لديّ حلم .. على خطى مارتن لوثر كين .. ومن معين ما تزاحم فيه من قهر وظلم واستبداد .. ومن نفس المشكاة التي كانت تصدر منها فلسفته التحررية .. ومن وضع تكاثر بالفتن وهُدم فيه النسيج الجامع لهذا البناء الوطني .. لديّ حلم .. بأن تصبح الأرض ملأى سلاما ويصبح العدل ديدن مشوارنا التنموي
الذي تجاهلناه نحو صراع أضيق وأكثر سلبية من مما هو واجب علينا وطينا .. ، فأصبحنا تحت الخلاف يلوم بعضنا بعض ويحاسب بعضنا بعض وينتقم ذوي النفوس المريضة من أفراد لم يكونوا في الوجود أيام عُبد قوم وحرر آخرون ، وأن تسير الأمور بالعدل والمسؤولية والعقلانية في دولتنا الفتية و المنهكة من ضربات أبناءها وأطماعهم الفاسدة التي لا تتلاءم ومشروع بناء الدولة الوطنية .. لديّ حلم .. أن تنزع الفوارق والعُقد وأن تتحقق الآمال وأن لا يكون المحركون لأمرنا حاجزا دون استمرار الدولة الموريتانية ، وأن يتركوا لخلفائهم ما يشكروهم عليه .
فوضع دولتنا السياسي يشير إلى أن ثمة أمراضا وعُقدا وصراعا من أجل المصالح والنفوذ ، في مركز القرار ، فلم تعد ثمة جهة قابلة لوضع معين حتى ولو كانت هي التي صنعت وضعها ذلك الذي تتهرب منه ، والتوازي في ظل هذا الوضع بين مكونات المجتمع وتقسيم الأدوار الذي يقتضي السير بخطى معتدلة نحو التقدم أو الهدف الكلي المصادق والمتعارف عليه يبدو مستحيلا ، فالحاجة التي تدفع المجتمع إلى صنع طبقة برجوازية هي الحاجة التي تقضي صنع طبقية بلوريتارية أو عمالية ، وكذلك نفس الحاجة التي تقضي صنع طبقة متوسطة بين الاثنتين ، وليس بالضرورة أن يحدث ذلك بالقصد وإنما بالتلقائية يحدث ويتحرك وتبقى المجالات مفتوحة لكل طبقة ويتحكم في ذلك وضع العمل وطبيعة الدخل كما هو معلوم .
لكن أزمتنا الوطنية تحدث من جانب آخر ، ومن يحرك ذلك ليس آبها بطبيعة تلك الحركية الحتمية شيئنا أم أبينا ، وسواء كان المجتمع بدائيا أم حضريا ، ويرجع أسباب ذلك إلى البعد الشرائحي أو العرقي ، فظهرت نتيجة لذلك حركات تحررية تحاول التحرر من واقع مفقود وهدفها غير معلن ولا يتشكل إلا من ما يبدر من أصحابه حسب المواقف والآراء كحركة " إيرا" مثلا وحركات حقوقية أخرى ، ,اقرب مجال يمكن أن يصنفها المتمعن فيه هو التطرف لا النضال وآمل أن لا يتبع ذلك اتجاه آخر يسير على خطى كلام ولد أحمد عيشة فيزداد الطين بلة وتتراكم الأمور.
والحقيقة أن السلم الاجتماعي لشريحة لحراطين كان مفتوحا ولم تكن مهمشة وكان العبد إذا تحرر وحصل على رتب يمكن من خلالها أن يتحول من طبقة إلى أخرى ، مثل محمود مسومه ، وغيره كثير ، عكس شريحة "لمعلمين التي يضعها المجتمع في قفص ضيق ولا تتنقل فيه أو عنه مطلقا ولا ينتظر منها غير الطرافة وقلة العهد، وإذا ما نطر المرء لمسألة العبودية يجد أن شريحة "لحراطين "كان منهم من يمارس العبودية على أبناء جلدته .
لذلك يجب في مشاور البحث عن أسباب إزالة العقد ولا أقول تحريم العبودية لأنها محرمة وغير موجودة ، وإلا لكان عُلم الناس أن حركة "إيرا "حررت عبيدا كانوا تحت الرق ، الوقوف على تاريخ المشكلة ، والغريب أن العبودية لم تظهر في المنطقة إلا بالتزامن مع ظهور التجارة الأطلسية ، حيث كان رجال البيضان يسوقون الأفارقة السود ويبيعوهم لهم ، ولذلك يتبن أن الظاهرة لم تكن وليدة الحاجة الداخلية لها ,إنما كانت هناك ظروف خارجية تُنتجها ودور البيضان كان الاستفادة من تلك الظروف .
وفي الحديث عن الوقت الراهن لا يوجد مبرر لإدعاء الحقوقيين تواجد العبودية في المنطقة لأن ذلك مخالف للواقع ولا يعدو كونه محاولة لأشخاص من اجل لفت الانتباه والشهرة والدعم الخارجي لا أكثر ، فالتلاميذ متساوون في المدرسة والتعليم مفتوح أمام الجميع وكذلك جميع المؤسسات الاجتماعية والصحية ، وما يوجد في موريتانيا تهميش اجتماعي لا أكثر ولا أقل وكل حديث عن غير ذلك هو ضرب من الهوى .
وكون الناس أو بعض الأفراد رافضة لهذا الوضع ولا تقبل بوجود طبقة عمالية هذا يتنافى مع الحتمية الطبيعة للاجتماع البشري ، ولا يمكن للناس أن تتسلق كلها مناصب القرار ، فالمجال ينبغي ان يكون مفتوحا ، لكن الدخول فيه والتحول من وضع على وضع ومن طبقة اجتماعية على أخرى ينبغي ان يكون بالإمكان ومفتوحا على حسب الطاقات والهمم التي تنتج من الأفراد الراغبة في تغيير أنفسهم ، ولا ينبغي أن تقاس أسباب التحول إلا بالوضع المادي مما يحتم إبعاد الجانب الوراثي في ذلك.