معارضتنا والنظام / عثمان جدو

تعتبر المعارضة السياسية مؤسسة ذات أهمية كبرى في كل البلدان ، وذلك على أساس أنها مظهر هام من مظاهر التعددية السياسية من جهة ؛ ولكونها رقيب على ممارسة السلطة لصلاحياتها الدستورية والقانونية من جهة أخرى ..

وعلى الرغم من تباين أشكال النظم السياسية والحزبية ؛ بتباين التجارب واختلاف المجتمعات ، فإن أغلب الباحثين يتفقون على ضرورة وجود معارضة سياسية ضمن النسق السياسي المعاصر أيا كانت طبيعته ...
وكثيرا ما حرصت الأنظمة السياسية في الشعوب والأمم المتطورة على تكريس دور المعارضة ورعايته وتطويره ؛ لكونه يشكل الدعامة الأساسية لحماية النظام السياسي من الاعوجاج والنكوص الذي يقوده إلى السقوط .مما يعني أن دور المعارضة في الأنظمة السياسية الديمقراطية الراسخة لا يعني تعويق الحراك السياسي ولا ينبغي أن يهدف إلى إسقاط الحكومات الجيدة ،بل ينبغي أن يتلخص هدف المعارضة هنا في ديمومة مراقبة صناع القرارالسياسي ومدى نجاحهم أو إخفاقهم ، وتقويم القرارات الخاطئة الصادرة منهم.
وهنا تكمن أهمية المعارضة في النهوض بالعملية السياسية وحمايتها من الشطط ؛ من خلال المتابعة المتواصلة وفقا لآلية عمل المؤسسات الدستورية سبيلا إلى تقويم وتنظيم الحراك السياسي وجعله على السكة الصحيحة دائما .
إنطلاقا مما تقدم ووقوفا عند تنظير الباحثين في هذا المجال وإسقاطه على واقع نظامنا ومعارضتنا والطريقة التي تحكم العلاقة بين الإثنين سيجد الناظر إلى واقعنا السياسي  للوهلة الأولى مدى التشرذم والشقاق الحاصل بين الطيف السياسي سواء تعلق ذلك الخلاف بالمعارضة والنظام أو بالخلاف داخل المعارضة،
فكل هذه الأطراف لايكمل عمل الآخر بالطريقةالدستورية المعروفة والتي تنطبع بطابع الإيجابية والمراقبة والتوجيه والتقويم من أجل الثبات على جادة الصوب وتحسين الأداء ونضج التصرف .. فإذا ما عدنا بالذاكرة قليلا إلى محاولات المعارضة مثلا للنيل من النظام والسعي إلى إسقاطه لأسباب كان من المفترض البحث لها عن حلول ووضع اليد في اليد من أجل تناغم العمل والحصول على تكامل وظيفي يخدم المصلحة العامة ويدفع بعجلة التنمية نحو التقدم والازدهار..، فلا زلنا نتذكر ما يسمى بتسجيلات آكرا وماتبعها من هزات إعلامية وتسويفات وتسويقات لم تنفع المعارضة ولم تؤثر على بقاء النظام ، والحال نفسه ينطبق على مايعرف بالرصاصة الصديقة وما صاحبها من حكايات وما تبع ذلك من أخبار يلفها الغموض ، ورغم الحكايات والأقاويل ؛تجاوز النظام تلك الهزة وبقيت المعارضة لم تبرح مكانها إلا إلى الخلافات والانشقاقات لاحقا ..! والحالة هذه تنطبق على ما يعرف بأزمة رجال الأعمال وحادثة المصحف والمقال المسيء وحادثة حرق الكتب الفقهية وشبح الحرب الأهلية والارتفاع المتزايد للأسعار، كل هذه العناوين كانت بارزة من خلال توظيف المعارضة لها ومحاولتها استغلالها حسب طريقتها ومقاسها دون الاستفادة أو الاعتبار من النظم والترتيبات الدولية التي تخدم المصلحة العامة ذات الطابع الرقابي التكاملي ..
كل هذه الهزات تم تجاوزها وظهر بعدها النظام صامدا متمتعا بثقة أكبر في نفوس المواطنين البسطاء الباحثين عن الخبز والسلام فقط ؛المواطنين الغير مكترثين بمن سيتولي إدارة شؤون البلاد مادامت المصلحة مقصودة والأمن سائد والخبز متوفر .
وانكشف الستار بعد ذلك عن معارضة ضعيفة ، مقطعة الأوصال ؛تتشتت لأبسط الأسباب ؛مطاردة لأخف المصالح ؛ منجرفة في كل انزلاق حبا للزعامة واستئثارا بالريادة .
إن معارضتنا اليوم تعاني من الداخل بسبب التمزق والخلاف الحاصل بين أقطابها ومعارضة بعضهم البعض حبا للانفراد بزعامة المعارضة أو منسقيتها أو منتداها وكأن الوطن ينحصر في الثلاثة ..! 
إن وجود المعارضة حالة صحية مؤسساتية ؛بل هو حاجة ضرورية وعدم وجودها حالة خطيرة وغير صحية في جسم الدولة وطبعا وجود المعارضة هو ابسط تعبير عن وجود السياسة نفسها ونجاعة دورها تتويج وإقرار للديمقراطية ، لكن بلادنا لم يكن لهامن ذلك مع الأسف الشيء الكبير ، ففي الوقت الذي ينبغي فيه إيقاظ النظام وتنبيهه وتوجيهه تنصرف الهمة إلى استغلال الفرص للإطاحة والإسقاط دون إعطاء الفرص وبالتحامل الزائد ويختفي التقييم عند الاستغناء عن التقويم ..!
فأين ياترى أصوات معارضتنا من نجاحات الدبلوماسية الوطنية؟ ؛ التي تقود إفريقيا اليوم ويحضر اسمها في كل اجتماع ولا معنى لقمة إفريقية أو عربية دون حضورها واستشارتها والأخذ بتوصياتها، وهي التي كانت لايسأل عنها إذا غابت ولا تستشار إذا حضرت ..!. .

29. نوفمبر 2014 - 16:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا