ربما لم تكن المعارضة في موريتانيا يوما في وضع أصعب مما هي عليه الآن، فرغم محاولات توحيد الموقف – أقله في معارضة ولد عبد العزيز- سواء في إطار المنسقية، أو المنتدى، أو زعامة المعارضة، إلا أن تلك المحاولات باءت كلها بالفشل، ولم يستطع أقطاب المعارضة إخفاء خلافاتهم الداخلية،
ومعارضة بعضهم لبعض، معارضة تفوق أحيانا معارضتهم لنظام ولد عبد العزيز، ولكن لماذا تنقسم المعارضة إلى معارضات ؟، وما الذي يحول دون توحيد صف المعارضة في موريتانيا ؟؟
عادة ما يكون الجمع بين أحزاب متناقضة في الفكر، والتوجه صعبا فقط في إطار أغلبية حاكمة، أما في المعارضات فعادة ما يكون القاسم المشترك المتمثل في رفض الحكم القائم، والسعي لتغيير دافعا تنصهر بسببه أحزاب المعارضة، وأطيافها، لكن في موريتانيا يبدو " التحزب" سيد الموقف، والحرص على تسجيل نقاط وهمية، وانتصارات لا وجود لها أهم لدى أحزاب المعارضة من السعي للإطاحة بولد عبد العزيز.
يجمع معظم المراقبين للمشهد السياسي أن حزبي تكتل القوى الديمقراطة، وحزب تواصل هما أهم حزبين معارضين، الأول بتاريخه السياسي، وتجربة في المعارضة، والثاني باندفاعه، وتنظيمه، وربما تمويله، لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن هذين الحزبين يخوضان حربا باردة بينهما، لإثبات الأحقية بصفة أكثر حزب معارض شعبية، وتأثيرا، وربما إثبات ذلك أهم لديهما من معارضة النظام، من هنا قاطع التكتل ظنا منه أن جماهير المعارضة ستعزف عن صناديق الاقتراع ويظهر تأثيره، وشارك تواصل ليظهر للجميع حجمه الحقيقي.
وانتهت ملحمة الانتخابات التشريعية بإعلان كل طرف تحقيقه للنصر، فالتكتل استبشر بما وصفه مقاطعة الشعب للتصويت، وتواصل فرح بما حقق من مقاعد في البرلمان، والمجالس البلدية، لكن بدا واضحا أن الموقف من الانتخابات شكل ما يسمى ب"الانشطار العظيم" في جسم المعارضة، ولم تفلح بعده محاولات رأب الصدع، وتأهيل الجسم المعارض من جديد.
نجح إذا حزب تواصل في انتزاع " الزعامة" من التكتل، ورئيسه ولد داداه، وأصبح مرشح تواصل عمدة عرفات هو زعيم المعارضة، وانتزاع الزعامة من ولد داداه قد لا يقل أهمية لدى تواصل من انتزاع الرئاسة من ولد عبد العزيز، فزعامة المعارضة – التي فصلت أصلا على مقاس ولد داداه لأسباب معروفة- تؤول إلى تواصل، بما تعنيه من مكانة سياسية في الداخل، والخارج، ومزايا مالية، وموقع دستوري، لحزب يعتبر حديث النشأة، ومن الجيل الثالث من الأحزاب الموريتانية.
أما حزب التكتل فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق في المعارضة، وهي خاوية على عروشها، ويقول يا ليتني لم أقاطع، ويا ليتني لم أثق في رفاق تخلوا عني في أول فرصة، ويحاولون اليوم استغلالي من جديد لمصالحهم، ويبدو حزب تواصل، المنتشي بما حققه من إنجازات كبيرة غير مستعد للتماهي مع معارضة فقدت كل شيء، ولم تحقق أي شيء، وربما كان الموقف من الحوار مع الوزير الأول يحي ولد حدمين خير دليل على ذلك.
فقد سارع حزب تواصل إلى قبول التواصل مع النظام عبر وزيره الأول، في حين رفض ولد داداه مجرد الرد على المقترح، وتشكل هذه نقطة جوهرية في الخلاف بين تواصل، والتكتل، فأوساط حزب تواصل تقول: إن ما لا يدرك كله، لا يترك جله، وينبغي الحوار مع النظام، وانتزاع ما يمكن من تنازلات منه، في انتظار المزيد، والمشاركة في اللعبة القائمة، ولو على مضض، فالقطيعة ليست حلا، بينما يرى حزب التكتل أن مثل هذا النهج يشرع للنظام ما يقوم به، ويضفي عليه صبغة تشاورية، ويرى في الرفض، والمجابهة خير نهج.
وربما وقع الكثيرون في خطأ جسيم عندما اعتقدوا أن نظام ولد عبد العزيز يعطل زعامة المعارضة عن تواصل، فالنظام من مصلحته أن تؤول إلى هذا الحزب البراكماتي، الذي يقدر المصالح، وعينه على السلطة، والمنفعة، مهما كانت، بعكس التكتل الذي يقال إن رئيسه ولد داداه ينظر إلى القصر الرمادي، ومنصب رئيس الجمهورية، وما دون ذلك لا يهمه في شيء.
واقع المعارضة اليوم يجعلنا أمام ثلاث كيانات، هي أبعد ما تكون عن الانسجام في الرؤية، والتنسيق في العمل، رغم وحدة الهدف.
أولا: منتدى الديمقراطية والوحدة، هذا الكيان الوليد، الذي تعصف به خلافات قوية، أدت إلى تنحي، أو عزل رئيسه ولد باب مين، وتولي ولد داداه رئاسته، في خطوة كانت تتويجا لخلافات ظلت تحت الرماد، قبل أن تنفجر للعلن، وتعصف بهذا المنتدى.
ثانيا: زعامة المعارضة الديمقراطية، التي تعاني من غياب التمثيل، أي أن الزعيم الجديد، الشاب التواصلي يواجه السؤال المحرج: من تمثلون من المعارضة غير تواصل ؟؟! فمسعود ولد بلخير وحزبه قاطع زعامة المعارضة، ورفض المشاركة فيها، وولد داده أيضا لا يعترف أصلا بالانتخابات التي أهلت تواصل لهذه الزعامة، وحتى بيجل ولد هميد حضر على استحياء، مدفوعا ربما بمصالحه مع النظام.
ثالثا: منسقية المعارضة، وهي الإطار القديم للمعارضة، ذلك الإطار الذي يبدو أنه شاخ، وتجاوزته الأحداث، واستنفد عمره الافتراضي في مسيرات الرحيل، وجولات الطواف بين المسجدين، المغربي، وابن عباس.
فأين تتجه بوصلة المعارضة في موريتانيا ؟ ولماذا تم تجميد أي فعل معارض للنظام، لم نعد نسمع عن التحضير لمسيرة، أو مهرجان للمعارضة، ولا حتى مؤتمر صحفي، واكتفى الجميع ببيانات متفرقة، تعكس من التنافر بين أقطاب المعارضة، أكثر مما تحمل من معارضة النظام.
إذا... زعمت المعارضة أن ستسقط عزيزا.. أبشر بطول بقاء يا عزيز، واقع المعارضة هذا جعل النظام يستمتع بالتفرج على خلافات المعارضة، وصراعات أقطابها، بدل الاضطرار لمواجهتها، فالنظام يلعب، والمعارضة في سياق الموت السياسي، ما يشي بأن المأمورية الثانية لولد عبد العزيز ستكون هادئة جدا، بعكس المأمورية الأولى، التي ملأتها المعارضة ضجيجا، وصخبا، دون نتائج على الواقع.