الذي سبق وأن عبر لكم عن مشاعره وقدم لكم أفكاره في مقالات عدة نذكر منها استئناسا لاحصرا :-"منسقية المعارضة وأذان الديك "
حيث يصف الشيخ المعارضة التي يقف في صفها اليوم بأنها تمتنع عن الجلوس للحوار ، حوار غير مشروط ولا توجد به خطوط حمراء ، حوار لإثراء الديمقراطية في أول بلد ديمقراطي عربي ! ،ثم يعود ليصب كيل الشتائم للمعارضة إذ يقول : فكم مرة نصحنا المعارضة الموريتانية بعدم المغالات والذوبان الأجوف في حامض العنتريات ، وطالبناها بالجلوس إلى طاولة الحوار الأخوي الوطني كي نبني سويا بلدنا ودولتنا في هذه الظرفية الحساسة ، ثم يعود بعد ذلك لشكرالبعض الذي لبى النداء واستجاب للحوار ، مطمئنهم أن الله لن يوترهم أعمالهم ..!
أما الآخرون فهم لا يريدون إلا خويصة انفسهم ولا يريدون إلا السلطة التي خسروها أمام صندوق الاقتراع الشفاف ، وبحضور العالم وبإدارتهم كأول معارضة عربية في التاريخ تدير العملية الانتخابية في بلدها .
بعد ذلك في الفقرة الموالية يأتي الشيخ ليقول :أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يفز في انتخابات نظمتها إدارته،بل في انتخابات نظمتها المعارضة الموريتانية نفسها .
وفي الفقرة التالية ،يقول أن الرئيس لم يتوان ولم يركن لكونه رئيسا منتخبا بأغلبية ساحقة في الشوط الأول ، فقد أمضى قرابة ثلاث سنوات وهو يدعو للحوار مع كامل الاستعداد لنتائجه! وفوق ذلك باشر تنفيذ عقده الأصلي مع الشعب الموريتاني الذي انتخبه ؛ فأطلق أكبر مسلسل مشاريع في تاريخ البلاد ، انجز خلاله في عامين مالم تنجزه الأنظمة الموريتانية مجتمعة ؛في مجالات المياه، الكهرباء،الطرق ،الصحة، الإسكان ،الاستثمار ...إلخ
500مشروع مائي في البلاد، مضاعفة البنية التحتية الصحية ، إسكان أكثر من نصف مليون موريتاني عبر توزيع الأراضي على ما يناهز 200ألف أسرة في انواكشوط وانواذيبو ، وروصو وترمسة ، وانبيكت لحواش ، والشامي ، ومثلث الأمل ، تشغيل 30ألف موريتاني ،تسليح الجيش ، أول حالة مدنية مؤمنة في تاريخ المنطقة ، تطهير موريتانيا من كتائب القاعدة والإرهاب والهجرة السرية وشبكات التهريب ، مواجهة الإرهاب في دول الجوار ، أليس هدير طائراتنا الحربية وغاراتها التي دمرت مايسمى بالملاذ الإقليمي الآمن للقاعدة في شمال مالي دليلا على أن قوة الجيش الموريتاني بعد أن أمضى الرؤساء السابقون 32سنة في تجريده من السلاح لصالح من ؟ يقول الكاتب ، ويواصل ؛شركات نقل بري وجوي ،مطارات ،مواني ، وصناديق تمويل لتشغيل الشباب ،ومدن تنبثق من الرمال، استثمارات معدنية هائلة وعلاقات دولية وإقليمية ممتازة .. حيث يجوب وزير خارجيتنا العالم من نيويورك إلى طهران وباريس .. وكان في السابق أي وزير خارجية موريتاني منذ السبعينات لايعرف إلا حدود مبنى وزارته .. سمعة دولية ممتازة وتحكيم موريتانيا ووساطتها في نزاعات إقليمية شائكة .
هكذا يعمل الرئيس ولد عبد العزيز هكذا يفكر هكذا يخطط ،وهكذا ينفذ فما الذي يريده هؤلاء "الزعماء" الخاسرون للانتخابات أعوذ بهم أن يكونوا أيضا خاسرين للضمير ..! .
إذن فما الذي تريده أنت أيها الكاتب اليوم ؟
وهل سلمت مما أصاب القوم؟
إن الذي كتب هذه الفقرات في هذا المقال وفقرات أخرى أكثروضوحا في مدح ولد عبد العزيز في مقالات منها مثالا لا حصرا :
-المنسقية وثورة الببغاوات
-الحوار وتحيين الذات
-المنسقية تحقن الخيول الخشبية
-المنسقية وأذن الديك! 2
-لماذا يتأرنب الأسد
-أفكار حول الحوار
كل هذه المقالات وغيرها حرص فيها الكاتب على ذم المعارضة وكشف عيوبها وإظهار إيجابية الرئيس ؛ وكيف استطاع بعقليته الفذة وعزيمته الفلاذية وفكره القيادي وعبقريته المطلقة أن ينشئ دولة من سراب ! دولة من ركام ، ثم تكون رائدة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
إن الذي كتب هذه المقالات بالأمس هو الذي كتب اليوم مقاله المعنون ب"السهل الممتنع" أليس من المذل لنا ومن العارالمخزي أن نحفظ عن هذا الكاتب مقولته بالأمس ثم ننخدع بعكسها اليوم حين ما تم إبعاده بسبب الفساد ؟
لماذا يكون النظام في قمة الصلاح أيام استفادة هذا الرجل ثم ينقلب بمجرد إبعاده إلى نظام رمزللفساد؟
أليس هذا بتذويب لمصلحة أمة مقابل اللهف خلف الحظ الشخصي ؟