الوحدة الوطنية بين الأمس واليوم / إبراهيم ولد أبكر

إن الوحدة الوطنية بكل معانيها ودلالاتها تظل الحصانة المثلى والصمامالآمن لاستمرار وديمومة المجتمع والوطن،وهي بذلك الأساس الأول لكل عملية
تنموية تنشد التقدم والرفاه لأي شعب يشكل كيانا مستقلا، لما يتطلب ذلك من تجانس الرأى وتوحيد وجهات النظر حيال القضايا الوطنية الكبرى وما لذلك من انعكاس على حياة الجميع 

داخل الحيز الجغرافي الواحد حيث تترابط مصالح الجميع مشكلة نسقا تصب من خلاله الروافد الوطنية كلها منتجة وطنا واحدا
يرى من خلاله الكل نفسه بالتساوي بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين
حتى،ولتكن المواطنة بطاقة الاشتراك والوطنية بطاقة دخول النادي الوطني
وليكن العقد الإجتماعي (الدستور) الناظم لتسيير الوطن وتبادل أدوار
القيادة ولينصرف كل إلى ديدن البناء بحزم ومسؤولية،الشيء الذي لم يحدث في
موريتانيا طيلة تاريخها فرغم تقادم عهد الدولة ظل مفهوم السيبة حاضرا في
مخيلة النخبة مما مهد الأرضية الهشة التي يسبح عليها دعاة التطرف وهواة
الشهرة متخذين من شعبنا وقودا لأزمات مفتعلة وتحت عناوين مختلفة وبذرائع
هي الأخرى أكثر اختلافا،فتارة تذكى النعرات القبلية والطائفية وتارة
العرقية والشرائحية ليبقى الوطن يئن تحت وطأة التشرذم والتفرقة مترنحا
بين دعوات الإنفصال وضم الإقليم كما هو الحال مع افلام من جهة والموالون
للمغرب من جهة أخرى،غير أن الأدهى من ذلك كون النخبة الوطنية لم تؤسس
يوما لمشروع سياسي وطني جاد ، إلا ما كان من اشتهادات فردية لا ترقى إلى
مستوى المشاريع الفكرية المتصارعة في الساحة الدولية آنذاك،الشيء الذي
أعطى مصداقية خاصة للأفكار المستوردة كالمشروع القومي بشقيه البعثي
والناصري والفكر  الإسلامي بشقيه الإخواني والوهابي والفكر الغربي بشقيه
الاشتراكي والليبرالي لتظل الساحة السياسية الوطنية مسرحا ومرتعا خصبا
للصراع الساسي الدولي إذ لا ناقة لموريتانيا ولا جمل في تلك المعركة لتظل
نخبها مشغولة وإلى اليوم عن إنتاج فكر سياسي وطني ينبع من الذات
الموريتانية وإليها يعود، الشيء الذي يعرض الوحدة الوطنية للخطر طالما
المهتون  بالعبث بها ذو أجندات خارجية أو هم جنود لقوى خارجية قد لا تكون
وحدة الوطن وتماسكه بالتي تخدم مصالحها.
لقد أدى تباين وجهات النظر واختلاف المناهج - التي منها استقى السياسي
الموريتاني فكره - إلى إنتاج مجتمع غير متجانس بحكم اختلاف المشارب
الفكرية، حيث يفكر كل فريق انطلاقا من الجهة التي يتع لها فكريا على
الأقل وبالتالي أصبحت العناصر المكونة للنخبة السياسية والثقافية في
البلد عصية على الخلط، ضف إلى ذلك أن موريتانيا رغم أن دستورها نص على أن
اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد إلا أن النخبة المسيطرة على ما
يبدو لم تستجب حتى الآن فالمنابر لا زالت حافلة بلغة الأسياد وحتى قبة
البرلمان وهو الجهة التشريعية لم تسلم هي الأخرى من ذلك الهذيان، لذلك
فما دام القوم لا ينطقون لغة واحة فهم تلقائيا لا يفكرون تفكيرا واحدا
وداموا كذلك فلا مجال للوحدة حيال أي من المواضيع الوطنية ومادام الأمر
كذلك فإن الوحدة الوطنية تبقي كلاما مستهلكا لا معنى لتحقيقها في هذا
الجو المفعم بخلط الواجب بالممنوع والمباح بالمكروه حتى تأخذ الدولة
مسؤولياتها إذ هي الوصي الأول على وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي لهذا
المنتبذ القصي.
إن الدولة – رغم ما يشيع البعض عنها – قد اتخذت من التدابير ما يكفي
لتعزيز الوحدة الوطنية واللحمة الإجتماعية وقد برأت نفسها عبر ترسانة
قانونية وبرامج طموحة قد تفي بالغرض المطلوب إذا سلمت من الأيادي
المرتعشة، لكن لا بد لتلك الإصلاحات من المتابعة والتعاون بين الجميع حتى
نستل وطننا من وحل يراد له أن لا يخرج منه إلا عاد إليه ثانية،الشيء الذي
يتطلب جهدا مضاعفا وتكاملا حقيقيا بين النخب السياسية والثقافية كون
الوحدة الوطنية أساس متين وعروة وثقى لديمومة الوطن وسلامة أهله ولا يجوز
أو يقبل بحال من الأحوال أن تظل شماعة يعلق عليها المرجفون أحلامهم
الضائعة في وقت تتهاوى إمبراطوريات كبرى سواء على المستوى الدولي أو
الإقليمي إذ لا مجال للمساس بمقدس الوحدة الوطنية طالما لم يسلم – في حال
انفراط العقد لا قدر الله – أي منا من الإكتواء بتك النار التي يراد لها
أن تلتهب حتى من بعض أبناء موريتانيا أنفسهم.
هكذا تفرق دم الوحدة الوطنية بين قوى سياسية ستجد نفسها يوما مجبرة على
إعادة النظر في مشاريعها السياسية شبه الخالية من تخصيص مساحة كافية
لقضية كثر اللغو حولها  دون أن تنال من الجدية ما يكفي لتحقيق حلم راود
الجميع وداعب أحاسيسه وتضرر الجميع جراء الهزات التي شهدتها الوحدة
الوطنية ابتداء بأحداث ستة وستين ومرورا بأزمة تسع وثمانين وصولا إلى عهد
المتاجرة بالقضية وخلطها بالسياسة وتجريم التراث ولو كان ذلك التراث
دينيا كحرق الكتب والتشهير بالعلماء،فإلى متى والوحدة الوطنية
تستغيث،،،واموحداه.
سلم الله موريتانيا وأهلها

1. ديسمبر 2014 - 9:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا