تعتبر الدولة تجمعا سياسيا يتمتع باختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد؛ يمارس هذا التجمع السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة ، وتتميز الدولة بممارسة السيادة وبالطابع العام لمؤسساتها وبالتعبير عن الشرعية انطلاقا من قراراتها الملزمة ، كما تتميز بكونها أداة للهيمنة إذ يحق لها استخدام
العنف الشرعي في المجتمع من أجل تحقيق المصلحة العامة ، وتكتمل مميزات الدولة بطابعها الإقليمي المحدد والمستقل ..
انطلاقا من هذه التعريفات التي تعتبرمحل اتفاق يين فقهاء القانون ؛نبدأ هذه الملاحظات التي تتعرض لهذه الوقفة مع الذات .
في بداية فقرات مقال الكاتب ؛ بدأ بتحميل المسؤولية في عدم قيام الدولة في هذه الربوع ، أو بالأحرى عجز الآباء عن إقامة دولة مركزية ، في كون المجتمع العميق لم يكن يهدف إلى قيامها بمفهومها الجامع ..!
ثم خلص بعد ذلك مباشرة إلى تقمص دور الحكيم المتبصر مناشدا الموريتانيين بالتفكير العميق سبيلا إلى وضع اللبنة الأولى من الجسر الذي وصفه بالمتين والذي جزم أنه هو الموصل إلى الدولة الغاية والوسيلة ..! بعد ذلك وعد الشيخ مريديه وخلصاءه من محبذي التخاريف ومنتجعي الأوهام بالذهاب عميقا في قادم المعالجات ومستجدات التخاريف إلى ما أسماه تحت الجسر ، نعم ستذهب بكم هذه التخاريف بعيدا عن الواقع والمصداقية والإنصاف تحت جسركم المنهار ، ويعد الشيخ بالصراحة في الطرح والتصور ، ويلبس ثوب البراءة ؛ حين يقول أن التحدي أمامه كبير ؛ ويختلق لنفسه عدوا وهميا أسماه الخلل المتراكم ، الذي بات يستدعي التدخل السريع والمعالجة الفورية ،الواعية والحكيمة ..
عجبا..! كيف هي تلك المعالجة لو تركت هندستها بيد هذا الشيخ الغاضب بفعل الإبعاد عن السلطة؟
هل سيبدؤها بالتحريض على الخروج للشارع ومحاكاة الصيف العربي ، والدعوة الصريحة إلى الفرقة والشقاق كما سبق و أورد ذلك في سابق مقالاته المعروفة بسلسلة الحانوتي ؟
ثم يأتي هذ الكاتب في فقرته الموالية بطرح قد يكون تعبيرا عن شيء من الواقعية في فترة زمنية معينة ، لكنه لا يحظى بقيد أنملة من صفاء النية ، وذلك حين يقول أن العنصر العربي (البيظان) ظل مسيطرا أكثر من ألف سنة كان فيها ومازال صاحب الكلمة والقلم والسيف ..
ترى ما الفائدة من تقديم هذه المعلومة المكشوفة أصلا في هذا الظرف الزمني الحساس ، الذي ينشط فيه دعاة الفتنة والتفرقة والشقاق أكثر من أي وقت مضى ؟
بعد ذلك يقدم حقائق عن المستعمر وتعامله مع هذه الربوع غزوا وتقسيما وتفكيكا للمكون الإجتماعي ، متبعا طرقه التفريقية ، إلحاقا واقتطاعا واستلابا للحضارة .
ثم يؤكد الكاتب الشيخ بعد ذلك على عدم جدوائية الحرب والقطيعة مع الشمال ، ومقابلة ذلك بفتح التجنس مع الجنوب (التجنس الرخيص) .
ونوافقك الفكرة هنا ونقدم معك هذا الطرح ونقبل هذ التصور ، لكن ألا ترى أنه تأخر حتى فقد حماسه في التأثير ، فلماذا لم تنبس ببنت شفة من هذه الفكرة ؛أيام كانت أفكارك مؤثرة وطرحك متقبل وإسهامك في القرار وارد؟ .
ثم يعود ليشير إلى أن المشكل أكبر وأعمق وأن الذي قدم أو بالأحرى يظهر على السطح ،ليس إلا رواسب تخفي المشكل الحقيقي الجذري ،الذي يرفض الكل حسب زعم الكاتب الاقتراب منه ،وطبعا لايعدو كلامه هذا محض تنجيم وقراءة لفنجان مقلوب ؛طبع عليه مسبقا بجفى القلوب .
يعود بعد ذلك ويستشهد بكاتبه الذي تجاسر على بلادنا ؛والتي قال أنها دولة قامت من توازن الفوضى ..! ولو افترضنا جدلا صدق مقولة هذا الكاتب وأحقية اقتداء صاحبنا به واستشهاده بكلامه ،فما ضر موريتانيا إذا كانت نتاج فوضى ينعم باستقرار في زمن شهد زعزعة أمن واستقرار من كانوا يزعمون أنهم قادمون من مهد الحضارة بحبك التنظيم وكامل الوعي ؟ .
عد بذاكرتك قليلا وأنت الذي تحاول أن تتحدث دوما بعبارات قرآنية وترفع وتوظف شعارات إسلامية لحاجة في نفسك .
ألا ترى أن الدولة الإسلامية التي عرفت بعزتها ومنعتها وعمقها اللامتناهي ؛قامت ودعمت ركائزها بمكونات من مجتمعات لم تألف غير الفوضى قبلها ؟ .
إن طرح قضية الوحدة الوطنية والتعايش السلمي لم يكن ليذكر لولا وجود الأرضية المناسبة ؛في ظل الدولة المدنية القائمة ؛التي تحفظ ذلك وتصون أهدافه وإن وجدت هناك استثناءات مردها إلى أشخاص وجماعات لم تلتحق بعد بالركب ؛لكن الزمن لا يرحم المتقاعسين ولا يخلد المفرقين بالذكر الحسن ، وسيجد هؤلاء أنفسهم مرغمين على التغريد داخل السرب ؛في ظل الدولة القائمة بعمقها وأجيالها المتصالحة بإذن الله .
أبشر فما طال السودان لن يطالنا وإن تمناه المبغضون ،وحال مصر وليبيا واليمن وسوريا لايرضاه أدنانا فكرا لأمتنا الموريتانية ولن تقوم بوادره على أرضنا ،فشابنا مهما بلغ به الطيش مبلغه فإنه لم يفعل في الماضي ولن يصل إلى ذلك الفراغ العقائدي الذي ساهم في قيام ماذكرتم في هذه الدول الشقيقة ، مما يجسد لكم الطرح ويصدق لكم النبوءة ويتوجكم قراءة الفنجان بمهارة .