لنعيد النظر / أحمد ولد محمدو

اعتقد أنه من المناسب لنا في موريتانيا أن يكون شهر نوفمبر فرصة لإعادة النظر في بعض جوانب إرثنا الثقافي، حيث شهد هذا الشهر قبل أكثر من خمسة عقود بداية انتقال الإنسان الموريتاني من الوبر للمدر، وحسب البعض صدمة الانتقال للحضارة، شخصيا أفضل أن تكون البداية ببعض جوانب منظومتنا 

القيمية، خصوصا في جزئها المتعلق بالجانب الحضري أو المدني، بمعنى هل قيم البداوة التي ورثنا ما زالت قادرة على مسايرة عصر المدينة الذي نعيشه، وهل بمقدورها إشباع الحاجيات التي كانت تحققها أيام الترحال " لفريك"، " أدباي"، " لكصر" ..
إذا ما اخترنا مثلا دور الفرد داخل المجموعة أو قيمته والتي يجسدها المثل الشعبي " راجل يبني حلة وحلة ما تبني راجل" أحد صورها ،  والذي يجد تطبيقه الواضح للأسف في عصرنا الحديث في العديد من أحزابنا السياسية اليوم، وبشكل أكثر حدة في هيئات مجتمعنا المدني القائمة بشكل مطلق على الفرد القائد، ترى هل فعلا ما زال حاضرنا يحتمل هذا الطرح، في ظل تراجع الحاجة للقوة التي كانت محددا أساسيا  لمكانة الفرد أو المجموعة داخل النظام الاجتماعي، بسبب شظف العيش وقسوة الحياة، لصالح الحاجة المعرفية التي أضحت معطا هاما يتيح للفرد إمكانية احتلال موقع اجتماعي مناسب.
من الجلي أن إحدى المميزات الأكبر لعصرنا الراهن هي المؤسسية والتي كرسها القانون بشكل بارز، لدرجة  أنه أعطي للمؤسسة شخصية اعتبارية توازي الشخص الطبيعي إن لم تتجاوزه في الحقوق والواجبات أحيانا، ومع ذلك هنالك من يجزم أن الأصل الذي بات هو المؤسسة ما زال بمقدور الفرد الذي هو الفرع أن ينهض به ولوحده..!!
لا يمكن أن نغمط للمبادرة الفردية حقها في الريادة على أساس أنها هي منطلق الفكرة، كما أن للعبقريات العلمية والقيادات السياسية الفذة دورها الفاعل في إنتاج الأفكار المميزة، لكن بدون احتضان المجموعة التي يفترض أنها المؤسسة في عصرنا الحاضر لهذه البذرة وتطويرها وحمايتها والسهر على تنفيذها هل كان لها أن تظهر للوجود وأن تستمر.
وحتى لا نتيه في مفاضلات مآلها أن تصبح نقاشا بيزنطيا، فإن عصر المؤسسية يستدعى أن نعطي للعمل الجماعي الذي هو ميسم العصر مكانته، لا على حساب دور الفرد الذي يمثل الجزء الذي بتجميعه عناصره تتشكل المجموعة، إنما بترشيد عمل هذا الجزء ووضعه في مكانه المناسب ضمن خيط ناظم يضمن للإبداعات الفردية دورها الهام مع ضمان تطويرها من خلال العمل الجماعي.
إن هذه المراجعة التي نريد لا تهدف فقط إلى تكريس ثقافة الرفض المطلق لقيم بدوية نعتقد أنها وضعت لزمان غير زماننا، بقدر ما نريد لها أن تبنى على أساس إعادة غربلة هذه القيم واختيار ما يمكن أن تصلح به أحوالنا، فمقابل المثل الشعبي الدارج الذي اخترناه كنموذج سابق، اعتقد أن مثلا آخر يمكن أن يكون مناسبا لعصرنا ويخدم المؤسسية التي يفرضها العصر فعندما نقول " شغل أجماعة ريش " فإننا هنا نكون قد خففنا الحمل على الأفراد دون أن نلغى دورهم، وراجعنا جزء من منظومتنا القيمية دون أن نصطدم بالنكوصيين. 
 

22. نوفمبر 2014 - 17:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا