اختلَفَ الشيئان: أ- لم يتَّفِقا. ب- لم يَتَسَاوَيَا. والاختلاف- بصفة عامة- موجود منذ الأزل وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها. وإذا كان الاختلاف واقعا ملموسا في مجتمعنا، على مستوى اللسان واللون، فهو عامل قوة وليس عامل ضعف. ثمّ إن الاختلاف آية من آيات الله تعالى في هذا الكون
:(وَمِن آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَانِكُمْ)22/ الروم.
وما يطفو على السطح في هذه الأيام من اختلاف في وجهات النظر، وما يُعرَض على الناس من آراء مختلفة، في وسائل الإعلام، يُعَدّ ظاهرة صحية بشرط أن يُدَارَ بذكاء، عن طريق قرْع الحُجَّة بالحُجَّة- بالحكمة والموعظة الحسنة. وبشرط أن يُدرِك أصحاب وجهات النظر المختلفة الفرق بين الدوْلة، ومن يَتَوَلَّوْن تسيير شؤون الدولة لفترة محددة. وبعبارة أخرى، فإنّ الدولة هي: الأرض والسكان والسلطة، ولا يجوز- بأيّ حال من الأحوال- أن يصل الاختلاف في وجهات النظر إلى محاولة تدمير الدولة، بمكوناتها المذكورة، أو إلى زعزعة أمنها واستقرارها. ففي ذلك تدمير للأرض وللسكان، وهما عنصران أهم من العنصر الثالث(السلطة). وتدمير الأرض والشعب يتضمن تدمير السلطة كذلك، وما يترتب على غياب السلطة من فوضى قد تؤدي-لا قدر الله- إلى فتنة. وفي ذلك تدمير لنا جميعا لأننا نركب سفينة واحدة، ولا يجوز أن نسمح لأحد بإحداث ثقب في جِدارها يجعل الماء يتسرب إلى داخلها فتغرق ونغرق معها. بمعنى أنّ الاختلاف داخل المحافظة على الدولة شيء محمود ومرغوب فيه، واختلاف خارج هذا الإطار أمر خطير ومرفوض. ثمّ إنّ هذا الاختلاف يجب أن يكون حول الوسائل والإجراءات وليس حول الأهداف المنشودة. ومن المفروض أن يكون الهدف واحد، وإن تعددت الوسائل. ويتجسد هدفنا في المحافظة على المكاسب الوطنية والبناء عليها وتنميتها وتطويرها، بغية النهوض بوطننا- الغالي علينا جميعا- والعمل من أجل ازدهاره وإحلاله المكانة اللائقة به بين الأمم المتقدمة. ولا بد هنا من الإشارة إلى أنّ الاختلاف المذموم هو الاختلاف الذي يؤدّي إلى الخِلاف الذي هو بمعنى النزاع وما قد يترتب عليه من إثارة للنعرات العِرقية والفئوية، وما يتمخض عن ذلك من خلخلة للحمة الاجتماعية ومسّ بالوحدة الوطنية. وهنا يكمن الفرق-في هذه الجزئية على الأقل- بين الخِلاف والاختلاف. فالاختلاف سنة الحياة، بينما الخلاف-بمعنى النزاع/ الخصومة- من أهم عوامل الفشل وزوال الدولة. وقد ورد ذلك في قوله تعالى:( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)47/ الأنفال. والمقصود بالريح هنا: النصر والدولة. وينبغي أن يكون واضحا، في هذا الإطار، أنّ ضعف الدولة بمفهومها العام(أرض وشعب وسلطة)، ليس في مصلحة أحد. ومن ثمّ، فإنّ التجاذبات السياسية وتصارع الأحزاب فيما بينها(خاصة بين الموالاة والمعارضة، بأطيافها المختلفة)، يجب أن لا يخرج عن هذا الإطار. ثمَّ إنّ التطرف- قَوْلًا أو فِعْلًا- عاقبته وخيمة ولا يصبّ في مصلحة أحد. فالتطرف يُولِّد التطرف، والعنف يولد العنف. وما دخل اللين أمرا إلّا زانَه وما دخل العنف شيئا إلّا شَانَه. فلنتصرف تصرف العقلاء/ الحكماء ، ولنحافظ على سلامة هذا المركَب(الوطن) الذي يضمنا/ يحملنا جميعًا، من أجل الوصول به إلى بر الأمان...في هذا الظرف الدقيق الذي يشهد أعاصير هوجاء تجتاح العديد من أجزاء المعمورة، مخلفة الدمار والخراب. حَفِظ الله بلادَنا من الشرور والفِتن ما ظهر منها وما بطن.