سريعا، وحاسما .. جاء رد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز على توصية البرلمان الأوربي بخصوص موريتانيا، والتي دعت إلى " إنهاء الرق الذي لا يزال موجودا في موريتانيا رغم تجريمه " – حسب نص التوصية-، كما دعا البرلمان الأوربي السلطات الموريتانية إلى سرعة الإفراج
عن الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي.
فقبل أن يجف حبر بيان البرلمان الأوربي حرص ولد عبد العزيز على مخاطبة أوربا باللغة الفرنسية قائلا: "لا عبودية عندنا، ولا استرقاق.. وبيرام أمام القضاء ليقول فيه كلمته، ولكن لا يمكننا أن نمنعكم من قول ما تريدون قوله".
يؤكد الأوربيون إذا وجود العبودية في موريتانيا، وينفي ولد عبد العزيز وجودها،ولكن ما يتفق عليه الطرفان هو أن موريتانيا تمتلك واحدا من أغنى شواطئ العالم بالأسماك، شاطئ يمتد على طول 650 كلم وغني بأصناف الأسماك.
انتهت قبل أيام مدة الاتفاقية الموقعة بين موريتانيا والاتحاد الأوربي في مجال الصيد البحري، وكانت الاتفاقية التي وقعت قبل سنتين تقضي بأن يمنح الاتحاد الأوروبي مبلغ 113 مليون يورو سنويا (حوالي 139 مليون دولار) لموريتانيا نظير السماح لأسطوله البحري بالصيد في المياه الإقليمية الموريتانية وفقا لشروط وضوابط حددتها الاتفاقية الجديدة، بينما كان هذا المبلغ لا يتجاوز 94 مليون دولار في الاتفاقية السابقة.
وقد استمر التفاوض بين الطرفين 15 شهرا، ما أقنع الأوربيين أن موريتانيا ليست في عجلة من أمرها، وكما يقال بالحسانية : " حوتها ماه حاركه فليد" واليوم، ومع انتهاء مدة الاتفاقية السابقة، وإصرار موريتانيا على ضمان أكبر استفادة للشعب الموريتاني من ثرواته السمكية، أمام هذا الواقع تذكر الأوربيون فجأة أن في موريتانيا " عبودية" وفيها أيضا حقوقيون معتقلون، يجب إطلاق سراحهم، لكن المفاجأة جاءت عندما أوضح الرئيس ولد عبد العزيز للأوربيين وعبر الإعلام، وبلغة واضحة أن موريتانيا أيضا ليست مستعدة للتنازل عن سيادتها، كما رفضت التنازل عن سمكها.
إن كانت لدينا مشاكل حقوق إنسان، فنحن أولى بمعالجتها، وإن كان لدينا سجناء فقضاؤنا مستقل، لا دخل لأحد فيه، علما أنه عندما كانت العبودية تمارس فعلا جهارا نهارا في موريتانيا، ولم يكن هناك قوانين تجرمها، لم يطالب البرلمان الأوربي بوقفها، ولم يتحدث عنها، ربما حتى لا يعكر صفو العلاقات مع موريتانيا، فالسفن الأوربية تمخر عباب مياهنا الإقليمية، مستنزفة ثروتنا، وبأرخص الأثمان.
يحسب للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز جرأته، في التعبير عن الموقف، واستماتته في الدفاع عن مصالح هذا الشعب القومية، كما يحسب له جرأته في الاعتراف بواقع التهميش الذي تعانيه شريحة " لحراطين" والأرقاء السابقين، ما حدا به لإنشاء وكالة للتضامن، مهمتها معالجة آثار ذلك التهميش، وممارسة تمييز إيجابي لصالح هذه الشريحة، التي لا يمكن أن يكون الأوربيون أرأف بها، ولا أحرص على مصالحها من النظام الموريتاني الحالي، فماذا قدم الأوربيون لشريحة لحراطين، سوى المواقف الانتهازية، التي تدافع عن مصالح اقتصادية للأوربيين أكثر مما تسعى لضمان حقوق لحراطين؟؟!
أنا هنا لا أحمل بيرام ولد اعبيدي، أو غيره مسؤولية هذا " الابتزاز" الأوربي، فلو لم يكن بيرام معتقلا لتحدث البرلمان الأوربي ربما عن حرية المرأة، أو حقوق الطفل، أو حقوق الشجر، أو أي ذريعة أخرى لابتزاز الحكومة الموريتانية، قصد انتزاع اتفاقية صيد لصالح الأوربيين، خصوصا بعدما اعتبروا الاتفاقية الماضية خسارة لهم، وقد طالبت دول أوربية بنقضها.
إن تاريخ الأوربيين في استخدام شعارات حقوق الإنسان لفرض أجندتهم على الدول الأخرى قديم، ومشهود، بينما تنتهك الدول الأوربية هذه الحقوق بأبشع الصور، فمثلا في باريس، وكبريات المدن الفرنسية يعيش ملايين المواطنين الفرنسيين، المنحدرين من دول أخرى أوضاعا مأساوية، ويعانون صنوف الفقر، والتهميش، وعندما حاولوا التعبير عن رفضهم لهذا الواقع المأساوي تم قمعهم بوحشية على يد نيكولا ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية، وعرضت شاشات التلفاز مشاهد الشرطة الفرنسية وهي تسحل المواطنين، وتضربهم في شوارع باريس، في مشهد مروع، لم يتحدث عنه البرلمان الأوربي.
وفي فرنسا كذلك تمنع النساء المسلمات من حقوقهن في الدراسة، والعمل لمجرد لبسهن للباس يتناسب مع معتقداتهن، أوليس هذا تمييزا على أساس الدين، وانتهاكا لأبسط حقوق الإنسان؟! وفي إيطاليا تتهم منظمة العفو الدولية – ومقرها في لندن- تتهم إيطاليا بانتهاك حقوق المهاجرين، وفي إسبانيا يمنع المسلمون حتى من مقابر يدفنون فيها موتاهم بطريقة توافق معتقداتهم.
لقد كان الزعماء الأوربيون يحتفون بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وسمحوا له بنصب خيمته في قصر الإيليزي، وفي روما، وكانوا يقولون: "إنه دكتاتوري، وينتهك حقوق الإنسان، لكن بلاده غنية بالنفط، ومصالحنا الاقتصادية تفرض علينا عدم انتقاده، ولا إزعاجه"، هذا ما قاله رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني عن القذافي.
إن محاولة البرلمان الأوربي ابتزازنا لانتزاع اتفاقية صيد ترضي الأوربيين، لا ينبغي أن تجعلنا ننكر مشاكلنا الداخلية، فصحيح أن شريحة من هذا الشعب عانت لعقود من ظلم اجتماعي، وسياسي، وثقافي، واقتصادي، ويجب تعويضها عما لحق بها من تهميش، وإقصاء، لكن دفاعنا عن حقوق شريحة لحراطين، لا يساويه إلا دفاعنا عن مصالحنا القومية، وحرصنا على تحرير العبيد من الاسترقاق، لا يساويه إلا حرصنا على تحرير دولتنا من التبعية للمستعمر،بثوبه الجديد، ورفضنا لاستغلال الإنسان الموريتاني لأخيه الموريتاني، لا يساويه سوى رفضنا لاستغلال ثرواتنا البحرية من قبل الدول الغربية دون مقابل يرضينا.
يجب أن يكون هذا واضحا للجميع...، واضحا للأوربيين في الخارج، وللمدافعين عن حقوقهم في الداخل، فكل صاحب حق يجب أن ينال حقه، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك عبر التفريط في حقوق أجيال لم تولد بعد، فالمعركة إذا معركة دفاع عن الحقوق، والأوربيون يدركون ذلك.