إخوتي سأغرد كعادتي خارج سربكم الديمقراطي، فاحتملوني إن كنتم تؤمنون بحرية الرأي.. سأدوس على ديمقراطيتكم بقدمي، وأبصق على حرياتها بفمي، وأدعو للرئيس الملهم الذي قد لا يكون أصلا ملهما، بطول العمر، وبولاية ثالثة ورابعة إلى ما شاء الله!! هربا من فتنة هذه الديمقراطية التي تحفر في
أصل سد قيمنا كما حفر الجرذ في أصل سد مأرب، وتسبب في خراب مملكة سبأ بذنوب أهلها..
سألتُ الكواهِنَ (وهن خواطري): هل في هذه الديمقراطية من بأس؟ قلن: "أجل، إن فيها الويل، وما لك فيه من قَيْل، وإن الويل فيما يجيء به السيل!" (القيل: من قال قيْلا، أي نام القائلة)..
فألقيت نفسي عن مقعد حاسوبي: وقلت: ما علامة ذلك؟ قلن: "اذهب إلى السدْ، فإذا رأيت بيراما يُكثر بيديه فيه الحَفْر، وبَيْرَانًا يُقلب برجليه الصخر، وجميلا يفتت بوسطيته الحَجَرْ، فاعلم أنْ غَمَرَ الغَمْرْ، وأن وقع الأمر"..
قلت: ما علامة ذلك؟ قلن: "حرية ينعق بها الغربان، يُتَّهَمُ بها غير الخوان، ويوصف فيها الرئيس بأنه جبان، ويُهدم بها ركن الدين وهو متين البنيان"..
قلت: "وهل لذلك من آثار؟ قلن: "نعم، والذي خلق النور والظلماء، مُظاهراتٌ تتحدى الرَّمضاء، ولافتاتٌ تَرفعُ رايةَ البأساء، وصُراخٌ أمام القصر للتعساء" (الرَّمَضُ والرَّمْضاءُ شِدّةُ الحَرّ، والبأساء: الحرب والمشقة)..
قلت: فهل من ذلك نجاة؟ قلن: "نعم، والذي خلق النصراني والمسلم، عودة إلى الدين تَعُم، وتسليم للرئيس وإن ظَلَمْ، وحُبٌ لأخيك في الإسلامِ قدْ عُلِم"..
(القصة مقتبسة من قصة سيل العرم وتحذير الكاهنة طريفة الخير للملك عمرو بن عامر الذي كان أول الخارجين من اليمن فرارا من السيل المذكور في القرآن، يمكنك قراءتها في مدونتي أكاديمية الملخصات)..
أيها الإخوة، هل ندفع اليوم ثمن أخطائنا وذنوبنا ككل المبتعدين عن طريق الفطرة السليمة، وعن أسس هذا الدين العظيم الذي لولاه لما حوربنا من قِبل جيوش الكفار، كما هو الحال اليوم.. هل تخلينا عن الشرع الإلهي لصالح قوانين الديمقراطية الوضعية التي لا تؤمن بقيم ولا دين، ولا تحتكم إلى أعدل الحاكمين، بل تجعل الحكم للشعب، الذي من حقه عندها أن يكون ممثلا بأفراد في مؤسساتها التشريعية، قد يكونون من غير العدول، يبدلون حكم رب العالمين بجلد الزاني، بالسجن، وحكمه بالقصاص بالحبس المؤبد، وحكمه بمنع شرب الخمر بحرية ذلك، وحكمه بتفضيل الذكر على الأنثى في الميراث بالمساواة بينهما! فإذا لم تكن الديمقراطية كفرية بهذا، فبماذا تكون؟
هل ندفع اليوم ثمن ذنوبنا المتكاثرة كما دفع أهل سبأ ثمن ذنوبهم الغابرة – كل ما أصاب الناس هو بسبب ما كسبت أيديهم -، هل ظهور هذه الدعوات الشاذة إلى محاكمة الناس، ومحاكمة دينهم، ورؤسائهم، وتسفيه خيارهم، بسبب ابتعادنا عن الصراط المستقيم؟
أين أخلاق الإسلام، ومنها ستر المسلمين، من دعوات تتعالى يوما بعد يوم، تخرج من بعض الناقمين والمغردين الذين لا سلطة لهم حتى على أهوائهم، ولا على حواسيبهم المخترقة، يسعون إلى إسقاط أنظمة بأكملها، ويريدون بالغباء الديمقراطي البغيض أن تجيبهم الدولة المحتقرة ب"سليمة، سلمية" كما يتصايحون!، غير مبالين ببلبلة استقرار وأمن دولتهم التي جمعت بالهيبة وحدها ما لا يمكن للحوار ولا للتوافق الديمقراطي أن يجمعه، يريدون إرغامها على تطبيق الشعارات الجوفاء التي تُمْليها عليهم الديمقراطية التي لا صلاح فيها ولا خير، تحولت كل جماعة أو منظمة إلى دولة داخل الدولة، على الدولة أن تخشاها، وأن تتستر على دعارتها الفكرية والعملية إن كانت تحترم القوادة الكبرى "الديمقراطية" ومن يقف خلفها من المثليين..
انخدع كثير من الناس في ظل موجة التحرر هذه، بمظاهر الحضارة الغربية البراقة الزائفة التي لا أساس لها من الدين، ولا من الأخلاق، فكان منا من ظن أن النصراني مثالا أعلى يصح الإقتداء به، متناسيا أن حرية ذلك المسكين لعنة عليه قبل أن تكون علينا، فهو أولا يكره رب العالمين وخير المرسلين لكفره بهما، أو على الأقل يسخر منهما في مجالسه، والقرآن ينهانا عن الجلوس إلى من يفعل ذلك علنا – لا إليه إن لم يفعله، فالإسلام لا يعتدي ولا يظلم -، فكيف بموالاته، والإستنصار به على المسلمين وإن ظلموا؟ كما يفعل بعض المخربين بحجة الحقوق التعيسة..
ثم إن حرية ذلك الغربي خطيرة، فهي مرتبطة بمصالحه الأنانية، تبيح فعل كل شيء – ومنه الظلم - من أجل تحقيق منافعه، وتدفعه إلى رمي أبنائه البالغين ووالديه في الشارع، وذلك ليس من حقنا ولله الحمد، فديننا يضبط حرياتنا، والله يأمرنا بالإنفاق على ما يقارب العشرة أصناف من المحتاجين أولهم الوالدين والأقربين..
ومن حقه أن يزني متى شاء، وأين ما شاء، ومن حقه أن يعربد في الشوارع دون مؤنب، ومن حقها، أي ابنته وأخته وأمه، أن تزني بمن تشاء، وأن تعيش لشهواتها وحدها..
يَحْكِي أحد المغتربين المسلمين الذين عاشوا في الغرب أنه وجد يوما مع ولده فتاة من القوم فسأله عنها، فاخبره بأنها صديقته – ومعنى الصداقة عندهم مثل الزواج -، فأنبه وانتهره بشدة، ونهاه عن العودة إلى مثل ذلك، لكنه وجده معها مرة أخرى، فما كان منه إلا أن ضربه، ثم غادر إلى عمله، وعند عودته شاهد أمام منزله الكثير من سيارات الإسعاف والشرطة، فهُرِع إليه وقد كاد قلبه يطير فرقا (خوفا) على أسرته الصغيرة الحبيبة، فإذا بالشرطة متربصة به، فأخذوه إلى القاضي الذي حكم عليه دون أدنى تفهم لعاداته وأخلاقه ودينه، بالسجن ثلاث سنين بسبب ذلك! لم يزره أحد من أسرته خلالها، وعندما خرج علم أنهم رحلوا إلى وجهة غير معلومة، فحُرِم منهم! فهذه بعض أخلاقهم التي يحبها بعضنا للأسف..
أصبحت الثرثرة علامة من علامات الرقي والفهم الصحيح، فثرثر السياسيون، وثرثر المغردون والناعقون بمصالح البلد الديمقراطية، حتى انخدع بعض الدعاة، فصرت لا ترى في حساباتهم غير "أنشر تؤجر"، "ادع أصدقائك إلى الإعجاب الزائف".. حتى صار بعضهم يحيك كلامه بمغزل الغباء، وهو يظن أنه يغرد بخير، فمنهم من فسر القرآن بخواطره العمياء، ومنهم من حرف الدين بفلسفته الظلماء، ومنهم من قد يتحدث حتى عن دبيب القملة في سرواله، ويحصد بذلك آلاف الإعجابات والتعليقات! فأي سخف هذا الذي أصبحنا نعيشه..
المهم في كل ذلك هو أن يرتفع عدد المعلقين والمعجبين إلى أعلى نسبة ممكنة، حتى صارت الكتابة في تلك المواقع الإجتماعية من اجل الحصول على شارات الإعجاب وحدها! فإذا أردت محاورة بعضهم، ترفع عن جوابك، كأن كلامه ليس محلا للنقاش! بل محل لإعجابات المراهقين والفارغين وحدهم..
وهذا من تفاهة الديمقراطية وتوابع عصرها الجديدة التي تزعم أنها تؤسس للحرية!، وهي مشئومة في حقيقتها، فالوقت يمضي في التغريد كالبلبل المعتوه، والإعجاب بالنعيق والزعيق، وقراءة عبارات العنصرية المقيتة الني تسود القلوب، والدعوة إلى المظاهرات، والحشد من أجل فضح المسلمين، وتتبع عوراتهم دون الخوف من أن يفضحهم الله، لأنهم لم يعودوا يجدون وقتا لدراسة أحكام دينه، فكثر اللغط وقلت البركة..
والذي أريد قوله، هو أن التحضر الغربي في كثير من مظاهره المتعلقة بوقت المؤمن - وهو رأس ماله - ليس سوى بالونات جوفاء، هذا دون حساب سلبياته الحقيقية، التي منها إحلال الديمقراطية محل الدين، وإفساده بقوانينها الشاذة، وغسل أدمغة المسلمين، وتحويلهم إلى غربيين، وتجريدهم شيئا فشيئا من لغتهم وقيمهم ودينهم، أما في جانب الإنترنت، وهو من أهم مخترعات القوم، فإن خطر الإدمان على أشكال الزانيات المعلنات للزنا، بل المصورات له، وتتبع لقطاتهن الفاضحة الممرِضة، واستبدال العفة والكرامة والزوجة بوهمهن، يظل قائما، بل الأدهى من ذلك أن طفلا في عمر الخمس سنين قد يعرف اليوم ما لم يعرفه أبوه في سن الثلاثين.. هذه الحضارة الغربية خطر - في معظمها - على القيم والدين، ومآل المسلم الذي لم يُوجد في هذه الحياة المرحلية إلا لعبادة ربه، بل هي خطر على الأمن والإستقرار، وإن لم يتم تقيدها بقوانينها على الأقل، فلنا الويل منها، والمخول له تشكريفها ليس المعارضة المغترة بأوهامها، ولا المنظمات السخيفة التابعة لأصحابها، ولا المغردون بالحقوق والعقوق، بل الدولة وحدها، هي القادرة على حجب مواقع الإنترنت الخليعة – وهذه ضرورة-، وحجب المنظمات الخليعة، ودعاة السوء والفتنة، وهي معركة بقاء بالنسبة لها ولنا، إما أن تنتصر فيها، وإما أن نضيع جميعا..
وإذا انتقدتُ حضارة الغرب، فهذا لا يعني أنهم لم يتميزوا في أمور أخرى، لكن سلبياتهم وظلمهم وشؤم كفرهم علينا وعليهم، يجعل كل ذلك هباء منثورا، فهم عاجزون عن بناء الإنسان الفاضل، فلا قيمة إذن لكل ما نجحوا في بنيانه من دونه، فلا أحد يطالب طائرة أو حاسوبا أو هاتفا محمولا بأن يكون فاضلا!، والإنسان الفقير الفاضل الحامد لربه في "جدر المحقن" خير من أغنى أغنيائهم، بدليل واقعهم المزري الذي دفع بالكثيرين منهم رغم الغنى والزنا وشرب الخمر، إلى وضع حد لحياتهم، والأمثلة أكثر من أن تحصى، ولعل آخرها – ولا آخر لها – ممثل الكوميديا الأمريكي الشهير روبن ويليامز..
ضاعت أعمار الناس في الهباء، أصبح المسلم يمضى الساعات الطوال أمام نشرات الجزيرة السياسة المملة، وحوارات القنوات الوطنية السياسية السخيفة، وأمام مواقع الإنترنت وعهره، لا يقرا كتابا ولا قرآنا، ولا يصلي نافلة، ولا يصل رحما، بل جل وقته في مقارنة هذا الموديل من الهواتف وهذا، وتتبع الناعقين، والأخبار المفبركة التي لا هدف لها إلا ضياع أمته، والرد على البلبل الحيران الذي غرد بالسخافة مبدئيا رأيا له أهله من غيره، والراحة من كل ذلك كانت في السابق نعمة ورحمة وبركة، وقربا من الفطرة السلمية..
وتكفي برامج الأندروييد الخفيفة وحدها للذهاب بكل الوقت، فكل تطبيق منها إذا كان مميزا تذهب قراءة تعليماته وحدها بالوقت كله، فما بالك بالفوتوشوب والدريمويفر وبرامج التصميم والفيديو وصنع البرامج والتجسس، وغيرها، مما يسعى الجميع إلى تضييع وقته في إتقانه، وكان ذلك في السابق – زمن الحواسيب المتخلفة والإنترنت البطيئة – مقتصرا على خبراء المعلوماتية الذي يأكلون رزقهم منها، أما اليوم فكل الناس مدعوون إلى الإجتهاد وإتقان ما يذهب بزهرة أعمارهم دون نتيجة ملموسة..
وتأمل في قلب المفاهيم، وإحلال الأدنى محل الأهم، فالموهوب اليوم هو من يكتب شعرا أو قصة، والمبدع هو من يخرج فلما عن المخمورين والزناة، أو يكتب رواية عنهم، والمفكر هو من ينضم إلى أصحاب المشأمة (اليسار)، ويفرغ ما في بطنه من أخلاط الفكر على صفحة الدين النقية، ساخرا تارة، ومنتقصا تارة أخرى..
أصبح الوقت خادعا، والمعرفة خادعة، وأصبح بإمكان التافه أن يربح من تفاهته إذا اجتهد في الباطل، ومد ناصيته فيه، وفعل ما لا يعود نفعه عليه ولا على غيره في الدنيا والآخرة (والمتبرم أكبر مثال على ذلك)..
أصبح السكن في مقرات الأحزاب، والتودد إلى السياسيين الكبار (وحقيقة الأمر أنهم صغار)، وإلى الرئيس والوزير والمدير، والتغريد، والتدوين السخيف الذي بلا فائدة ترجى، راحة لكل تعيس ملبوس بشياطين الإنس والجن، يريد أن يحقق شيئا، وما أتفهه ذلك الشيء وإن أوقد به تحت القدور..
انزوى العلماء في ظل هذا النعيق المتصاعد لأنه أقوى وأكثر حدة من أصواتهم التي أخرستها مجاملة أهل البدع، حتى ظن بعض الناعقين أن بإمكانه الإعتراض عليهم، بل سبهم في مساجدهم لأنه حقوقي ديمقراطي ينادي بالحقوق والعقوق! وحاول بعض الدعاة خصوصا من الإخوان مجاراة سيل الجقوق زالخروج والتغريد والربح منه، فوافقوا المتظاهرين الديمقراطيين على سلمية مظاهراتهم التي لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون سلمية لو كانوا يعقلون، لأن الخروج على الحاكم المتحكم في الدولة والجيش لا يمكن أن يمر بسلام، وفيه تهديد لأمن البلد بأكمله – كما رأينا في بعض الدول -، والرسول صلى الله عليه وسلم لبغضه لهذه الطائفة أمر بقتل أصحابها قتلا، ووصفهم بأنهم كلاب النار..
وأقول هنا – واستغفر الله إن كنت مخطئا -: لاحظ يا أخي أنهم ينبحون جميعا، فالأوائل نبحوا بفهم القرآن أكثر من الصحابة، وبتطبيق شرع الله أكثر من الخلفاء الراشدون، وبالتحاكم إلى الله أكثر من الصالحين، وبالحقد على المنبوح كما يفعل الكلاب، وهؤلاء نبحوا في المظاهرات بعكس ذلك، نبحوا بالقوانين الديمقراطية السخيفة، والحريات المزعومة، والحقوق الوهمية التي غرهم بها الغرب الذي لا يراعي حقوقا ولا حرمة ولا حياة..
وافق "الإخوان السياسيون" المتظاهرين لأن الإخوان هم أصل الخوارج في هذا العصر (هم أصل القول بالحاكمية فيه)، خرجوا على حكامهم، وأقاموا دولة سرية تتحين الفرص للإنقضاض على الدولة الحقيقية، ولم يسلموا بالأمر الواقع، وبالقدر ومنه بمرحلة الحاكم الزائل، إما بالموت أو بغيره من الآفات، والحكام ليسوا واحدا، فمنهم من يُتهم بالدكتاتورية والدموية لكنك تجد له مواقف مشرفة في نصرة الإسلام، وهذا مشاهد في التاريخ (وهو إلى الله، إن اتقى فله ولنا، وإن جار أخذه الله إن شاء، أو تركه عقابا لنا – كما تكونون يول عليكم)..
أما المغردون من الإخوان وغيرهم من أشباه المفكرين، فقم بالتعليق على كلام أي واحد منهم، ولن يجيبك بحرف، أولا لكثرة التافهين المعلقين عليه من المراهقين وغيرهم، وثانيا لأن هدفه هو أن يُسمع لا أن يَسمع، مما يدل على أن فوائد هذا التغريد ككل فوائد الحضارة الغربية قليلة..
ولاحظ هذا التعالي في أصحاب البدع والضلالات كلهم، يتعالون على مخالفهم ويصفونه بالجهل لأنهم يعرفون أنه يغلبهم بالحجة، فيمنعون أتباعهم من الإنصات له، ويحذرونهم منه، وهذه علامة أهل الباطل جميعا، كذلك أشباه المفكرين عندما يحاول المرء النصح لهم، يخشون من الدخول معه في حوارات قد تبين عثراتهم، خصوصا إذا كان من أهل الحق المتمكنين كالعلماء وطلبة العلم..
واليوم يدعو بعض المغترين بوهم التدوين والتغريد والحريات والرقابة على أعراض الناس، إلى تشكيل جماعة للتشهير برجل من المسلمين (ولد بايه) ظهر في فيديو زعم فيه أن يملك راتبا من الدولة يبلغ بضع مليارات.. تفرجت على الفيديو فإذا رجل يتحدث ببساطة دون حساب لكلماته، مفتخرا بما أصاب، مؤكدا أنها نسبة معروفة تعطيها الدولة لمستحقها..
فهل من الصواب أنه كلما ظهر ما تصنفه جماعة ما على أنه فساد، قام أقوام برفع راية "إرغام الدولة على تصحيحه بالتحزبات والتكتلات والمظاهرات، ولعياط"، محاولين "تغيير ما يرونه منكرا بنظرهم القاصر ، وهم ليسوا من أهل الحل والعقد"، كفكرة الضغط على الدولة لمعاقبة المفسدين في أنظارهم - وما أدراهم أنهم مفسدون، وما أدرانا أن ما يمنع الداعي إلى معاقبتهم من الفساد هو العجز لا غيره..
وقبلها ظهرت فكرة المتبرم، وهي الضغط على الدولة للقبض على المستعبدين الذين إن سلمنا بوجودهم، فليس للمتبرم حق ولا سلطة القبض عليهم، أو حتى الإقتراب من منازلهم وإزعاجهم، وإلا فلا وجود للدولة! وهذا تعرفه المنظمات الغربية التي تشجعه على باطله، لأن الغرب هو أول من يعرف أهمية القانون ويحترمه، بل ما سنه إلا لتفادي إزعاج الناس بعضهم لبعض ومعاقبة المخطئين، فبأي حق يعتصم المتبرم أمام منازل الناس، ويتهمهم باستعباد الناس؟ ألا يكفي تبليغه عن الأمر، أم أن الواقع هو أنه دولة بذيئة داخل الدولة، يطبق القانون بيده في حال تقاعس الدولة! فأي سخف وجهل وغباء هذا؟..
إذا كان الشرع لا يتيح تغيير المنكر إلا للقادر عليه، وهو الحاكم ومن معه، مهما كان، تفاديا للفتنة والفوضى، لم يحدد معايير لابد من توفرها في الحاكم لعلمه بأن من سنة الحياة التغلب بالظلم وغيره، فتجاوز هذه النقطة وتركها لعادات الناس واختياراتهم وأقدارهم – كما تكونون يول عليكم-، فهل من الصواب أو حتى من اللائق أن يتدخل كل منا في تطبيق القوانين ملفقا التهم للناس بمجرد أنه سمع كلمة لا ترضيه، أو لم يعجبه شكل قائلها، أو دب الحسد في نفسه تجاهه!! ألا يعد هذا من القذف والتشهير اللذين يحرق جلد صاحبهما بالسياط جلدا؟ وإذا كان الناعق على حق في اتهامه هذا، فليس على حق في التشهير بالناس، وليس على حق في تطبيق القانون بيده، وتحدي الدولة، وإن كانت ظالمة.
من أنتم حتى ترغموا الدولة على فعل ما لا ترغب في فعله؟ من منكم يقدر على إجبار أمريكا – مركز الديمقراطية - على ترك العنصرية الحقيقية، وعلى ترك ظلم دول العالم، وعلى ترك محاربة الإسلام، وعلى ترك التعصب لإسرائيل الظالمة في وضح النهار؟
وهل يبقي للدولة وجودٌ في ظل هذا الجهل المتنامي؟ هل أصبحا أكثر من دولة داخل الدولة، لكل دولة شياطينها ومظاهراتها ومطالباتها التي لا نهاية لها!..
ما أريد قوله هو أن الدولة - مهما كانت، إن كنت تريد لنفسك ولزوجتك ولأبنائك ولأقربائك العيش بأمان وسلام في نواكشوط - هي وحدها التي لها الحق في تحديد من المفسد من المصلح، وإذا سكتت عن أحد الناس، أو حتى أعانته على فساده، فذلك يعنيها، وتلك مسئوليتها التي ستلقى الله بها، لا مسئولية المغردين والمتبرمين والجهلة العوام، فاحذروا من فتنة هذه الحرية المتسيبة التي تسلل شررها إلى بيوتكم الدافئة، أعاذنا الله وإياكم منها..
وتأمل في مصر حفظها الله من شر الإخوان والمظاهرات، تجد قرارا أصدرته الدولة يحذر المتظاهرين من الإقتراب من منشئاتها، ويهددهم بالرصاص الحي هذه المرة، ويصراحة، لأن ما بعد المساس بمنشئات الدولة الأساسية، وتحديها، والنباح أمامها، وقذفها بالنعال، هو سقوط هيبة الدولة، وبالتالي سقوطها، وهذا خير منه الحياة بأمن وتلاحم في ظل فرد مجنون يتهمه البعض بالدكتاتورية (والذين يتهمونه بذلك قلة من المثقفين الغير راضين ولا صابرين، ومن رجالات السياسة والمصالح، لا يمثلون السواد الأعظم من الشعب الراضي بالعيش في أمان ولو في ظل الفقر، فالمشكل ليس في البطن وقلة الحيلة، بل في انعدام الأمن، وحلول الفوضى، فلا حياة في جو ذلك)..
وأدعو هنا، ولعلها أول دعوة من نوعها، إلى أن تسن الدولة الديمقراطية بواسطة البرلمان الديمقراطي المبجل عندهم، قانونا يجرم محاولة إرغام الدولة على تنفيذ الأحكام والقوانين، والتدخل في سلطاتها من قِبل غير المخول لهم فعل ذلك، ولو بالتدوين، فما بالك بالتظاهر في الشوارع، وأمام منازل الناس!، فليخرج مثل هذا القانون الديمقراطي النافع للأمة في هذه الأيام، وليطبق بصرامة على كل ناعق ومتظاهر، فهذا وقته، ووقت أمثاله من القوانين الصارمة الرادعة، ولنر بعد ذلك من سيفتح فمه من غير المحترمين للقوانين الناعقين بديمقراطيتها..