نحو تعريف أشمل للمقاومة الوطنية .. لا يستثني أحدا​ / أحمد ولد الســـــالم

في  كل سنة وقبيل  احتفال  البلاد  بعيد  استقلالها   الوطني المجيد ،  يتجدد  الحديث  حول  المقاومة  الوطنية ،  ويبرز  السؤال  مجددا  حول  من  قاوم  المستعمر  الفرنسي ؟
إذا كانت   المقاومة  تعني  من جملة  ما تعني : "جميع الأعمال الاحتجاجية التي تقوم بها مجموعات بشرية 

 تجد  نفسها تحت وطأة وضع لا ترضى عنه " ، كما عرفتها بعض القواميس ،  فإن  الزعم  بأن  شرائح  بعينها  انفردت  بحمل  لواء المقاومة وقدمت  الشهداء  ومختلف التضحيات في ساحات  الجهاد  ... وأن شرائح  أخرى  بالمقابل  اكتفت  بلعب   دور  المتفرج  وحسب ، إن  هذه  المزاعم تنطوى  على  اتهام  صريح   لهذه  الشرائح  بالخيانة  و التخاذل  و العجز  عن  المساهمة   في   محاربة  مستعمر  استباح  البلاد  والعباد  .
لقد  كان  من  أهم  نتائج وتداعيات  هذه  المقولة    التي  رُوِّج  لها  طيلة   نصف قرن  من الزمن ،  إعفاء  هذه  الشرائح لا حقا  و  بشكل جماعي  من  أي دور  قيادي  في دوائر صنع  القرار  و  إدارة   شؤون  الدولة  بعد  رحيل  المستعمر  وإعلان  دولة  الاستقلال ،  ولا تزال  هذه  الشرائح    حتى  اليوم  تدفع  فاتورة  تلك   المزاعم  التي كرست  الدونية  وأسست  لتراتبية   أريد  لها  أن  تبقى  وتخلد ، عبر كتابات  المؤرخين الموريتانيين    وواضعي  المقررات  المدرسية  وضيوف الندوات  والحلقات  النقاشية .
والحقيقة   التي  لا  مراء  فيها  أن  جميع  شرائح  المجتمع  الموريتاني  شاركت  بفعالية  في  عملية  مقاومة  المستعمر  كل   حسب  طاقته  ووفق  الدور  التخصصي  المسند  إليه   .
ولعل  السبب  الحقيقي  في  إسقاط  أسماء   بعض  الشرائح  من  سجل  المقاومة ، رغم مشاركتها  الفعلية ، مرده    عملية  تكييف  السلوك  المقاوم  مع  الدور  السلطوي  للشريحتين  المسيطرتين آنذاك ، ( الزوايا  وبني حسان  ) ، حيث  نجد  أن  المقاومة  المسلحة  تم  اختزالها – كليا - في   شريحة  بني  حسان  " لعرب " ؛  فيما  اختزلت  المقاومة  الدينية  أوالثقافية  ، بشكل  كامل  ، في شريحة  الزوايا على  الرغم  من  أن  بعض   الزوايا  انخرطوا  في  المقاومة المسلحة  بشكل  فعلي  . وفي  ضوء هذا  الاستحواذ  الواضح  على  شرف  المقاومة   وهذا  الفهم الضيق لها ،  أقصيت    بقية  الشرائح الأخرى  ( لمعلمين ، لحراطين ، ايكاون  وآزناقة ) ، ولم يُعترف  لها  بلعب  أي  دور - ولو  كان  تكميليا   أو  شكليا  -  في   مقاومة  المستعمر  باعتبار أنها  لم  تكن   معنية  بهذا  الدور   وظيفيا !.
لقد  أهمل  مؤرخو  هذا  البدل  وكل  من  تناول بالكتابة  حقبة  الاستعمار الفرنسي  ما  يعرف في قواميس  الحروب  ب "الدعم  اللوجستي"  أي    logistic support أو soutien logistique   ،  رغم  أهميته   ومحورية  دوره  الاستراتيجي  في أي نزاع  مسلح  .. ونجد  تعريف  الدعم  اللوجستي  في الموسوعة  الحرة  كما يلي :  " يُعرف  بالإمداد والتموين والتسليح والإخلاء وغيرها من الأعمال غير القتالية، والعاملون في هذا المجال عبارة عن مجموعات غير قتالية (...) . فمن قام  بتسليح  المقاومة  ؟ ومن قام  بعمليتي  التموين و الإخلاء  وغيرهما  من  الأعمال  الميدانية  غير  القتالية ؟  ومن  قام  برفع  هِمَم المقاتلين عبر الغناء  والأشعار الحماسية ؟
إنهم  أولئك الجنود  المجهولون  الذين  شكلوا  جزء  أصيلا  من المقاومة  الوطنية  ونهضوا  بمهام  الدعم  اللوجستي  باقتدار كلٌّ  من  موقعه  وحسب  تخصصه  ، إلى  جانب مشاركتهم   الميدانية  ضمن  صفوف  رجال  المقاومة  في ساحات  الجهاد  .
لقد  أبدع  الصانع  التقليدي  الموريتاني على  وجه التحديد  أيما  إبداع  وكان  صاحب الدور المحوري الأبرز  في  عمليات  المقاومة ،  فإليه  يرجع  فضل تسليح  هذه  المقاومة  ومدها  بما تحتاجه  من  الأسلحة  البيضاء  و السروج  وألجِمَة  الخيل والسيوف  والرماح ، كما يرجع إليه الفضل في صناعة  نماذج  متطورة من  الأسلحة  والذخيرة  كان  لها  كبير  الأثر  في إحداث  خلل بنيوي  في  الميزان  العسكري .  لقد  أحدثت   أسلحة  الصانع  التقليدي الموريتاني  ،  والتي كان  من  أبرزها  : (الفردي)  ، (بوفمين)  ، (الكشمي) و (الوروار )  ، إصابات  مؤثرة  في صفوف  الجيش الفرنسي  ونالت  من  هيبته  وحدّت  من  تفوقه  المطلق ...  ومن البداهة  أنه  لولا  تلك  الأسلحة  لما  قامت  للمقاومة  والوطنية   قائمة ، ولما  كان  لها   أي  وجود  يذكر ، إلا  إذا تخيلنا  مقاومة  مسلحة  بالعصي  والحجارة  ،  في    مواجهة  جيش  نظامي  غاز عالي  التدريب  ومسلح   بأفضل  الأسلحة  والذخيرة  وذي  كفاءة قتالية  عالية ، كما  لا يمكننا   تخيل  قتل  كبولاني  بالعصي والحجارة   في عرينه  ووسط  جنوده  !.
إن  الغبن  التاريخي  الذي  لحق  بشرائحنا   المهمشة   لا يقل  فداحة  عما  لحق  بها  من    غبن   سياسي  واقتصادي و ثقافي واجتماعي ... وعليه  ينبغي  الشروع  دون إبطاء  في   تسوية  تلك  المظالم  بما  يكفل  إنصاف  تلك  الشرائح  الكريمة  من  خلال  التنويه  بالأدوار  الحاسمة   التي  لعبتها   في  كافة  المجالات  وفي أوقات  السلم  والحرب ،  على    أن لا   يكون  ذلك  على  حساب  الشريحتين  الكريمتين  اللتين  لا  يستطيع  أحد  إنكار دورهما  البارز  وعلو  كعبهما  في  ساحات  الجهاد  ومضامير  العلم  والمعرفة  ...
إن  إنصاف  أبناء الشرائح  المهمشة  ورد  الاعتبار  لهم  فيه  تكفير  عن  تجاوزات  والماضي   ، وهو  فو ق  ذلك  خير  عاصم  من  غوائل  الفتن  وجنوح  سفينة  الوطن  إلى  المجهول  حيث  تجهل  المآلات  والنهايات   ..حفظ  الله  موريتانيا  من  كل مكروه .
ولله الأمر من  قبل ومن  بعد .

3. ديسمبر 2014 - 0:02

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا