الفساد يقاوم! / دداه محمد الأمين الهادي

منذ أسابيع بدأت الصحافة الموريتانية تشق سبيلها إلى فضح جيوب امتلأت بالفساد، ناشرة حقيقة أعمال بطولية قامت بها لجان تفتيش مختصة، اكتشفت فسادا منتشرا انتشار النار في الهشيم، أتى على الشركة الوطنية للكهرباء، وعلى أموال الخزينة العامة للدولة في الولايات الداخلية.

الفساد المكتشف عاش في ظل حملات معلنة على الفساد، واستطاع أصحابه الفكاك من الرقابة الداخلية في المؤسسات المعنية، كما استطاع العيش بسلام بمنأى عن الرقابة الخارجية للمؤسسات، وهو ما يعني أن الفساد الوطني يطور أدواته، ويفلت من العقاب بسهولة بالغة، وينذر الفقراء والمساكين بجولات جديدة من المعاناة والحرمان والتهميش، في بلد ضاعت فيه الآمال دائما، واستطاع مفسدوه وأد وقبر أحلام ساكنته بشكل منتظم.
والمعضلة التي ستظل حجر عثرة في وجه إصلاح هذه البلاد لا شك هي الفساد الإداري والمالي، فبغض النظر عن الفساد المشرعن في القوانين الوطنية، وبغض النظر كذلك عن الفساد السابق على التوبة، فإن الفساد سيبقى ينخر هذا الوطن، مؤذنا بزيادة منسوب البؤس العام، والتسول والتشرد، وبازدياد أعداد الفقراء باضطراد منقطع النظير، وربما تتساءلون عن الفساد المتسم بالمشروعية، والفساد الآخر اللاحق على التوبة، ولكم كامل الحق في ذلك، ونحن سنجود بشرح النموذجين في الفقرة التالية:
- أما الفساد المشرعن في القوانين، فهو فساد يعطي نسب من أموال الشعب لناهبيه، وهو فساد –أيضا- يتجلى في زيادة أجور كبار الموظفين لحد المليون فما فوق، في حين يتقاضى صغار الموظفين ما لا يكفي لشراء سلال البيض، ولاقتناء علب السردين؛
- والفساد اللاحق على التوية هو فساد بعض النافذين في زمن تتوب منه الدولة، فتجب توبة الدولة تاريخ فساد الدويلة ذاتها، فمثلا من نهبوا منذ الاستقلال حتى نهاية حكم معاوية هؤلاء لا يسألون عن الماضي، حيث يفترض في فساد الماضي أنه تقادم وصار حلالا، فالفساد دائما يتناسى ماضيه، ويغفر في الربوع الموريتانية لذويه ماكان منهم زمن فسادهم السابق.
وما أشبه التغاضي عن فساد المسؤولين بالجاهلية، التي كانت قبل الإسلام، فالزعماء الوطنيون المفسدون يعيشون عالة على الشعب، وفي نفس الوقت يتوهمون في نفوسهم سيادة لا وجود لها، حيث يعتقد كل واحد منهم أنه مثال للقيم النبيلة، وللشهامة، ويتناسى حقيقته البشعة، حيث أنه لا يزيد على وباء اجتماعي يهدد حياة الناس ومستقبلهم، يأكل حراما ويشرب حراما ويتنفس حراما، ولكن في بلد لا يزال يقرر في كل يوم مفهوما حداثيا للحرام، ويخلق فترات من العفو عن قطاع الطرق، وناهبي العموم والخصوص.
جاء فساد الشركة الوطنية للكهرباء، وفساد الخزينة ليضيفا لبنات جديدة في وعي الناس بحقيقتهم، سواء أمعنوا النظر في الدروس، أم غضوا أبصارهم، وهم الغارقون حتى الركب في وحل تدني معنى الوطنية، وغياب المفهوم الصحيح للتدين الجماعي والفردي.
والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن المفسدين إنما يدفعهم للفساد وعيهم بقيمة وأهمية المفسد في مجتمعنا المادي البغيض، المتناسي لحكم الشريعة في الغلول، وعقوبة القانون لسارقي جيوب الدولة، حيث أن المفسدين في مجتمعنا يعيشون تبجيلا وتطبيلا، لن يعيشه إلا المحسنون من الأمة الإسلامية في مشاهد القيامة، والخلود.
المفسدون ينسون تماما في مجتمعنا ما قاله الله عن الغلول، كما ينسون الموت والحياة، والفاصل الضئيل بينهما، لكن من المؤكد أن الله لا ينس المفسدين، وأن لجان التفتيش الملائكية لا تنساهم، ولا تتغاضى منهم الرشاوى، وأن التدخل في إجراءات حسابهم يوم القيامة ليست واردة.
هذا الموضوع صار صالحا للتنكيت والضحك في مجتمع منهار القيم، ليس متدينا بامتياز، وليس حقوقيا أروبيا يعي شيئا من أي شيء، مجتمع عشش فيه الضياع، وأستهلك فيه البشر والحجر على السواء بالباطل لا غير، فلنضحك قبل ساعة صفرنا، قبل أن نترك هنا نتائج فسادنا مجسمة على أديم أرضنا، ونجنيها في مصيرنا الأبدي حيث سنجني النتائج، و "ساء صباح المنذرين".

12. ديسمبر 2014 - 18:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا